حفارو القبور: ننشر تفاصيل ما يحدث داخل «354» دارًا للمسنين في فرنسا

دارًا للمسنين في فرنسا
دارًا للمسنين في فرنسا

مى السيد 
رعاية المسنين في فرنسا لم تكن على ما يرام؛ إهمال شديد وسوء تغذية هذا غير المخالفات التي صارت بالجملة من اختلاسات وغيرها من مآسي أخرى فجرها تحقيق أجراه صحفي فرنسي وضمه في كتاب كي يوثق ما يحدث داخل هذه الدور؛ ومعه فتحت الجهات التنفيذية والتشريعية فى فرنسا تحقيقات موسعة، حول هذه الفضيحة المدوية التي فجرها وكشفها صحفى فرنسى مستقل، عبر كتاب جاء بعنوان صادم يحمل اسم «حفارو القبور»، صدر منذ عدة أيام، نفدت خلاله 7 طبعات متتالية، تحدث فيه عن مأساة ومعاناة المسنين وكبار السن داخل أشهر مجموعة استثمارية تمتلك عشرات دور رعاية للاهتمام بالآباء والأمهات، الذين تقطعت بهم السبل ولم يعد لديهم معاونين فى الحياة.


الإعلام الفرنسى سلط الضوء بكثافة على تلك القضية الكبرى، التى وصفوها بالفضائح المدوية، ونشروا مقتطفات كثيرة من الكتاب والذى حمل عنوانًا كان وحده كفيلا، بإحداث ضجة وشغف لمعرفة عن ماذا يتحدث ذلك الكتاب، وما الهدف من ذلك المعنى الذى أطلقه المؤلف على الكتاب.
نشرت المواقع الفرنسية الشهيرة بعض القصص من كتاب «حفارو القبور»، والذى  يروي المعاناة التى يواجهها كبار السن المقيمين بدور الرعاية التابعة لشركة «أوربيا»، التى تدير وتشرف على 1156 مؤسسة فى 23 دولة، منها 354 دار رعاية منتشرة بأنحاء متفرقة فى فرنسا، وذلك منذ إنشاءها قبل 30 عاما.


الصحفى الفرنسى»فيكتور كاستانيه»، أشار فى بداية كتابه إلى الدور الذى من المفترض أن تلعبه تلك الأماكن للاعتناء بالأشخاص من كبار السن الذين فقدوا الاستقلالية، ويعانون من أمراض تحتاج معها إلى رعاية خاصة، إلا تلك الأماكن التابعة للشركة افتقدت ذلك الدور المهم.

انتهاكات

اعتمد الكتاب، فى هذا التحقيق المفصل للغاية، المؤلف من 388 صفحة على شهادات بعض الموظفين وعائلات النزلاء، متحدثًا عن انتهاكات مرّوعة وسوء المعاملة بحق النزلاء وتفاصيل للحياة اليومية الصعبة للمقيمين، بجانب الاختلاس والتجاوزات المربحة لبعض دور رعاية المسنين فى القطاع الخاص.


منها على سبيل المثال، وجبات الطعام غير الكافية، ومشاكل متعلقة بالنظافة مثل عدم توفير عدد كافى من الحفاضات بشكل يومى، مع تعرض النزلاء للتمييز بناء على طبقاتهم الاجتماعية، مشيرًا إلى أن تلك المعاملات السيئة مع كبار السن تأتى فى الوقت الذى يدفعون فيه مبالغ طائلة للإقامة نظير شهر حيث تبلغ في المتوسط 6500 يورو شهريا.


لوفيجارو.. تلك الصحيفة الأكثر شهرة فى فرنسا، نشرت تصريحات للصحفى الفرنسى» فيكتور كاستانيه قال فيها؛ أنه أدرك سوء المعاملة لكبار السن فى اللحظة التى وصل فيها لأحد دور الرعاية، فبمجرد وصوله وخروجه من المصعد قابلته رائحة البول الكريهة المنتشرة فى المكان، مؤكدًا أنه يمتلك داخل الكتاب شهادات واضحة للغاية، تؤكد أن النزلاء الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، يحصلون فقط على 3 حفاضات يوميا وأحيانا أقل.


وتابع فى تصريحاته حول الكتاب؛» أن موضوع الحفاضات وحده يعتبر مشكلة منهجية ومتكررة دوما داخل أغلب دور الرعاية، كاشفًا عن أن الوضع يزداد سوءًا للذين يعانون من اضطرابات ذهنية أو من هم أقل ثراء»، وأوضح الصحفى؛ أن النزلاء يتم تقييمهم على حسب حالتهم المادية، فكبار السن أو العجزة الذين ينحدرون من عائلات غنية ولهم علاقات بسياسيين يمتلكون معاملة وأدوات خاصة، أما الذين كان حظهم أقل، فالوضع بالنسبة لهم يزداد سوءًا، فهؤلاء غالبا ما يتعرضون للهجر.

تهديدات
وكشف الصحفى الفرنسي صاحب كتاب حفارو القبور، عن تعرضه لمحاولة تهديدات ورشاوى مقابل وقف استكمال الكتاب، حيث أكد أن أحد الوسطاء هدده بعدم استكمال الكتاب، وعرض عليه 15 مليون يورو لكى يوقف التحقيق، لكنه رفض وأصر على مواصلة عمله.


وما إن بدأ الكتاب فى عمل صدى واسع لدى وسائل الإعلام، حتى بيع ما يقرب من 125 ألف نسخة من بدء طباعته، ففى خمسة أيام فقط بيع 13 ألف نسخة، وتوقعت دور النشر أن يتجاوز الكتاب ذلك العدد بكثير، وقالت «دى كلوزيتس» صاحبة دور النشر؛ أنهم اضطروا لعدم الكشف عن محتويات الكتاب لمندوبى المبيعات حتى لا تتسرب الأنباء حوله قبل الطبع، وأبلغناهم أنه يحتوى على تحقيق استثنائي داخل قطاع دور رعاية المسنين.


وتابعت؛ «هناك طلب قوى للغاية من المكتبات، لقد قدم العديد من العملاء طلبًا، يريدون الانغماس فى قصة فيكتور، لافتة إلى أن أوقات إعادة الطباعة من يومين إلى أربعة أيام عمل، وبمجرد وصول المادة المطبوعة إلى المخزون، يجب إرسالها إلى العملاء، وحول رأيها فى الكتاب قالت صاحبة دور النشر؛ «نأمل مع اقتراب الانتخابات الفرنسية أن يساعد ذلك الكتاب فى نشر الوعى وتغيير الأشياء بطريقة إيجابية، وجميعنا سعداء بذلك الكتاب الذى جمع الفرنسيين على قلب رجل واحد».


أوربيا 

فى الجهة المقابلة لم يكن أصحاب شركة «أوربيا» سعداء للغاية، حيث تباينت ردود أفعالهم حول الكتاب، وتسببت الفضيحة المدوية فى انخفاض قيمة المؤسسة داخل سوق الأسهم ببورصة باريس إلى حوالى النصف، وتراجعت القيمة بنسبة 21%، ليصل إجمالى التراجع إلى نحو 47% منذ صدور الكتاب.


وكان أول رد فعل من الشركة الأم هو إقالة الرئيس التنفيذى الذى كان يشغل المنصب منذ عشر سنوات، وهو ما جعل المدير التنفيذى الجديد تحت ضوء الإعلام بصورة كبيرة لشرح ما كشف عنه الكتاب، ولكنها فى أول تصريح اعتبرت الاتهامات كاذبة وشنيعة ومتحيزة، وكشفت لوفيجارو عن مفاجئة، عندما قام المدير التنفيذى المقال ببيع كافة أسهمه بالشركة مقابل ما يقرب من 2 مليون يورو خلال 3 عمليات منفصلة بعد علمه بإعداد الكتاب.

اتهامات

أما الحكومة الفرنسية فكان لها ردود حاسمة حول الكتاب، وتوعدت بعقوبات صارمة، حيث شدد وزير الصحة الفرنسى»أوليفييه فيران» على أن الاتهامات الواردة داخل كتاب «حفارو القبور» ستأخذ منعطفًا قانونيًا فى الأيام القادمة.


كما أعلنت «بريجيت بورجينيون» وزيرة الدولة فى فرنسا لاستقلالية المسنين؛ أنها طلبت لقاء المدير العام للمجموعة «جان كريستوف روميرسى» وذلك للرد على الاتهامات الخطيرة، التى وصفتها بالخطيرة، وفقًا للوزيرة فإن المقابلة ستكون؛ فرصة للاستماع إلى تفسيرات مجموعة أوربيا حول عدة نقاط ستكون موضوع تحقيقات معمقة من قبل أجهزة الدولة. 


أما المتحدث باسم الحكومة الفرنسية «جبرائيل أتال» فذكر بعد اختتام جلسة للحكومة الفرنسية: «ما تم الكشف عنه في هذا التحقيق مثير للاشمئزاز تماما، إذا كانت هذه الحقائق صحيحة، فمن الواضح أنه سيتعين معاقبتهم بأقصى درجات الصرامة.. مشددًا على أن يستحق المسنون الاحترام والأفضل.. ولا شك فى أنه لا يمكن التسامح مع مثل هذه الأعمال فى بلادنا.


ومن جانبه عقد مجلس النواب جلسة استماع لعدد من المسئولين بالشركة، للرد على أسئلة متعلقة بالكتاب، إلا أنهم  وصفوا الإجابات بالمخيبة للأمال، ولم تكن هناك أى ردود ايجابية، حيث تم الاستماع إلى فيليب شارييه، الرئيس التنفيذى الجديد للمجموعة أمام لجنة الشؤون الاجتماعية فى مجلس الأمة. 


وأثار زعماء أوربيا ردود فعل «غاضبة» و «مخيبة أمل» النواب، الذين شعروا أنهم لم يتلقوا إجابات على العديد من الأسئلة التى طرحوها حول المعلومات الواردة فى تحقيق الكتاب، وقال رئيسها إنهم سيعملون على تحسين الخدمات مقابل وضع نظام لزيادة الربح، نافيا ما يوجد بالكتاب جملا وتفصيلا.


ودعا رئيس الشركة مجلس النواب إلى عدم تدمير أجمل الشركات فى العالم بالمزاعم فقط، وهو ما ردت عليه رئيسة لجنة الشؤون الإجتماعية وقالت؛ «لسنا هنا لتدمير الأعمال ولكن لحماية شيوخنا»، وتابع رئيس الشركة ردا على الاتهامات؛ «نحن نتابع الاتهامات جيدا ونبلغ عنها السلطات الصحية ، ونجرى التحقيقات ونصححها، مستشهدًا أنه فى عام 2021، تلقينا تقارير عن 391 حدثًا سلبيًا ، بما فى ذلك 36 إساءة مشتبه بها، وتم التعامل معهم.


ودافع قادة المجموعة عن أنفسهم من تقنين الطعام فى مؤسساتهم قائلين؛ «نصف كبار السن الذين يدخلون مؤسساتنا يعانون من سوء التغذية وبعد 6 أشهر تكون حالتهم الاجتماعية رائعة، وفى نهاية الجلسة التى استمرت لأكثر من ساعتين صرحت رئيسة لجنة الشئون الاجتماعية بالمجلس؛ أن المسئولين تجاوزوا الأسئلة حول الجوانب المالية للفضيحة، وأنهم لم يتلقوا إجابات على العديد من الأسئلة الواردة فى الكتاب». 


وتابعت؛ «لقد أطلقنا تحقيقات خارجية ومستقلة ردا على ذلك الخطاب الذى وصفوه بالأجوف من رئيس الشركة.. لقد توقعنا الشفافية وهو ما يدينون به لدافعى الضرائب الفرنسيين.. ولكن بصراحة حدث خيبة أمل كبيرة»، واختتمت رئيسة الجلسة قائلة؛ «أن الوضع فى الجلسة كان أشبه بحفلة تنكرية.. وكان هناك غرور شديد من مسئولى الشركة.. ولكننا مستمرون فى تحقيقاتنا لحماية شيوخنا وآبائنا».