المذكرات الشخصية للزوجة تكشف القاتل

العريس القاتل مع زوجته الضحية
العريس القاتل مع زوجته الضحية

حبيبة جمال

سطور قليلة على ورقة كراس قيضها القدر لتكون دليلًا دامغًا لا على براءة الزوجة من تهمة كادت أن تلوث سمعتها وشرفها وهي بين يدي خالقها الآن؛ وإنما أيضًا لتكشف القاتل وتفضحه شر الفضيحة؛ ملاك الرحمة فاطمة وهي بحق اسم على مسمى كتبت هذه السطور التي أنارت الطريق لجهات البحث الجنائي والتحقيق، ومحاميها ووضعت النقاط فوق الحروف؛ «أنا اتجوزت، حياتي جميلة والله، أول مرة أفرح، فرحي كان يوم 29/3 احلى يوم في عمري، بحب جوزي وحلالي أوي، وحياتي كلها، مش قادرة أقولكم أنا بحبه قد ايه، واتمنى أن ربنا يخلهولي ويبعد عنه كل شيء وحش، ده هيبقى ان شاء الله أبو ولادي»، هكذا سطرت بعفوية وصدق فاطمة آخر سطورها لتكون دليلا على براءتها، وقادت قاتلها إلى السجن.

لم نعهد على قاتل أن يذرف دموع الندم على ما ارتكبته يداه، بل هي دموع التماسيح لعله ينجو بجريمته؛ هكذا فعل الزوج القاتل حين تلبسته خداعًا وزورًا روح المنتقم لشرفه، قال الزوج القاتل كذبًا: «بعدما أنهيت يومًا شاقًا في عملي عدت لبيتي، وبمجرد دخولي الشقة وجدت رجلا غريبًا مع زوجتي، لكنه هرب قبل أن ألحق به، وقفت مصدومًا مما رأيته، غلي الدم في عروقي، ولم أشعر بنفسي سوى وأنا واضع يدي حول رقبتها وخنقتها حتى ماتت»، هكذا وقف أحمد، صاحب الـ 28 عامًا، داخل قفص الاتهام بقاعة محكمة جنايات المنصورة وتحديدًا الدائرة 11، ليحكي أسباب قتله لزوجته بعد ٤ أشهر زواج فقط، لكن تحريات المباحث أكدت أن الزوجة شريفة وبريئة من اتهام الزوج الذي يطعن في شرفها وهي الآن بين يدي الله، حتى أسدلت المحكمة الستار عن تلك الجريمة البشعة بالسجن المشدد 25 عامًا للزوج.. لكن السؤال هنا واجب كيف جرت قصة الزواج والجريمة التي لا تزال حديث الأهالي بمركز بلقاس حتى بعد صدور الحكم، عنوان الحقيقة؟!

البداية

بدأت فصول تلك القصة الحزينة، في أواخر عام ٢٠١٨م، عندما شاهد أحمد فتاة جميلة في أحد الأفراح، منذ أن شاهدها تملكته مشاعر الحب، وقرر التقدم للزواج منها. 

فاطمة جمال، هذا اسمها، فتاة تبلغ من العمر ٢٠ عاما، تعيش مع أسرتها الصغيرة المكونة من أب وأم وأخت، في بيت بسيط يملؤه الرضا والسعادة بقرية أبو النور، التابعة لمحافظة الدقهلية، فاطمة تعمل ممرضة، ملاك الرحمة، وهي الابنة الصغرى لأسرتها، مشهود لها بالطيبة والأخلاق الحميدة، ظل أحمد يتذكرها كل ليلة حتى أخذ القرار بالذهاب لأسرتها لطلب خطبتها، ووافقت أسرتها عليه، لم يكن الزواج عن حب وليس معنى ذلك أن يكون مصيره الفشل أو ينتهي بجريمة قتل، ولكن منذ أن رأته فاطمة وعلى الرغم من أنه يكبرها بثماني سنوات، وأقل تعليمًا منها، إلا أنها شعرت بأنه سيكون حنونا عليها وعاقل بالقدر الذي سيحتويها، وتمت خطبتهما، وكان حبها له يزيد يومًا عن يوم، تنتظر ذلك اليوم الذي سترتدي فيه الفستان الأبيض، حتى جاء هذا اليوم، كانت فاطمة في غاية السعادة ووالدتها تسيطر عليها الفرحة وهي ترى ابنتها في الكوشة بجانب عريسها، ولم يكن أي منهما يعلم بما يخفيه القدر وأن أحلامهما الجميلة ستنتهي بكابوس مفزع. 

تزوجت فاطمة وانتقلت للعيش في بيت زوجها، ولكن منذ اللحظة الأولى للزواج، تحطمت أحلامها على صخرة الواقع الأليم، بعدما تحول زوجها من الهدوء للعاصفة، ومن الحب للكره، ومن العطف للقسوة، بدأت تدب المشاكل بينهما على أتفه الأسباب، ومع ذلك كانت فاطمة تتحمل، حتى أنها وافقته على أن تستقيل من عملها، اعتقدت بأنه سيتغير، ولكن أحواله كانت تسوء يومًا بعد يوم، حتى قرر أحمد أن ينهي قصة الحب هذه بنهاية مأساوية، لا لشيء سوى لشك ملأ عقله بلا داعي.

يوم الجريمة

عاد أحمد من عمله حيث أنه يعمل سائقًا، وبمجرد دخوله الشقة دبت الخلافات من جديد بينه وفاطمة، حتى خنقها بيده ولم يتركها إلا وهي جثة هامدة، جلس بجوار جثتها يتذكر اللحظات منذ رؤيته لها في الفرح وحتى هذه النهاية، جلس يفكر كيف يتخلص من الجثة، سيناريوهات كثيرة دارت داخل عقله المريض، أيلقيها من أعلى ويقول أنها انتحرت؟، أم يتمكن من استخراج تصريح دفن لها باعتبارها ماتت قضاء وقدر؟، بدأت الأفكار الشيطانية تتقاذف برأسه وفي الصباح ذهب لمفتش الصحة، لكن الشك كان سيد الموقف، فهو طبيب يعلم الفرق جيدا بين الوفاة الطبيعية والتي تثير الشكوك والريبة فأبلغ عن الواقعة، وقتها نزل الخبر كالصاعقة على الجميع سواء أهلها أو جيرانها الذين يحبونها ويقولون أشعارا في أخلاقها. 

وعم الحزن أرجاء محافظة الدقهلية بأكملها، وودعها الجميع لمثواها الأخير في مشهد جنائزي مهيب حضره الكبير والصغير، وأصبح الكل لا يتمنى سوى القصاص العادل لها، والد فاطمة رجل عجوز، منذ أن رأى ابنته، اتهم زوجها بأنه سبب في قتلها، وذلك لكثرة المشاكل التي كانت بينهما، فخلال مدة الزواج القصيرة إلا أنه كان دائم التعدي عليها بالضرب، بالفعل تم القبض على أحمد لكنه نفى التهمة عنه، حتى أخلى سبيله. 

لم تكن أمام الأسرة المسكينة سوى اللجوء لمحامي يستطيع أن يرد حق العروس الشابة التي ماتت غدرًا، فلجأت الأسرة للمحامي صبري العشماوي، ومنذ اللحظة التي قرأ فيها أوراق القضية وعرف تفاصيل عن حياة فاطمة، تأكد من أنها قتلت غدرًا، وقرر تولي الدفاع عن حقها، حتى تم القبض على أحمد مرة أخرى، ولكن هذه المرة قرر أن يؤلف سيناريو من خياله حتى يفلت من العقاب، وهو أنه قتلها بسبب الخيانة، وظلت القضية متداولة داخل ساحة المحكمة حتى جاء الحكم العادل وهو المؤبد له. 

يقول صبري العشماوي المحامي: «هذه جريمة بشعة بكل المقاييس، تجرد فيها الزوج من كل معاني الإنسانية والرحمة وقتل زوجته بدم بارد، رغم أن زواجهما لم يمر عليه سوى ٤ أشهر فقط، ولم يكتف بذلك بل شوه سمعتها بعد وفاتها، وقال أنها تخونه، فكيف ذلك وهي خلال المذكرات التي كتبتها كانت تعبر عن سعادتها بزواجها منه، وأنها تحبه بجنون وترى أنه عوض ربنا لها، وكانت تدعي بأن يظل معها لآخر العمر». 

واستكمل قائلا: «بذلنا في هذه القضية جهدًا كبيرًا لنثبت براءة العروس وحسن سيرها وسلوكها، حتى وجهت النيابة للزوج تهمة القتل العمد دون سبق إصرار، لذلك كان الحكم هو المؤبد، وهذا الحكم أثلج قلوبنا جميعا».