خواطر الإمام الشعراوي.. «قارون» عبرة لمن لا يؤمن بالآخرة

الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

تنشر جريدة الأخبار في عددها الصادر غدا الجمعة، خواطر الإمام الشعراوي، حيث يقول الحق فى الآية 76 من سورة القصص:» إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِى الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ». فلم يتكلم عن قارون وجزائه فى الآخرة، إنما يجعله مثَلاً وعِبرة واضحة فى الدنيا لكل مَنْ لم يؤمن بيوم القيامة لعلَّه يرتدع.
 

النبى صلى الله عليه وسلم اضطهده كفار قريش، ووقفوا فى وجه دعوته، وآذوْا صحابته، حتى أصبحوا غير قادرين على حماية أنفسهم، ومع ذلك ينزل القرآن على رسول الله يقول: «سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر» القمر: 45.


فيتعجب عمر رضى الله عنه: أيُّ جمع هذا؟ فنحن غير قادرين على حماية أنفسنا، فلما وقعتْ بدر وانهزم الكفار وقُتِلوا. قال عمر: نعم صدق الله «سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر». لذلك يقولون: لا يموت ظالم فى الدنيا حتى ينتقم الله منه، ولم يَرَ الناس فيه ما يدل على انتقام الله منه تعجّبوا وقال أحدهم: لابد أن الله انتقم منه دون أن نشعر، فإنْ أفلتَ من عذاب الدنيا، فوراء هذه الدار أخرى يعاقب فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وعَدْل الله- عز وجل- يقتضى هذه المحاسبة.


والحق تبارك وتعالى يجعل من قارون عبرةً لكل مَنْ لا يؤمن بالآخرة ليخاف من عذاب الله، ويحذر عقابه، والعبرة هنا بمَنْ؟ بقارون رأس من رؤوس القوم، وأغنى أغنيائهم، والفتوة فيهم، فحين يأخذه الله يكون فى أَخَذه عبرة لمن دونه.


وحدَّثونا أن صديقاً لنا كان يعمل بجمرك الإسكندرية، فتجمّع عليه بعض زملائه من الفتوات الذين يريدون فَرْضَ سيطرتهم على الآخرين، فما كان منه إلا أنْ أخذ كبيرهم، فألقاه فى الأرض، وعندها تفرَّق الآخرون وانصرفوا عنه.


ومن هذا المنطلق أخذ الله تعالى قارون، وهو الفتوة، ورمز الغِنى والجاه بين قومه، فقال تعالى: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ موسى...» إذن: حينما نتأمل حياة موسى عليه السلام نجده قد مُنِى بصناديد الكفر، فقد واجه فرعون الذى ادَّعى الألوهية، وواجه هامان، ثم موسى السامرى الذى خانه فى قومه فى غيبته، فدعاهم إلى عبادة العجل.


ومُنى من قومه بقارون، ومعنى: من قومه، إما لأنه كان من رحمه من بنى إسرائيل، أو من قومه يعني: الذين يعيشون معه. والقرآن لم يتعرض لهذه المسألة بأكثر من هذا، لكن المفسرين يقولون: إنه ابن عمه. فهو: قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى ابن يعقوب وموسى هو ابن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب.


وللمؤرخين كلام فى العداوة بين موسى وقارون، قالوا: حينما سأل موسى عليه السلام ربه أنْ يشدَّ عضده بأخيه هارون، أجابه سبحانه:» قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى» «طه: 36» وليست هذه أول مرة بل» وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أخرى» «طه: 37» وأرسل الله معه أخاه هارون؛ لأنه أفصح من موسى لساناً، وجعلهما شريكين فى الرسالة، وخاطبهما معاً «اذهبآ...» «طه: 43» ليؤكد أنَّ الرسالة ليست من باطن موسى.


وإنْ رأيت الخطاب فى القرآن لموسى بمفرده، فاعلم أن هارون مُلاحَظ فيه، ومن ذلك لما دعا موسى على قوم فرعون، فقال: «رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِى الحياة الدنيا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم» «يونس: 88».
فالذى دعا موسى، ومع ذلك لما أجابه ربه قال:» قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا...» وهذا دليل على أن هارون لم يكن رسولاً من باطن موسى، إنما من الحق سبحانه، وأيضاً دليل على أن المؤمِّن على الدعاء كالداعي، فكان موسى يدعو وهارون يقول: آمين.