«معالي ماما» كوميدية عائلية منزوعة الدسم

فيلم معالي ماما
فيلم معالي ماما

محمد كمال  

تناولت السينما المصرية فكرة الأب أو الأم المنشغلة بأعملها عن أبنائها وتباينت مستوى تلك الأعمال بين الجيد والسيء، ويأتي فيلم “معالي ماما” ليكون آخر التجارب التي أخذت من تلك الفكرة إطار ليتم عرضها لكن بشكل جديد وفقا لتغييرات العصر، وهو الفيلم الذي يشارك في بطولته بشرى ومحمود الليثي ومحمد علي رزق ونزر إيهاب وسليم الترك وياسين أمير، وإخراج أحمد نور وتأليف نادر صلاح الدين، والذي يعود للسينما مرة أخرى بعد فترة غياب أمتدت لـ8 أعوام منذ فيلم “حماتي بتحبني” عام 2014.

اتخذ فيلم “معالي ماما” زاوية جديدة لتناول الفكرة ليحقق الاختلاف عن التجارب السابقة، وهي وجود شخصية الطبيب النفسي كدور محوري ومؤثر في الأحداث بعد أن لجأت له سيدة الأعمال معالي عبد الوارث التي تمتلك وتدير مؤسسة تعليمية بشراكة يابانية بعد أن أكتشفت بعض الإنحرافات في سلوك أبنائها الثلاثة “صباح ورشدي وأباظة”، ليكتب الطبيب في تقريره الأولى في أن الأزمة تكمن في الأم، وليست في الأبناء نتيجة إهمالها المستمر وإهتمامها الدائم بالعمل على حساب تواجدها معهم.

خط جديد اختاره المؤلف ليعيد تقديم تلك الفكرة واشتمل الفيلم على مجموعة من الأفكار الإجتماعية العائلية النفسية التربوية في إطار كوميدي، وهنا تكمن الأزمة الأساسية للسيناريو فقد كان الجنوح المتعمد والسطحي للكوميديا التي جعلت الفيلم ينزلق في حفرة من الكوميديا الإستهلاكية الساذجة، والتي أضاعت الفكرة الأساسية للعمل ككل، فنحن أمام معضلة إجتماعية جيدة دراميا يسود أعمال تهمل أسرتها ولها وجهة نظر فقد أصبحت العائل الوحيد بعد وفاة الأب وتحاول الحفاظ على نفس المستوى الإجتماعي لأسرتها.

ومن ناحية أخرى أبناء تظهر معاناتهم من هذا الغياب وتأثيره السلبي على سلوكهم، وهناك الطبيب النفسي الذي يتعامل مع مرضاه من الاطفال بشكل علمي مبتكر بعيدا عن التقليدية ولديه مشروع يمثل المستقبل في هذا المجال المهمل، لدينا طرح لسلبيات التعليم الخاص والأجنبي الذي يتعامل مع الأباء والطلاب بأنهم عملاء يدفعون المال فقط وهدفهم تقديم خدمة مميزة على غرار الشركات الأجنبية وليس مادة تعليمية ويطلقون على أولياء الأمور مصطلح “Client” أو عميل.

لدينا خط مهم جدا وهو القصور الواضح للأسر المصرية في مسألة التعامل النفسي مع الأطفال وأن اللجوء للمتخصصين في المجال النفسي أمر يعتبره الكثيرون معيبا، توليفة من الأفكار الجيدة ضمها الفيلم لكن إصرار صناعه على اللجوء إلى الكوميديا المبالغ فيها جعل الفيلم يترنح بمرور الأحداث بدلا من تقوية تلك الأفكار والتعامل معها دراميا وفقا لقواعد المجتمع ليخرج الفيلم في النهاية بمجموعة من الأفكار، لكنها منزوعة الدسم الدرامي تماما.

أمتلئ الفيلم بمجموعة من الشخصيات الكارتونية التي ظهرت بشكل هزلي سطحي ممل حتى في الكوميديا المقدمة بداية من الخادمة ومرورا بسكرتيرة معالي والثنائي الساذج اللذين يعملان في المؤسسة مع عدد من ضيوف الشرف الذين سرعوا بإنزلاق الفيلم في حفرة الاستخفاف مثل كوابيس معالي التي كانت تأتي أثناء نومها فقد خرجت بشكل ساذج جدا خاصة إقحام إسلام إبراهيم ومروة عبد المنعم وظهورها السطحي في تقليد ريهام سعيد ورضوى الشربيني والطبيب حسام داغر، وحتى تكتمل الصورة الكوميدية الهزلية كان يجب الإستعانة بطاهر أبوليلة لإظهار تلعثمه، وعلاء مرسي بضحكته الشهيرة، لم ينجو من تلك المذبحة المفتعلة سواء الثنائي محمد علي رزق ونور قدري فهما فقط من استطاعا تقديم كوميديا دون افتعال وبتلقائية شديدة.

اجتهدت بشرى في دور “معالي عبد الوارث”، وكانت ممسكة بكل تفاصيل الشخصية وانفعلاتها وتوصيل مشاعرها المتضاربة بين العمل والأبناء، حتى عندما قدمت الكوميديا ورغم أن الفيلم في المجمل ورغم جودة أفكاره خرج بشكل متوسط، لكن التجربة ككل تحسب لها وأنها أقدمت على البطولة المطلقة في وقت يمثل شبه غياب للبطلات النساء في السينما، ويجب أن تكون تلك التجربة بالنسبة لها بداية لتقديم تجارب أفضل.

ونفس الحال الليثي لكن ما عابه المبالغة في بعض المشاهد، وتظل مكاسب الفيلم الحقيقية تكمن في الثلاثي الذين قدموا أدوار أبناء معالي وفي مقدمتهم نور إيهاب التي تستمر في تألقها سينمائيا بعد فيلم “11:11”، لكن هذه المرة الدور أكبر أعطى لها الفرصة لإظهار موهبتها بشكل أكبر، خصوصا أن الدور كان كوميديا ومختلف تماما عما قدمته من قبل سواء في السينما أو التليفزيون.

في الأعوام الأخيرة تعاني السينما المصرية من قلة الأعمال الكوميدية الجيدة وكان أمام فيلم “معالي ماما” أن يخرج بشكل أفضل، خاصة أنه كان يحمل كل المقومات على مستوى الأفكار التي يطرحها لكن يبدو أن صناعه لم يكونوا على استعداد للتحليق أبعد من ذلك.