نجوم تألقوا في صناعة الموسيقي التصويرية.. تعرف عليهم

الموسيقي التصويرية
الموسيقي التصويرية

جمال سلامة

«دكتور الموسيقى»، هذا هو اللقب الأقرب والمحبب إلى الموسيقار الراحل جمال سلامة، والذي لعب دورا كبيرا في صناعة الموسيقى التصويرية في فترة منذ بداية السبعينيات وحتى وفاته، ويكفي أن موسيقاه كانت جزء من نجاح أعمال مثل «الكرنك، أريد حلا، عالم عيال عيال، أفواه وأرانب، أحلام الفتى الطائر، خلي بالك من جيرانك، ذئاب الجبل».. 

كانت حياة جمال سلامة مليئة بالتفاصيل منذ أن كان طفلا، حيث ولد في أكتوبر عام 1945، وسط الآلات الموسيقية المختلفة، فهو من عائلة فنية، فوالده حافظ سلامة الموسيقار الكبير، وهو أمر جعل من طريق جمال ممهدا نوعا ما، فحرص والده أن يلحقه بالمعهد العالي للموسيقى ليثقل موهبته، ليبدأ جمال في التلحين مباشرة للكبار في مجالات الغناء المختلفة، حيث لحن مونولجات لإسماعيل ياسين وشكوكو، وكان أيضا عازفا في فرقة كوكب الشرق أم كلثوم. 

وبعد أن أنتهى سلامة من دراسته بالمعهد العالي للموسيقى، قرر أن يثقل موهبته دراسيا، فسافر إلى روسيا ليلتحق بمعهد الكونسرفتوار بموسكو، وحصل على الدكتوراة ليكون أول موسيقار مصري يحصل على هذه الدرجة العلمية من موسكو، عقب عودته قام سلامة بتأليف عدد كبير من الموسيقى التصويرية لأفلام ومسلسلات مصرية وعربية، أشهرها «ذئاب الجبل، ألف ليلة وليلة، حبيبي دائما، أفواه وأرانب، العذاب امرأة، لا تبكي يا حبيب العمر، أهل القمة، أميرة حبي أنا، أفواه وأرانب، أريد حلاً، الكرنك، حتى لا يطير الدخان، أنا لا أكذب ولكنني أتجمل، قضية سميحة بدران، جحيم تحت الماء»، وقدم سلامة خلال مشواره 220 عمل موسيقي للسينما والدراما التليفزيونية والمسرح.

عمل سلامة عضوا بهيئة تدريس معهد الكونسرفاتوار بالقاهرة، وشغل عضوية لجنة الموسيقى بالمجلس الأعلى للثقافة، وتجاوزت مؤلفاته الموسيقية آلاف عمل فني ما بين الوطني والديني والعاطفي، إلى جانب الموسيقى التصويرية للسينما والدراما، وبرغم من ذلك لم يستطع سلامة جمع هذه المؤلفات على أسطوانات.

كرم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الموسيقار جمال سلامة، كما كرمه أيضا الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وحصل على أعلى جائزة تقديرية من الدولة والتي لم يحصل عليها سوى 3 فنانين هم أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وأخيرا جمال سلامة، وحصل على جائزة «عيد الفن» عام 1977.

كانت علاقة سلامة بالرئيس الراحل محمد أنور السادات وطيدة، حيث قدم في عهده أوبرا «عيون بهية» بمناسبة انتصارات حرب أكتوبر، وغنتها ياسمين الخيام، وفي أول ظهور فني لها، وأستمر عرضها 6 أشهر.

توفى سلامة عن عمر ناهز الـ75 عاما داخل مستشفى الهرم بعد أن تعرض للإصابة بفيروس «كورونا» عام 2021.

مودى الإمام

هل يكفي أن تكون نجل مخرج الروائع لتصبح موسيقي متميز؟.. قطعا لا.. اسم وشهرة وعلاقات حسن الإمام قد تقتصر المسافات وتساعد في البداية وتقصر المشوار، لكن ليس ضمان بالتألق والاستمرارية والنجومية بعد ذلك، حسن الإمام قد يوفر بداية مثالية لكن الاستمرارية والتفوق كانت بسبب موهبته الفطرية التي ظهرت في سن صغيرة، أنه الموسيقار مودي «أحمد» الإمام، نجل «مخرج الروائع» كما يلقب حسن الإمام، أحد أهم المخرجين في تاريخ السينما المصرية، والذي بالتأكيد ورث منه نجليه حسين ومودي حب وعشق السينما، لكن مع اختلاف الأدوار، حسين انتقل للتمثيل وتقديم البرامج، أما مودي فقد ظل مخلصا لمعشوقته الأولى التي أعطى لها كل شغفه ومجهوده، الموسيقى.

بداية مودي الإمام مع الموسيقى التصويرية كانت مبكرا في نهاية السبعينيات، وهو من مواليد 1957، أي أنه لم يجتاز الـ20 عاما، وقتها بالطبع، كان لوالده دور مهم في هذا، فقد كانت البداية من خلال أفلامه، فقد شارك الأخوان حسين ومودي في تأليف الموسيقى التصويرية لعدد من أفلام والدهما، بداية من «بالوالدين إحسانا» عام 1976، ثم «الكروان له شفايف» و«دعاء المظلومين»، وكانت أول تجربة للأخوين خارج أفلام والدهما مع المخرج أحمد السبعاوي في فيلم «بدون زواج أفضل»، ثم توالت أعمالهما مع حسن الإمام مرة أخرى، أما أول فيلم يقدم فيه مودي الموسيقى التصويرية بدون شقيقه الأكبر كان «لا تظلموا النساء» عام 1980 من إخراج حسن الإمام، ومن بعده انطلق مودي في عالم الموسيقى التصويرية بشكل منفرد، وفي عام 1984 أسس مع شقيقه حسين الإمام فرقة موسيقية على غرار الفرق الغربية التي كانت منتشرة في تلك الفترة تحت مسمى فرقة «طيبة».

أبدع مودي وشكل مثلث سينمائي مميز مع المخرج شريف عرفة والمؤلف ماهر عواد، حيث قدم الثلاثي معا 4 أفلام تحمل مزج بين الفانتازيا السياسية والكوميديا السوداء، بداية من «الأقزام قادمون» ثم «الدرجة الثالثة» و«يا مهلبية يا» و«سمع هس»، والأخير تحديدا كان يمثل عودة للفيلم الإستعراضي الذي غاب عن الشاشة الفضية لعقود.

موسيقى مودي كانت أحد الأركان الأساسية التي أعتمد عليها أثنين من المخرجين، الأول هو عاطف الطيب من خلال أفلام «ضد الحكومة» و«ليلة ساخنة» و«قلب الليل»، والثاني شريف عرفة في تجربته المتفردة مع «الزعيم» عادل إمام، حيث أكمل الثنائي التجربة الكوميدية السياسية الممزوجة بالجانب الإستعراضي مع «اللعب مع الكبار»، ثم كانت الموسيقى أحد الأبطال المؤثرين في «الإرهاب والكباب»، ثم وصلت للذروة مع «المنسي» حين قسم الإمام موسيقاه إلى شقين عبر كل منهما عن عالمين متناقضين، حيث عالم «المنسي» الفقير المعدم، وعالم «أسعد بيه» المليونير، وتوجت التجربة بفيلم «طيور الظلام» تلك الكوميديا السياسية السوداء الذي عبر عن صراع حزب الحكومة مع الجماعات الدينية، أكمل مودي الإمام تجربته مع عادل إمام بعد ذلك من خلال مسرحية «الزعيم» وأفلام «رسالة إلى الوالي» و«بخيت وعديلة» و«الواد محروس بتاع الوزير».

في عام 1991 قدم مودي الإمام تحفته الموسيقية الخاصة بفيلم «الهروب» مع المخرج عاطف الطيب، والتي مازلت عالقة بالوجدان حتى يومنا هذا خاصة اعتماد مودي على الأصوات البشرية وأصوات الطيور ومزجها مع الآلات الموسيقية، ومع جيل الألفية الجديدة كان لمودي تواجد مؤثر من خلال عدد من الأفلام، منها «جاءنا البيان التالي»، «عايز حقي»، «راندفو» و«الديكتاتور»، قبل أن يختفي عن الساحة لمدة 7 أعوام، بداية من 2010، ويعود في 2017 مع مسلسل «الزيبق»، ثم في العام الماضي قدم موسيقى فيلم «النمس والأنس» الذي عاد من خلاله للتعاون مع رفيق دربه، شريف عرفة.

ياسر عبدالرحمن

إذا قمنا بتشبيه كل موسيقار بآلة موسيقية بالتأكيد سنختار آلة الكمانجة مع الموسيقار ياسر عبد الرحمن، آلته المفضلة والمحور الأساسي والركيزة الأساسية في معظم أعماله فعشقه لتلك الآلة وصل إلى أنه في الحفلات التي يقدم موسيقاه فيها والتي من المفترض أنه يكون القائد والمايسترو نجده يتحول فيها إلى عازف للكمانجة على المسرح ولا يكتفي بمجرد فكرة القيادة فقط، وصفه الكثيرون بأنه الموسيقار الوحيد الذي جعل الكمانجة تبكي، خط الوتريات المعروف موسيقيا بـ«لاين الكمنجات» عند ياسر عبد الرحمن مختلف عن أقرانه فصوت كمانجة ياسر عبد الرحمن مميز فإذا كنت لا تعرف من صاحب المقطوعة أو الأغنية لكن بمجرد سماع الكمانجة يتم التيقن بأنه ياسر عبد الرحمن.

ياسر عبد الرحمن من مواليد 10 ديسمبر عام 1961 هو نجل الأديب الراحل عبد الرحمن فهمي، ودرس ياسر بمعهد الموسيقى العربية بأكاديمية الفنون وحصل على شهادة البكالوريوس بتقدير امتياز عام 1983 وتم تعينه معيداً لآلة الكمان، وحصل  درجة الدكتوراه في التأليف الموسيقي من ألمانيا.

يمثل ياسر عبد الرحمن حلقة الوصل بين الجيل الذي ظهر في منتصف السبعينيات مثل جمال سلامة وعمر خيرت وعمار الشريعي وجيل منتصف التسعينيات الذي قاده هشام نزيه وخالد حماد وتامر كروان، يمكن أن نعتبر ياسر عبد الرحمن هو ألفة تلك المرحلة الفاصلة بين الجيلين فقد نجح مع جيل السبعينيات وأكمل نجاحه مع مواهب الألفية الجديدة، كانت بداية ياسر عبد الرحمن في منتصف الثمانينات بتقديم توزيعات موسيقية لبعض الأغنيات والاستعراضات في مسلسلات مثل «أنا وأنت وبابا في المشمش» و«مذكرات زوج» لكن بدايته مع الموسيقى التصويرية كانت عام 1990 مع المخرج طارق العريان في فيلم «الإمبراطور» واستكمل عبد الرحمن هذا العام بمسلسل «الوسية» مع المخرج إسماعيل عبد الحافظ وكانت نقطة الانطلاق الأولى له من خلال التحفتين اللاتي قدمهما في العملين.

قدم ياسر عبد الرحمن تجربة فريدة من نوعها خلال فيلم «الباشا» عام 1993 مع المخرج طارق العريان فقدم الموسيقى التصويرية للفيلم وأيضا أغنيات الفيلم التي غنتها منى عبد الغني، ووقتها جعل عبد الرحمن موسيقى الأغنيات مأخوذة من نسق الموسيقى التصويرية للفيلم لتكون الأغنيات بنفس روح الفيلم.

حمل مشوار ياسر عبد الرحمن مع الموسيقى التصويرية العديد من النقاط المضيئة التي مازلت راسخة في وجدان الجماهير ويأتي في مقدمتهم موسيقى وأغاني مسلسل «المال والبنون» بجزئيه، وفيلم «كشف المستور» مع المخرج عاطف الطيب عام 1994 وبرغم اعتماد الطيب وقتها على أغنية «أول مرة تحب يا قلبي» كتتر للبداية إلا أن الموسيقى التصويرية للفيلم كانت من العناصر المؤثرة في نجاحه، وفي عام 1994 قدم عبد الرحمن عملين ينتميان للبطولات المصرية سواء الجيش أو المخابرات من خلال مسلسل «السقوط في بئر سبع» المأخوذ عن رواية لوالده، وأيضا موسيقاه الشهيرة والمؤثرة في قلوب الجماهير في فيلم «الطريق إلى إيلات» للمخرجة إنعام محمد علي التي تعد من أهم موسيقى الأفلام في تاريخ السينما، ونفس الحال موسيقى أفلام الرؤساء السابقين «ناصر56» للمخرج محمد فاضل التي قدمها عبد الرحمن عام 1996 وأيضا «أيام السادات» مع المخرج محمد خان عام 2001.

من العلامات المضيئة أيضا في مسيرة ياسر عبد الرحمن كانت موسيقى مسلسل «الضوء الشارد» مع المخرج مجدي أبوعميرة وفيلم «عرق البلح» مع رضوان الكاشف ثم «الرجل الآخر» و«أين قلبي»  مع مجدي أبوعميرة و«للعدالة وجوه كثيرة» مع محمد فاضل، ومسلسل «فارس بلا جواد» رغم عدم تحقيق المسلسل للنجاح المرجو منه إلا أن الموسيقى التصويرية كانت النقطة المضيئة الوحيدة فيه.

وفي الألفية الجديدة تألق عبد الحمن في «الليل وأخره» مع المخرجة رباب حسين و«رجل في زمن العولمة» مع عصام الشماع، و«الحقيقة والسراب» مع مجدي أبوعميرة و«سوق العصر» مع المخرج هاني إسماعيل و«كناريا وشركاه» مع إسماعيل عبد الحافظ، ومن أهم ما قدمه خلال تلك الفترة كان مسلسل «سارة» للمخرجة شيرين عادل وأيضا فيلم «ملاكي اسكندرية» مع ساندرا نشأت و«ليلة البيبي دول» مع عادل أديب.

هشام نزيه

عدد قليل من الموسيقيين الذين يهتمون أن تكون الموسيقى التصويرية الخاصة بأفلامهم تكون متسقة ومنتسبة مع الحبكة الدرامية في الأحداث دون الاعتماد على معرفة الإطار العام او النوعية فإذا كان العمل تاريخي فله شكل موسيقي وإذا كانت أحداثه في صعيد مصر يكون شكل الموسيقى مختلف مرتبط بدراما وموسيقى الصعيد، لكن يبرز الموسيقار هشام نزيه في تفادي تلك الجزئية فهو يهتم بأدق التفاصيل الخاصة بالسيناريو لتقديم موسيقى الفيلم أو العمل الذي يقدمه، هشام نزيه الملقب بعبقري الموسيقى بدأ مسيرته مع الموسيقى التصويرية عام 1998 من خلال فيلم «هيستريا» للمخرج عاد أديب.

وإذا قمنا بالنظر إلى مجمل أعمال هشام نزيه نؤكد أنه يحقق هذا الأمر بإمتياز فعلى سبيل المثال فيلم «السلم والثعبان» للمخرج طارق العريان الذي عرض عام 2001 وقدم له نزيه الموسيقى التصويرية ولأن رقصة التانجو كانت محرك أساسي للأحداث لم يكتفي نزيه بأن تكون موسيقى التانجو ضمن الرقصات فقط بل امتدت لتشمل الإطار العام للموسيقى التصويرية للفيلم وتتر المقدمة واشتملت بشكل أوسع الأغنيات التي ضمها الفيلم التي غناها خالد سليم ونجوان.

من بعد «السلم والثعبان» تحديدا أصبحت الموسيقى التصويرية لهشام نزيه تلعب دور البطولة في الأفلام السينمائية وتكون من أهم عناصر الإعجاب والإشادة بداية من «حرامية في كي جي تو» لساندر نشأت و«الساحر» لرضوان الكاشف و«سهر الليالي» لهاني خليفة» و«تيتو» لطارق العريان الذي استخدم نزيه خلال الأغنية الدعائية للفيلم التوزيعات الخاصة بالموسيقى التصويرية.

وفي عام 2009 جاء فيلم «إبراهيم الأبيض» للمخرج مروان حامد ليحدث نقلة جديدة في مسيرة هشام نزيه الذي حصد من خلالها على الجوائز والتكريمات رغم أن الفيلم ينتمي لنوعية الأكشن لكن توظيف نزيه لموسيقاه جاء قويا ومعبرا عن أحداث الفيلم وبرع نزيه في مزج الأصوات البشرية مع الموسيقى التصويرية للفيلم، ورغم أن فيلم «إكس لارج» للمخرج شريف عرفة  ليس أول فيلم كوميدي يقدمه نزيه إلا أن موسيقاه تعد  من الأفضل في حالة تصنيف موسيقى الأفلام الكوميدية من خلال الاعتماد على البيانو بشكل أساسي  استخدام آلة غربية بحتة تسمى اليوكوليلي نادرا ما تقدم في الموسيقى المصرية.

في مسلسل «السبع وصايا» للمخرج خالد مرعي لجأ نزيه إلى مزج الموسيقى الصوفية مع الحديثة ومزج معهما أشعار محيي الدين بن عربي حيث يروي قصة الخلق والخطيئة الأولى، وفي نفس العام 2014 قدم نزيه موسيقى الجزء الأول من فيلم «الفيل الأزرق» الذي ينتمي للدراما النفسية والرعب وفيها اعتمد نزيه على تقديم موسيقية أوركيسترالية ممزوجة بطبول إيقاعية عالية مع وجود أصوات أقرب للصرخات البشرية.

وفي فيلم «الأصليين» للمخرج مروان حامد جنح هشام نزيه إلى اختيار موسيقى أقرب إلى الغرائبية تسمى «المغلفة» التي تعتمد على النغمات المتقطعة المتكررة دون الاعتماد على جمل لحنية واضحة والتركيز على آله سينثيسايزر لتكون مناسبة لحبكة الفيلم التي تنتمي للديستوبيا.

تألق هشام نزيه عندما قدم الموسيقى التصويرية الخاصة بالحدث العالمي موكب المومياوات الملكية العام الماضي الذي فيه تم نقل 22 مومياء ملكية من المتحف المصري بميدان التحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وتم تكريم هشام نزيه على مجمل أعماله من قبل مهرجان القاهرة السينمائي عام 2018 وحصوله على جائزة فاتن حمامة التقديرية في الموسيقى التصويرية.

على إسماعيل

تعرض عديد من الموسيقيين للظلم من التاريخ الموسيقي في مصر وذلك بسبب تجاهل دور الموزع الموسيقي لعقود طويلة، وكان ذلك بسبب أن في فترات الثلاثينيات والأربعينيات كان الملحن هو الذي يتولى مسئولية التوزيع الموسيقى على غرار محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي ومحمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي .. وغيرهم، ومع بداية جيل الخمسينيات تغيير الوضع وبدأ يظهر دور الموزع الموسيقي أكثر وكان من أهم رجال تلك الفترة الموسيقار على اسماعيل الذي قدم عددا كبيرا من التوزيعات الموسيقية لأغنيات عبد الحليم حافظ، لكن ظل دوره مجهولا لأعوام طويلة بسبب عدم وإدراك الجمهور المصري وقتها للفرق بين دور الملحن ووظيفة الموزع الموسيقي.

ولد على إسماعيل في 28 ديسمبر عام 1922 وورث الموسيقار علي إسماعيل حب والاهتمام بالموسيقى من والده إسماعيل خليفة الذي كان مدرسا للموسيقى في البداية ثم قائدا لفرقة الموسيقي الملكية وقام بإلحاق نجله بمعهد الموسيقى «فؤاد الأول» وكان في الدفعة التي ضمت عبدالحليم حافظ وكمال الطويل وأحمد فؤاد حسن، ويمكن القول أن علي إسماعيل كان موسيقار متعدد المواهب بين التلحين والتوزيع والاستعراض وأيضا فن المنولوج والأغنيات الوطنية، كما أن علي إسماعيل هو من أدخل الهارموني في الأغنية المصرية.

كانت بداية على إسماعيل مع الموسيقى التصويرية للأفلام عام 1960 من خلال «غرام في السيرك» للمخرج حسين فوزي، وتعد موسيقى فيلم «الأيدي الناعمة» للمخرج محمود ذوالفقار التي ألفها على إسماعيل عام 1963 هي الأشهر والأكثر قربا للجماهير في مسيرته الطويلة، ومن بعدها تأتي موسيقى «عروس النيل» للمخرج فطين عبد الوهاب في نفس العام، وأيضا «الشموع السوداء» للمخرج عز الدين ذوالفقار عام 1962، و«يوم من عمري» عام 1961 مع المخرج عاطف سالم، و«العصفور» ليوسف شاهين عام 1974 و«أنف وثلاثة عيون» للمخرج حسين كمال، كما برع على إسماعيل في تقديم موسيقى الأفلام الكوميدية التي كانت في فترات الأربعينيات والخمسينيات تعتمد على المؤلفات الأجنبية وقدم إسماعيل موسيقى أفلام «آه من حواء» و«مراتي مدير عام» مع فطين عبد الوهاب، و«الزواج على الطريقة الحديثة» مع صلاح كريم.

كان لعلي إسماعيل دور مؤثر بعد تأسيس فرقة رضا الاستعراضية للفنون الشعبية فقد كان هو رئيس الفرقة الموسيقية ومؤلف موسيقى كل الرقصات والتابلوهات الاستعراضية وطاف معهم أغلب دول العالم وقدم معهم الأفلام التي قدموها للسينما على غرار «غرام في الكرنك» و«أجازة نص السنة» و«حرامي الورقة» مع مؤسسي الفرقة الأخوين علي ومحمود رضا.

وتوفي في 16 يونيو عام 1974 وقام الرئيس السادات بتخليد ذكراه حيث افتتح متحف في منزله.

راجح‭ ‬داوود

يمكن‭ ‬وصف‭ ‬راجح‭ ‬داوود‭ ‬بأنه‭ ‬مدرسة‭ ‬موسيقية‭ ‬متفردة،‭ ‬ويكفيه‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬خاصة‭ ‬تجربته‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬ورفيق‭ ‬مشواره‭ ‬المخرج‭ ‬داوود‭ ‬عبد‭ ‬السيد،‭ ‬والذي‭ ‬لازمه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أعماله‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬الصعاليك‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬لهما،‭ ‬ونهاية‭ ‬بـ«قدرات‭ ‬غير‭ ‬عادية‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬موسيقى‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الكيت‭ ‬كات‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الدرة‭ ‬الخالدة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬راجح‭ ‬الطويلة‭.. ‬

قدم‭ ‬راجح‭ ‬داوود‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬مشواره‭ ‬الطويل‭ - ‬الذي‭ ‬تجاوز‭ ‬الـ36‭ ‬عاما‭ - ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬والمقطوعات‭ ‬الموسيقية‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬السينمائية‭ ‬والدرامية‭ ‬أيضا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬منها‭ ‬للسينما‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬بمثابة‭ ‬البيت‭ ‬الكبير‭ ‬للموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬ولكل‭ ‬فنانيها،‭ ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬الموسيقى‭ ‬أحد‭ ‬الركائز‭ ‬الهامة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأفلام‭ ‬عكس‭ ‬الدراما‭ ‬التليفزيونية،‭ ‬والتي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬أخرى،‭ ‬ولذا‭ ‬صب‭ ‬إهتمامه‭ ‬الأكبر‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬مشواره الفني‭ ‬على‭ ‬مشاركاته‭ ‬السينمائية،‭ ‬عشقه‭ ‬وبيته‭ ‬الأول‭ ‬والأخير،‭ ‬فقدم‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬30‭ ‬مقطوعة‭ ‬موسيقية،‭ ‬وأرتبط‭ ‬خلالها‭ ‬أسمه‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬مخرجي‭ ‬السينما‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المدارس‭ ‬والرؤى‭ ‬المختلفة،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬المخرج‭ ‬علي‭ ‬بدر‭ ‬خان‭ ‬والمخرج‭ ‬داوود‭ ‬عبد‭ ‬السيد،‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬انطلاقته‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الصعاليك‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬وقدم‭ ‬معه‭ ‬أيضا‭ ‬‮«‬البحث‭ ‬عن‭ ‬سيد‭ ‬مرزوق‮»‬‭ ‬و«الكيت‭ ‬كات‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬سارق‭ ‬الفرح،‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الأحلام‮»‬‭ ‬و«أرض‭ ‬الخوف‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬قدم‭ ‬معه‭ ‬‮«‬مواطن‭ ‬ومخبر‭ ‬وحرامي‮»‬،‭ ‬وأخيرا‭ ‬‮«‬رسائل‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2010‭.‬

شكلت‭ ‬مقطوعات‭ ‬داوود وأغلب‭ ‬تجاربه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الموسيقى‭ ‬التصويرية،‭ ‬خاصة‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬منها‭ ‬للسينما،‭ ‬أسلوبا‭ ‬ونهجا‭ ‬مختلف،‭ ‬بنى‭ ‬عليه قواعد‭ ‬مدرسته‭ ‬الموسيقية‭ ‬الجديدة،‭ ‬والتي‭ ‬أعتمدت‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬أركان،‭ ‬أهمها‭ ‬العاطفة‭ ‬ومخاطبة‭ ‬المشاعر،‭ ‬وفكرة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المشاعر‭ ‬بشكل‭ ‬واسع،‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬موسيقاه‭ ‬ومنحتها‭ ‬قدرة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬مشهد‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬ترتبط‭ ‬به،‭ ‬لذا‭ ‬وصفت‭ ‬أعماله‭ ‬بأنها‭ ‬قدمت‭ ‬نموذجا‭ ‬جديدا‭ ‬لمدرسة‭ ‬اختارت‭ ‬الشجن‭ ‬أسلوبا‭ ‬في‭ ‬مخاطبة‭ ‬وتجسيد‭ ‬المشاعر،‭ ‬وبشكل‭ ‬ونمط‭ ‬أقرب‭ ‬للمقطوعات‭ ‬الموسيقية‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬والتى‭ ‬ارتبط‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬وأثرت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬ثقافته‭ ‬وخلفيته‭ ‬الموسيقية‭.‬‮   ‬‭ ‬

أعتمد‭ ‬أيضا‭ ‬الموسيقار‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أعماله‭ ‬السينمائية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬أساسية‭ ‬كانت‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬نبوغه‭ ‬وتألقه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وكان‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬يخرج‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تجربة‭ ‬جديدة،‭ ‬وهي‭ ‬ضرورة‭ ‬التقيد‭ ‬التام‭ ‬بكل‭ ‬تفصيلة‭ ‬صغيرة‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬مشاهد‭ ‬العمل،‭ ‬لإيمانه‭ ‬بأن‭ ‬الموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬أركانه،‭ ‬مكملا‭ ‬لكل‭ ‬مشهد‭ ‬من‭ ‬مشاهده،‭ ‬لذا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬متماشية‭ ‬ومعبرة‭ ‬عن‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬ينقلها‭ ‬كل‭ ‬مشهد‭ ‬وضعت‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬ترتبط‭ ‬كليا‭ ‬بفلسفة‭ ‬وفكرة‭ ‬العمل‭ ‬ككل،‭ ‬تلك‭ ‬القاعدة‭ ‬لم‭ ‬يتخلى‭ ‬عنها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الكيت‭ ‬كات‮»‬‭.‬