حوّل حياتهن اليومية إلى كابوس

موجات العنف حولت حياة نساء الغرب إلى كابوس

موجات العنف تضرب نساء الغرب
موجات العنف تضرب نساء الغرب

كتبت: دينا توفيق

تخويف وترهيب.. ضرب وإهانة واستهانة لكونها أنثى.. سباب واعتداءات تنهال عليها؛ إساءات كان لها أثرها البالغ على المرأة فى المجتمع الغربي، سواء كان نفسيًا أو جسديًا.. وحشية ما تتعرض له يمكن أن يدفعها إلى الانتحار وإنهاء حياتها.. وأحيانا أخرى، الفرار واللجوء إلى الشارع كمنقذ ومأمن لها.. مضايقات وجروح غائرة لن تندمل حتى مع مرور الوقت؛ ستظل تنزف وتتألم بين الحين والآخر كلما تذكرت ما مر عليها أو ساقتها الأقدار وتعرضت للتجربة مرة أخرى..
 

سلب العنف الأسرى والاعتداء الجنسى وأشكال أخرى من الإساءات والتمييز من النساء والفتيات حقوقهن الأساسية والعيش بكرامة. تتعرض النساء والفتيات للعنف بمعدلات تنذر بالخطر، كالعنف المنزلى مثل معاملة الآباء والعنصرية والتمييز على أساس الجنس والطبقية. كما تساهم الحكومات والمؤسسات والقوانين والسياسات فى التقليل المنهجى من قيمة حياتهن وسلامتهن من خلال غض البصر عن الاعتداءات عليهن والعنف ضدهن. ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن منظمة الصحة العالمية، تعرضت واحدة من كل 4 فتيات فى علاقة عاطفية تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عامًا للعنف من الشريك أو الزوج. كما أعدت منظمة "الائتلاف الوطنى ضد العنف المنزلى «NCADV» ومقرها واشنطن، تقريرًا حول العنف الذى تتعرض إليه المرأة بمختلف أنواعه، الذى أظهر فى المتوسط ، تعرض ما يقرب من 20 شخصًا فى الدقيقة للإيذاء الجسدى من قبل الشريك فى الولايات المتحدة. واحدة من كل أربع نساء أى 25% يتعرضن للعنف الجسدى المبرح من الشريك أو ملاحقته لها وللعنف الجنسى مع آثار نفسية وجسدية سيئة مثل الإصابات، والخوف، واضطراب ما بعد الصدمة. كما تتعرض واحدة من كل ثلاث لشكل من أشكال العنف الجسدى مثل الصفع والدفع؛ فيما تصاب واحدة من بين سبع نساء بجروح نتيجة الوحشية التى تتعرض لها، بخلاف الأعداد نتيجة الحرق والخنق والخوف الشديد من تعرضهن للأذى أو محاولات القتل من قبل شركائهن؛ فيما تصل نسبة العنف المنزلى بسبب استخدام السلاح إلى 19%. ويوضح تقرير المنظمة الأمريكية، أن هناك أكثر من 20 ألف اتصال هاتفى يتم إجراؤها على الخطوط الساخنة للعنف الأسرى فى جميع أنحاء البلاد يوميًا. ويرتبط الإيذاء الأسرى بارتفاع معدل الاكتئاب والسلوك الانتحاري.


وفى حالة بين الضيق والدموع فى أعينها، ظهرت النجمة الأمريكية "أنجلينا جولي" فى مبنى الكابيتول لتنضم إلى أعضاء مجلس الشيوخ فى إعلان أنهم وجدوا طريقًا للمضى قدمًا فى إعادة إقرار قانون جديد لمكافحة العنف ضد المرأة. وقالت دامعةً إن هذه الظاهرة أصبحت أمرًا طبيعيًا فى الولايات المتحدة. وتشمل بعض أحكام القانون تعزيز جهود الوقاية من الاغتصاب والتعليم، وتقديم الدعم لتمويل الخدمات القانونية وإنفاذ القانون وتوسيع نطاق الوصول إلى دعم الإسكان الطارئ للناجيات، وتوفير المساعدات الطبية والقانونية للضحايا، بالإضافة إلى مساعدة الأطفال الذين يعيشون فى ظل مناخ العنف الأسرى. وكان مجلس النواب قد أقر نسخة من مشروع القانون العام الماضي. قانون العنف ضد المرأة، الذى وقعه الرئيس السابق "بيل كلينتون" فى الأصل ليصبح قانونًا عام 1994، يصرح بالتمويل الفيدرالى لمساعدة ضحايا الاعتداء الجنسى والعنف والتحقيق مع مرتكبى العنف ضد المرأة ومقاضاتهم. كما أنشأ مشروع القانون الأصلى مكتبًا معنيًا بالعنف ضد المرأة كجزء من وزارة العدل الأمريكية. وتم إضافة نسخ معدّلة جديدة من القانون بدعم من الحزبين الجمهورى والديمقراطي. ووضع الرئيس الحالى "جو بايدن" الصيغة الأصلية لهذا القانون عندما كان عضوًا فى مجلس الشيوخ. إلا أن المجلس لم يمرر نسخة أقرها مجلس النواب عام 2019، إذ حال الجمهوريون الذين كانوا حينها الأغلبية فى مجلس الشيوخ دون طرحها للتصويت. أما النص الذى أشارت إليه جولي، فيؤيده نواب من الحزبين على السواء، وأشاد الرئيس بايدن بالصيغة التى وُضع فيها.


وفى أوروبا، وفقًا للإحصائية التى نشرها موقع "المفوضية الأوروبية"، أبلغت امرأة واحدة من بين كل ثلاث تتراوح أعمارهن بين 15 عامًا أو أكثر عن تعرضها لشكل من أشكال العنف الجسدى والجنسي. فيما تعرضت ما يقرب من 20% من النساء إلى العنف الجسدى من الشريك الحالى أو السابق، فى حين أن 43% من النساء قد تعرضن لشكل من أشكال الإيذاء النفسى من الشريك. 


فى ألمانيا على سبيل المثال، ارتفعت جرائم العنف بين شركاء الحياة الحاليين أو السابقين وأودى بحياة 139 امرأة خلال عام 2020. تموت امرأة فى ألمانيا كل يومين ونصف اليوم على يد شريكها أو شريكها السابق بحسب الأرقام المقدمة فى اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة، ونشرها موقع "دوتشيه فيليه". "الضرب والاختناق من قِبل الشريك"، و"الإيذاء الشديد من قبل الزوج"؛ "الشريك السابق يطعن طبيبة 18 مرة".. كل هذه ليست سوى بعض عناوين تشير إلى تزايد مشكلة عنف الشريك فى ألمانيا. هذه الظاهرة تجعل الحياة اليومية كابوسا لكثير من النساء، وعدد الحالات فى ارتفاع مطرد لسنوات. يمكن أن يكون الأشخاص من جميع الأجناس ضحايا، لكن النساء يتأثرن بشكل غير متناسب، وهو ما يمثل أربع حالات من كل خمس حالات. ووفقًا للأرقام الصادرة عن مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانية (BKA)، كان 119164 امرأة و 28867 رجلًا ضحية عام 2020. ويمثل هذا ارتفاعًا بنحو 5% عن العام السابق. عنف الشريك هو نوع من العنف الأسرى ويمكن أن يشمل الاعتداء الجنسى والمطاردة وتقويض الحرية، فضلًا عن القتل والقتل غير العمد.

 

ويتم الإبلاغ عن محاولة قتل امرأة واحدة فى المتوسط كل يوم فى البلاد، وانتقدت وزيرة الأسرة الألمانية بالإنابة "كريستين لامبرخت" أثناء تقديم تقرير BKA حول عنف الشريك، حقيقة أن الجرائم غالبًا ما يتم التقليل من شأنها، بالنسبة للأفعال التى تُقتل فيها النساء بسبب جنسهن، فإن مصطلح "قتل الإناث" يستخدم بشكل متزايد فى ألمانيا، ومع ذلك، لا يتم احتساب Femicides كفئة منفصلة من الجرائم الجنائية.

 

يكاد يكون من المستحيل تقدير عدد حالات العنف ضد المرأة التى لم يتم الإبلاغ عنها. تخشى العديد من النساء الذهاب إلى الشرطة خشية عدم تصديقهن، هناك دراسات تشير إلى عالم خفي، حيث لا يتم الإبلاغ عن أكثر من 90% من الحالات. وأوضح رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى "هولجر مونش"، خلال عمليات الإغلاق التى فرضتها الجائحة أنه لم تكن هناك زيادة ملحوظة فى الجرائم التى سجلتها الشرطة، ومع ذلك، لا يزال يعتقد أن هناك عددًا كبيرًا من الحالات التى لم يتم الإبلاغ عنها، خاصة بعد إفادة خط مساعدة "العنف ضد المرأة" بحدوث زيادة كبيرة فى حالات تقديم المشورة أثناء الوباء. 

 

ووفقًا لما نشره موقع "فرانس 24" مطلع العام الحالي، عن سقوط ثلاث نساء ضحايا للعنف الأسرى فى فرنسا خلال الأيام الثلاثة الأولى من بداية العام الجديد؛ ما دفع الحكومة الفرنسية إلى تقديم مقترحات لتطوير منظومة القوانين لحماية المرأة.

وكانت الشرطة فى مدينة "نيس" بجنوب فرنسا عثرت على جثة امرأة تبلغ من العمر 45 عامًا فى صندوق سيارة بعد أن سلّم زوجها نفسه، واعترف بخنقها، وفى اليوم نفسه، عثرت الشرطة الفرنسية على جثة امرأة تبلغ من العمر 56 عامًا بسكين عالق فى صدرها؛ اعترف شريكها، وهو رجل فى الخمسينيات من العمر، بقتلها بعد جدال. فيما عُثر على جندية تبلغ من العمر 27 عامًا ملقاة بطعنات قاتلة خارج منزلها فى بلدة بالقرب من سومور، غرب فرنسا، قُبض على شريكها البالغ من العمر 21 عامًا، وهو جندى أيضًا، وفتح تحقيق فى جريمة قتل. وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، تشير التقديرات إلى أن حوالى 200 ألف امرأة فى فرنسا يعانين من العنف المنزلى كل عام، لكن أقل من واحدة من كل خمس نساء يذهبن إلى الشرطة وتفاقمت المشكلة.

وخلال أول ثلاثة أشهر من عمليات الإغلاق، تلقى الخط الساخن لضحايا العنف ضد المرأة الذى أنشأته الحكومة الفرنسية 45 ألف اتصال، وخلال نوفمبر الماضي، خرج الآلاف من المحتجين إلى الشوارع فى جميع أنحاء فرنسا للمطالبة بوضع حد للعنف المنزلى الأسرى والجنسي، وتأتى المظاهرات وسط غضب متزايد ومناقشات حول العنف الأسري، حيث أوضحت الإحصاءات الرسمية مقتل امرأة كل ثلاثة أيام على يد شريكها الحالى أو السابق فى فرنسا، حتى وصل عدد الضحايا إلى أكثر من 100 امرأة خلال عام 2021.


فيما تقع 89 امرأة ضحية للعنف الأسرى الجسدى والنفسى كل يوم فى إيطاليا، وخلال العام الماضي، قُتلت 109 نساء فى البلاد مقارنة بـ 101 فى نفس الفترة من عام 2020، أي ما يعادل واحدة كل ثلاثة أيام، وبالمثل تواجه النساء فى بريطانيا سلسلة من السلوكيات المسيئة، حيث كشفت دراسة مكتب الإحصاء الوطنى عن انتشار سوء معاملة النساء فى فترة الطفولة، واحدة من كل أربعة كانت ضحية لهذه الاعتداءات.

وتعرض 7% من الإناث للعنف الأسرى خلال حتى مارس 2020، وقُتلت 81 امرأة فى جريمة قتل منزلي. حيث قُتلت مديرة تسويق تدعى "سارة إيفيرارد" تبلغ من العمر 33 عامًا، على يد ضابط شرطة فى مارس 2021، وهى جريمة أثارت غضبًا عامًا وأثارت الجدل حول معدلات العنف ضد المرأة فى جميع أنحاء البلاد. وفى العام المنتهى فى مارس، زاد عدد الاتصالات التى تم تسجيلها فى قاعدة بيانات خط المساعدة الوطنى للعنف المنزلى بنسبة 22% عن العام السابق.

 

وقال مكتب الإحصاء الوطني إن الزيادة قد تعكس زيادة فى شدة الانتهاكات التى تتعرض لها والافتقار إلى آليات المواجهة. يسعى المشرعون إلى تمرير تشريعات لتغليظ العقوبة للحد من العنف الأسري، إلا أن هذه السلوكيات لاتزال تمثل مشكلة مستمرة ومتوغلة وتواجه ثغرات فى القوانين تحتاج إلى إعادة النظر بها.