«داعش» من المطاردات الأمنية إلى كهوف الشتات في إفريقيا

تنظيم داعش
تنظيم داعش

عمرو فاروق 

هل نحن أمام مرحلة بعث جديد لتنظيم «داعش»، رغم استهداف زعيمه أبو إبراهيم القرشي في فبراير الجاري؟، وهل سيتمكن المكون الداعشي من ترتيب صفوفه، وتحقيق استراتيجية اتساع رقعته الجغرافية شرقًا وغربًا في ظل سقوط أركان دولته؟، أم ستنهي التصارعات الفكرية والأيديولوجية مسيرته التنظيمية؟

تفكك أوصال الكيان التكفيري، وانهيار دولته عقب «معركة الباغوز»، لا يعني نهائيًا سقوط المشروع الداعشي، إذ أن التنظيمات من شأنها أن تتعرض للتَشَظَّي والانشطار، لكن تظل روافدها باقية طالما أن مكونها الفكري قادر على التمدد والاستنساخ فكريًا وتنظيميًا .

لا يمكن قراءة مقتل القرشي بعيدًا عن تحركات داعش الأخيرة، وتنفيذه لعملية اقتحام سجن «غويران» والتي بلورت قدرات التنظيم واستعادته لقوته وقواعده، فضلاً عن توقع الكثير من الباحثين لمحاولة تفريغ الساحة السورية الواقعة تحت سيطرة الجانب التركي، لتمكين أبو محمد الجولاني زعيم «هيئة تحرير الشام»، وتقديمه كمعارض سياسي، تطبيقًا لنموذج طالبان الأفغانية.

يحتاج داعش في ظل الحالة الراهنة إلى قيادة تلتف حولها مختلف فروعه المتناثرة تحت لافتة «الخلافة»، ومن ثم يعتبر جمعة عواد البدري، شقيق أبو بكر البغدادي، رئيس مجلس الشورى العام، الأكثر توافقًا في ترسيخ وامتداد «هيبة» المشروع الداعشي التي أرساها البغدادي منذ إعلان خلافته المزعومة في يونيو 2014.

بعد خساراته للجغرافية السياسية في مارس 2019، على يد قوات التحالف الأمريكي، اتجه «داعش» لبناء شبكات محلّيّة، وهياكلَ تنظيمية تمهد لاستمرار تموضعه في المعادلة الدولية، مرتكزًا على مساحات إقليمية في عمق إفريقيا وآسيا، وفق نظرية «مركزية الإدارة»، «لا مركزية التنفيذ»، في وضعية شبيهة بتنظيم «القاعدة»، وهو سيناريو  يخلق ولايات وفروع أقوى من القيادة المهيمنة على المشهد الداعشي.  

نقل»داعش» فعليًا مركز ثقله التنظيمي في العمق الإفريقي (الغرب والوسط والشرق)، مستغلًا حالة الفراغ السياسي والأمني، والطبيعة الجبلية التي يوظفها في تدريب وتجنيد المئات من الشباب والمراهقين، في حالة أقرب إلى غرفة العمليات المركزية، مستحدثا ما يعرف بـمعسكرات «جيل التمكين»، التي تعتبر امتدادًا لمعسكرات «أشبال الخلافة» التي بدأها منذ إعلان خلافته المزعومة، لإنتاج كوادر بشرية تتبنى توجهاته الفكرية والتنظيمية.

يتبع تنظيم داعش نحو (6) ولايات تمثل غرف عمليات فاعلة لإدارة الكيان المتطرف، (5) منها يمثلن فروعه داخل إفريقيا وآسيا، وواحدة معتمدة على فكرة «الذئاب المنفردة» والخلايا الكامنة ومعنية باستهداف مصالح الدول الغربية داخل أوروبا.

على رأسهم، (ولاية غرب إفريقيا)، إذ سعى التنظيم للتموضع في جغرافية سياسية جديدة تمكنه من تنفيذ مخططه التخريب في الداخل الإفريقي، محاولاً التمركز في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، وتشمل هذه الغرفة مجموعة من الولايات والفروع النشطة بين مالي، وتشاد، ونيجيريا، والنيجر، تحت قيادة مركزية تعرف اصطلاحا بـ”ISWAP”،فضلاً عن متابعتها لنشاط الفروع في دول المغرب العربي مثل ليبيا والجزائر وتونس والمغرب.

يعود الوجود الداعشي في مالي تحديدًا إلى مايو 2015، عندما قام أبوالوليد الصحراوي، (قتل في أغسطس 2021)، القيادي بحركة «التوحيد والجهاد»، التي تحالفت في عام 2012 مع جماعة «الموقعون بالدم» تحت مسمى جماعة «المرابطون» وسيطرت على شمال مالي مطلع عام 2013، بمبايعته أبوبكر البغدادي.

ثمة أسباب متعددة منحت داعش وجودًا جغرافيًا في غرب إفريقيا، أهمها حالة التناحر والانقسام بين التيارات والكيانات التكفيرية المسلحة، لاسيما الموالية لتنظيم القاعدة، إضافة للصراع القبلي بين قبائل الطوارق وقبائل أزواد المتمردة على الحكم في مالي ما يجعلها فريسة سهلة الاستغلال سواء من داعش أو القاعدة.

كما تعد دول غرب إفريقيا بيئة حاضنة لعدد من الجماعات المتطرفة، لاسيما جماعة «بوكو حرام» الناشطة في محيط إقليمي كبير، وتعتبر أخطر جماعات التطرف الديني في الغرب الإفريقي على الإطلاق، حيث تسيطر على نحو 20% من الأراضي النيجيرية، والأقرب فكريًا وتكتيكيًا لتنظيم «داعش»، وقد سهل مقتل زعيمها «أبو بكر شيكاو»، في مايو 2021، عملية دمجها في «ولاية غرب إفريقيا».

رغم التراجع العام لتنظيم «داعش» في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنه بات بارزًا بشكل خاص في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي عام 202 (GTI) ما أدى إلى صعود وتيرة العمليات الإرهابية في 7 من أصل 10 دول إفريقية مثل: بوركينافاسو، وموزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ونيجيريا، ومالي، والنيجر، والكاميرون.

وقد توقع الخبير الفرنسي المتخصص في مكافحة الإرهاب أوليفييه جيتا؛ أنّ تتحول إفريقيا إلى ساحة معركة للإرهاب ‏على مدار الـ20 عامًا المقبلة، وستحل محل الشرق الأوسط، من حيث التمركز التنظمي وارتفاع حدة الهجوم المسلح تجاه الأنظمة السياسية، وتهديد استقرار الحواضنة المجتمعية بها.

بينما تتمثل الغرفة الثانية، في (ولاية شرق إفريقيا)، داخل العمق الصومالي، إذ ظهرت خلايا داعش في شرق إفريقيا، وتحديدًا بالعاصمة مقديشو في أكتوبر2015، عندما أعلن العضو السابق في حركة «شباب المجاهدين»،عبدالقادر مؤمن بيعته لداعش، وفي أبريل2016 بايع البغدادي تجمع يضم كينيا، وتنزانيا، وأوغندا، تحت مسمى «جبهة شرق إفريقيا».

وتتمركز فروع «داعش» في المناطق الجبلية الواقعة في ولاية بونتلاند، منذ عام 2015، وفي محاولة لإيجاد موطئ قدم له في العمق الصومالي عمل داعش على اجتذاب العناصر المنشقة عن حركة الشباب الإرهابية، سعيًا لإزاحتها تمامًا من المشهد.

وتعتبر (ولاية وسط أفريقيا) بمثابة الغرفة الثالثة، التي يعتمد عليها داعش في التغلغل في عمق القارة الإفريقية، وتضم الجماعة المتمردة في جمهوريتي أوغندا والكونغو الديمقراطية، «القوات الديمقراطية المتحالفةADF “، التي ظهرت منذ عام كجماعة معارضة للرئيس الأوغندي عام 1995، وضمت مجموعة من ضباط الجيش الأوغندي المنشقين، ويتزعمها حاليًا «موسى بالوكو»، وتم تصنيفها في مارس 2021 على قوائم الإرهاب الدولي من قبل الإدارة الأمريكية.

يضاف إلى ذلك جماعة «أنصار السنة» المعروفة بـ»حركة شباب موزمبيق»، وتتمركز في مقاطعة كابو ديلجادو شمال موزمبيق، بقيادة أبو ياسر حسن، المصنف على قائمة الإرهاب العالمية من قبل الخارجية الأمريكية، وقد بايعت تنظيم داعش في إبريل 2018. 

تمثل الفلبين (ولاية شرق آسيا)، الغرفة الرابعة، ويمتلك التنظيم فيها أربعة أذرع أبرزها جماعة «أبو سياف»، التي يعود تأسيسها لعام 1991، وبايعت داعش عام 2014، بقيادة  إيسنيلون هابيلون المكنى بـ» أبو عبد الله الفلبيني»، وقتل في  أكتوبر2017.

والذراع الثاني، هو تنظيم «ماوتي»، أسسه عمر الخيام وعبد الله ماوتي، أو «دولة لاناو الإسلامية»، (قتل عمر عام 2017)، وتم الاعلان عن التنظيم  في مايو2015، شمالي جزيرة مينداناو الجنوبية.

الذراع الثالث لداعش، هو حركة «تحرير بانجسا مورو الإسلامية» ويعود تأسيسها عام 2008، وبايعت داعش عام 2014، وفي عام 2014 ظهر كيان جديد موالٍ لتنظيم «داعش» يطلق على نفسه اسم «أنصار الخلافة»، وينشط في أقصى جنوب الفلبين.

في حين تمثل (ولاية خراسان) بأفغانستان، الغرفة الخامسة، وتعتبر من أهم غرف عمليات داعش، وواحداً من أقوى فروعه لما يتمتع به من قدرة على الانتشار والتمدد، وتم الاعلان عنها في يناير 2015 

رغب داعش من خلال «ولاية خراسان»، تشكيل كيان كبير يمتد من جمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان، إلى باكستان، والهند وبنجلادش، بالإضافة إلى إقليم خراسان الواقع في إيران، وشمال غرب أفغانستان، وقد اهتم «داعش» بالمنطقة الواقعة على الحدود الأفغانية  الباكستانية، ويعد حاليًا الفرع الأكثر رواجًا وتأثيرًا في ظل محاولة استثمار صعود طالبان للحكم الأفغاني، وتنفيذ هجمات مكثفة أبرزها، ضرب مطار كابول في أغسطس 2021، في هجوم مزدوج أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصًا وجرح نحو 120 آخرين ويعد هو الهجوم الأسوأ داخل أفغانستان منذ 20 عامًا.

وتدور ثنايا الغرفة السادسة والأخيرة في عمق القارة العجوز، بعدما كشفت وثائق مخزنة على قرص صلب عام 2019، حقيقة مكتب «مكتب العلاقات الخارجية لإدارة عمليات تنظيم الدولة في أوروبا»، والذي يدير تحركات العناصر الداعشية العائدة إلى موطنها الأصلي، واستثمارهم في تجهيز الخلايا النائمة، وتجنيد أكبر عدد ممكن من الانتحاريين والانغماسيين.