الطالبة.. والنصاب الصغير!

الطالبة.. والنصاب الصغير
الطالبة.. والنصاب الصغير

إيمان البلطي 

..رفضت أن تقاوم إعصارًا بداخلها ظل يعتمل أيامًا وليالي؛ بأنه ربما يكون وراء هذا الشاب الذي يجلس أمام «فرشة» أو ترابيزه صغيرة يبيع عليها الأقلام بجوار جامعة المنوفية، سرًا كبيرًا وبدا وكأنه يستذكر دروسه في مشهد لفت الأنظار، قررت وهي الطالبة الجامعية أن تخوض تجربة صحفية فريدة من نوعها رغم صغر سنها، ولما لا ففي الخديعة يكمن المكر والشر أحيانًا، تخلت الطالبة الصغيرة آلاء البري عن الهدوء وسارت وراء فضولها الصحفي، فحملت سطورها التي أرسلتها إلينا تأملا في نشرها الكثير من المفارقات والمفاجآت، وإلى نص رسالتها.

حقاً إن حياتنا من صنع أيدينا فلا نستطيع أن نجني منها إلا بقدر ما نزرع فيها..،

لاشك في أن النصاب هو أكثر الناس كسلاً وفي الوقت ذاته يتميز بالذكاء والمكر، فلا يستطيع أن يكشف أحد أمره بسهولة، فدائمًا ما كنت أسمع عن النصابين وأقرأ عن عمليات النصب والاحتيال على المواطنين وغالبًا كنت أضحك وأسخر من سذاجة هؤلاء الأشخاص فكيف يعطون كل أموالهم لشخص لا يعرفون عنه أي شيء، ولكني لم أتوقع أبداً أن أكون واحدة من هؤلاء الضحايا، بل وصل الأمر إلى الحد الذي أصبحت ألوم نفسي إذا مررت به ولم أعطه المال بل وكنت أحث زملائي من الطلبة على مساعدته، وللأسف طلعت أنا المسكينة في النهاية، بل وكنت أكبر دليل على صدق مقولة الكاتب الساخر الأمريكي الراحل مارك توين؛ «أكثر العناصر انتشارًا في هذا الكون الأكسجين والغباء»!

 اللقاء الأول؛ كان في نهاية العام الدراسي الماضي؛ حين ظهر وجه غريب من وجوه الباعة الموجودين حول حرم جامعة المنوفية والذين تعودنا على وجوههم فهم لا يزيدون ولا ينقصون عددًا، في بادئ الأمر لم يلفت هذا النصاب الصغير انتباهي فهو كالباقين يظل بسخافة يلح علينا كي نشتري منه عبوة مناديل أو قلم جاف أو رصاص؛ ولكن مع بداية العام الدراسي الحالي تغير شيء، فهذا الولد الذي كان يحمل كيسًا أصبح لديه مكانًا يجلس فيه ويضع أمامه شيئًا يشبه الترابيزة واضعًا عليها كل بضاعته من علب المناديل والأقلام وكل المستلزمات التي يحتاجها الطالب، فكنت أدخل وأخرج من الجامعة دون أن أعيره حتى بصري.

فجأة رأيته يجلب معه بعض الكتب ويضعها أمامه على الطاولة وبشكل متعمد يحاول إظهارها بشكل واضح، وكأنه طالب علم يعمل ويذاكر في ذات الوقت، وتأكيدًا لمواصلة خداعه أحضر تابلت معه لمدة اسبوع أو اسبوعين وتعمد إظهاره لكي يقطع شكنا باليقين ويثبت أنه طالب ثانوي ثم اختفى التابلت فلم نره يحمله مرة أخرى؛ وقد نجح سلاح التابلت في جذب تعاطف الجميع وعلى رأسهم أنا فأصبحنا نعطيه أموالنا بكل سلاسة ورضا، ولكن خدعه السحرية لم تقف عند هذا الحد فأصبح يبكي وينوح بصوت عالي وكنا نلتف حوله وبالرغم من تكرار المشهد أكثر من مرة لم يفشل أبدًا في كسب تعاطف الجميع، حتى أني رأيت العديد من زملائي وهم ينشرون بوستات دعم لهذا الفتى المكافح، الذي ينفق على والدته المريضة، وهنا بدأ الشك يساورني فهو أخبرني من قبل؛ بأنه ترك منزل والديه؟!

كشف المستور

بدأت أسأله عن اسمه، ولماذا يعمل في هذا السن؟!، فأجابني أن اسمه «ح»، طالب بالصف الثاني الثانوي وهو يعمل منذ كان بالصف الأول الإعدادي، الحكمة تقول «إن كنت كذوبًا فكن ذكورًا»؛ نسي ما قاله من قبل فأخبرني هذه المرة بأن والده يتاجر بالمخدرات، وأنه يرفض أن يكمل تعليمه بمال حرام فطرده من البيت وهو الآن يعيش مع جدته، ثم أكمل خداعه وقال لي؛ بأن لديه امتحان غدًا بالرغم من أن إجازة منتصف العام قد بدأت بالفعل، وفي اليوم التالي ذهبت إلى الجامعة ولحسن الحظ لم يكن موجودًا كعادته؛فبدأت اسأل الباعة حوله إن كان أحد يعرفه؟!،إحدى البائعات قالت لي:»ده ولد نصاب بوشين، ثم طلبت من ابنتها عمرها 10 سنوات أن تخبرني ماذا كان يقول لها؟!،فاستحت الطفلة أن تنطق ثم أكملت أمها قائلة: «كان بيقول لها كلام قليل الأدب،ودائما ما يفتعل معنا المشاكل ويشتمني بكلام أنا مش بقدر أرد عليه وهو يحمل تليفون محمول من المرسوم على ضهره تفاحة»..

ذهبت الفتاه إلى بائعة أخرى وسألتها عن هذا الفتى «ح»،فقالت لي؛ «كان بيمثل علينا الطيبة وبعدين لما لقى الطلاب بيتعاطفوا معاه بدأ يشتمني علشان أرد عليه وبعدين يعيط علشان الطلاب يتعاطفوا معاه ويدولوا فلوس، وفي مرة شتمني بكلام وحش أنا مستحملتش وقمت اتخانق معاه فضربني و قطع لى الطرحة،وبدأ يصرخ واتى الطلاب واتهموني بالقسوة، وفي مرة حفيدتي وقع من جيبها50 جنيه وعندما رأتها إحدى الطالبات اعطتها لها فبدأ يصرخ ويبكي ويحمل التراب ويلقيه فوق رأسه ويقسم بأنها بتاعته، ومن خلال كاميرا يضعها صاحب محل ملابس ظهرت الحقيقة»، وبعدما أنهت البائعة كلامها أرشدتني إلى المحلات التي يجلس أمامها هذا الشاب، وطلبت مني الدخول لأسألهم، فأكدوا لي كذبه وخداعه، وقال لي واحد من أصحاب هذه المحلات الموجودة أمام الجامعة؛»هو يأتيني يوميًا إ بـ 400 جنيه وأحيانًا أكثر، كي أجمدهم له، وفي مرة جاء لي بمظروف وطلب مني أن أضعه معي كأمانة ولكني رفضت قبل أن أعلم ماذا يحتوي هذا المظروف؛ فوجدت أن به1900 جنيه، وأخبرني أن إحدى السيدات أعطته له عن طيب خاطر، وفي مرة تانية أتى ومعه هاتف»iPhone»ثم طلب مني أن أخبره، كيف يفتح حسابًا بنكيًا، فأخبرته بأنه يجب أن يكون لديه أولًا بطاقة رقم قومي فأظهرها لي، وبعدها بأيام قليلة أظهر لي كارت فيزا بنك».

فأردت أن أقطع شكي باليقين وأن أريح ضميري بالرغم مما سمعته، فذهبت إلى أحد الأشخاص صاحب كشك قالوا لي أنه يعرف «ح» جيدًا، فقال لي؛»الحقيقة أن كل الموجودين هنا لا يستحقون أية مساعدة فإذا أراد أحد أن يتصدق بأمواله فيجب عليه أن يختار الشخص المحتاج بالفعل فبعض الناس ينخدعون بمظهرهم هذا فيعطوهم الأموال، رغم أن الأجدى أن نتبرع إلى الجمعيات الخيرية زي مصر الخير أو الأورمان مثلًا، أو الذهاب إلى مستشفى شبين الكوم والتكفل بعلاج مريض ولو بجزء صغير من المال، ثم استكمل كلامه؛ أن هناك شخصا يعرف أسرة هذا الشاب جيدًا، فوالده رجل طيب وقد طرده من المنزل بعد أن مل من تصرفاته، فقد رفض أن يواصل تعليمه واستسهل طريق التسول، رغم أن الأب يعمل وينفق على أسرته أما هو فقرر أن يسير في طريق الاستجداء من الناس بدلًا من أن يعمل أو يتعلم مهنة تقيه شر السؤال طالما هو لا يحب التعليم والدراسة، أنا متأكد وكلنا ايضا هنا نعلم أن هذا الفتى لا يحتاج مساعدة من أحد، فهو ليس مريضًا أو تلميذًا في المرحلة الثانوي كما يدعي ويخدع بتصرفاته طلاب الجامعة والمارة فيغدقون عليه المال، فلماذا لا يعمل أي عمل شريف يجني منه المال الحلال بدلاً من النصب على الآخرين والتسول منهم».

 

>>>الحقيقة التي خلصت منها في النهاية هي؛ أننا لا نحتاج إلى فراسة كي نكتشف هؤلاء الذين يستجدون الناس في الطريق وهم أصحاء أمامنا، فهناك أولى بالصدقات من مسكنة هؤلاء المتسولين، وادعاؤهم الحاجة وهم في الواقع والحقيقة نصابون.