حمّور زيادة يكتب: ميراث من القيود

حمّور زيادة يكتب : ميراث من القيود
حمّور زيادة يكتب : ميراث من القيود

رغم مرور 3 سنوات على الثورة السودانية وسقوط نظام عمر البشير فى السودان إلا أن التعقيدات السياسية لم تسمح بتغيير كبير من القوانين المقيدة للنشر. لكن ذلك لم يمنع القيادات الجديدة التى تولت مناصب ثقافية من الضغط لتغيير الواقع السئ الذى خلفه نظام الحركة الإسلامية فى السودان.


فى نوفمبر 2020 قام جهاز الأمن والمخابرات السودانى بتسليم 2000 كتاب مصادر من المكتبات والمعارض للمجلس القومى للمصنفات الأدبية والفنية.

ورغم أن الأمين العام السابق للمجلس صرّح بأن أغلب الكتب قد تعرض للتلف بسبب سوء التخزين لدى قطاع النشر الثقافى بجهاز الأمن، إلا أن رمزية المسألة كانت مبشرة، خاصة مع ما تلا ذلك من السماح لعدد من الدور المحظورة والكتب الممنوعة بالمشاركة فى معرض الخرطوم الدولى للكتاب فى اكتوبر 2021، وهو المعرض الذى أغلق أبوابه فى اليوم الثالث بعد وقوع الانقلاب العسكرى الجديد.


أورثت ال30 عاماً لحكم نظام الحركة الإسلامية السودان ميراثاً ثقيلاً فى قيود النشر والثقافة. فكانت الكتب تصادر فى مطار الخرطوم من حقائب المسافرين. ويتم حجز شحنات الكتب للمكتبات والموزعين بالشهور للنظر فى مواضيعها ومضامينها.

ويحدث أحياناً أن تُمنع لمجرد العنوان. كما حدث فى معرض الخرطوم للكتاب فى 2017 حين كانت البلاد تعانى من تفشى وباء الكوليرا وتنكر الحكومة وجوده، فصادر جهاز الأمن رواية «الحب فى زمن الكوليرا» لجابرييل ماركيز من معرض الكتاب. ربما ظناً من الرقيب أنها تشير إلى الوباء فى شرق السودان.


ولسنوات طويلة ظلت المكتبات السودانية مجدبة مقفرة بسبب الرقابة التى كانت تسوّد صور الممثلات فى مجلة روز اليوسف قبل أن يتوقف جلبها إلى السودان كلية. ومنذ العام 1989 عندما استولت الحركة الإسلامية على السلطة مُنعت روايات الطيب صالح بحجة المحافظة على الأخلاق العامة.

ومُنع تدريس ترجمة رواية «موسم الهجرة الى الشمال» باللغة الانجليزية لطلاب قسم الأدب الإنجليزى بجامعة الخرطوم.

وظل المنع مستمراً حتى العام 2005 حيث سُمح للطيب صالح بزيارة السودان ضمن فعاليات «الخرطوم عاصمة الثقافة العربية»، ومع توقيع اتفاقية السلام التى أسهمت فى وضع دستور انتقالى به بعض الحريات.


لكن هذا الدستور لم يحم روائياً كبيرا مثل عبدالعزيز بركة ساكن من مصادرة أعماله من معارض الكتاب، خاصة روايته الأشهر «الجنقو، مسامير الأرض» والتى حصلت على جائزة الطيب صالح للأدب، لكن منعت السلطات نشرها فى السودان بجحة مخالفة الرواية للآداب العامة.


وفى العام 2009 تعرضت للتوقيف من الكتابة الصحفية، والتحقيق فى مجلس الصحافة والمطبوعات بحجة «خدش الحياء العام» بعد نشر قصة فى احدى الصحف السودانية. وفى التحقيق الذى أجرى معى بحضور رئيس تحرير الصحيفة قال لى كاتب سودانى منتم لجيل الستينيات إنه يرى فيّ بذرة أديب موهوب، وأن دورهم كمجلس حكومى أن يوجهوا قلمى ليكتب «فى ما يفيد الأمة»، وليجنبونى مصير الطيب صالح الذى «شهرته الماسونية ليسىء لسمعة السودان».


لم يكن المنع والرقابة فى السودان عملاً أمنياً فقط، لكن تورط فيه عدد من المثقفين والكتاب الكبار أصحاب التاريخ الأدبى المشرف. مثل الروائى السودانى الكبير إبراهيم اسحق. وهو اسم مهم فى الأدب السوداني.

لكنه عمل مع مجلس الصحافة والمطبوعات مستشاراً فأوصى بمنع عدد من الروايات والكتب بحجج متفاوتة مثل الضعف الفنى ومثل: مخالفة القيم السودانية والألفاظ غير اللائقة. ودافع الروائى الراحل عن نفسه أنه التزم بنص القانون فى تقييمه للأعمال الأدبية، وقدم توصياته بمنع نشرها فى السودان وفق هذا النص.


أورث خطاب الحركة الإسلامية الحاكم فى السودان منذ 1989 حتى 2019 المجتمع السودانى مفاهيم تطهرية وأخلاقية فى التعامل مع الأدب، مع نظرة مؤامراتية للثقافة باعتبارها «دبابات العصر الحديث التى تغزو العادات والتقاليد المحلية».

ومع عقود من منع الكتب، وتمزيق صفحات المجلات، وقطع مشاهد القبلات والغزل والملابس النسائية القصيرة من الأفلام (قبل منع عرضها فى التليفزيون تماماً) نشأت أجيال من الكُتّاب والقراء تزعجهم جراءة الأدب. ويعتبرون الثقافة فى العالم مؤامرة على أخلاقهم.


وفى العام 2015 صرّح ناقد سودانى مهم بأن الجوائز الأدبية مثل البوكر العربية لا تُعطى إلا للروايات التى تسىء لبلدانها، وضرب مثلاً بروايات ساق البامبو لسعود السنعوسى وترمى بشرر لعبده خال والطليانى لشكرى المبخوت.

اقرأ ايضا | رغم مرور 3 سنوات على الثورة السودانية وسقوط نظام عمر البشير فى السودان إلا أن التعقيدات السياسية لم تسمح بتغيير كبير من القوانين المقيدة للنشر. لكن ذلك لم يمنع القيادات الجديدة التى تولت مناصب ثقافية من الضغط لتغيير الواقع السئ الذى خلفه نظام الحركة الإسلامية فى السودان.