لوحات الخبز.. قلب نابض بالحياة

«الخبيز» لوحة بريشة الفنان فريد فاضل
«الخبيز» لوحة بريشة الفنان فريد فاضل

فاطمة على

من أجمل وأرق صور الحنين للأم ما كتبه الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش عام 1965، حنيناً إلى خبز تصنعه يد أمه.. حيث قال فى مقدمة قصيدته: 

أحن إلى خبز أمى..

وقهوة أمى.. 

ولمسة أمى..

وتكبر فى الطفولة..

يوماً على صدر يوم.. 

وأعشق عمرى لأنى..

إذا مت..

أخجل من دمع أمى 

فحين زارته أمه فى سجن الرملة بعد اعتقاله حملت إليه القهوة والخُبز، إلا أن الجنّدى منعها وسكب القهوة على الأرض، وبعد انتهاء الزيارة كتب درويش هذه القصيدة التى لحنها وغناها مارسيل خليفة لتنال شهرة واسعة، وزادت من حنيننا جميعاً للأم وخبز يديها، ليشعر كل من يسمع القصيدة أن اخبزب أم درويش يشبه اخبزب أمه. وللمصريين ثقافتهم الخاصة مع الخبز لأنه بدأ عندنا من أرضنا.. وتقول بعض المراجع أن عمر الخبز المصرى بدأ 6000 أو 4000  أو 2000 قبل الميلاد، فهو خبز قديم مر عبر الزمان عفياً وكان غذاءً أساسياً والذى بدأ كخبز االبتاوب من زمن الفراعنة وربما سبقته أنواع أخرى، إلا أن البتاو غمر مصر شمالها وجنوبها، فقد لازم الخبز حضارتنا القديمة وصانعيها.

قلب نابض

وقد أطلق أجدادنا على الخبز كلمة اعيشب كموروث من عهد الفراعنة وله قداسته، ففى الأسطورة القديمة كان الإله اأوزوريسب مستلقياً على ظهره وعندما دبت فى جسده الحياة نمت احبوب الشعيرب واالقمحب الذى صُنع منه خبز الحياة، لذلك يرتبط الخبز عندنا بالحياة ويصل إلى حد التقديس، حتى أننا نرفع بقايا فتاته من على الأرض ونقبلها ونضعها إلى جانب الطريق حتى لا تُداس بالأقدام.  

واكتشفت جداتنا السحر المُخبأ فى عناصر الطبيعة، فحين كن يتركن خليطاً من الماء ودقيق القمح خارج البيت فى يوم مشمس دافئ أو شديد الدفء، كن يقفن أمامه فى رهبة يشهدن تحوُّله وزيادة حجمه كتحوِّل خارق للطبيعة، وهذا المشهد يبدو كالقلب النابض للجنين.

وبفضل معجزة التخمر التى رآها المصرى القديم كقوة إلهية تعمل على الخبز، بالتالى كحادث سحرى ومظهر من مظاهر قوة الآلهة فصل المصريون مكان خبز طعامهم الذى يتغير نتيجة تعويذة سماوية عن مسكنهم وأنشأوا له مكاناً خاصاً، وكان االفرنب بيت الخبز. 

وإلى اليوم، وكما فى اللوحات التى رسمها عدد كبير من فنانينا الكبار بعضهم من الريف أو الصعيد وعاشوا وتعايشوا مع احتفالية يوم الخبيز فى بيوتنا الريفية التى تسودها فرحة يوم الخبيز الذى لا يتم كما فعلت جداتنا إلا فى أفران فى شمال مصر أو جنوبها.. وحتى يومنا هذا تقوم النساء بخبزه بنفس الطريقة فى الصعيد أو الوجه البحرى مع تنوع الأشكال والمواد المستخدمه تبعاً لذوق كل منطقة.. ويوم الخبز هو يوم فرح سعيد تتجمع فيه النساء ليكفى خبيزاً لهن جميعاً لمدة أسبوع أو أسبوعين.. وفى اللوحات نرى وجوههن سعيدات بخبيزهن باعتباره مصدر حياتهن وحياة أسرهن.. وعلامة للخير.. ورمزاً لنبض الحياة فى البيت، سواء كان بيتاً لغنى أو فقير.