سلامًا معلم الأجيال

كانت «الأخبار» كظله ولم يفارق يومًا ظله

جلال دويدار
جلال دويدار

لا أعتقد أن صحفيًا ارتبط اسمه بالأخبار بعد التوأم مصطفى وعلى أمين أكثر من اسم جلال دويدار على الأقل بالنسبة لأبناء جيلى، حيث كان لاسمه دوى هائل عندما بدأنا أولى خطواتنا فى مشوار صاحبة الجلالة.

وظل لهذا الاسم نفس الدوى حتى بعد أن ترك المسئولية التنفيذية وتفرغ للكتابة. جلال دويدار من الأسماء القليلة التى كلما سمعتها وقع فى قلبى الرعب، منذ أول مرة التقيته فيها فى منتصف الثمانينيات وحتى رحيله عن دنيانا الجمعة الماضية. وبين التاريخين عمر طويل بين جدران الأخبار. كان كل من فى دار أخبار اليوم يعمل له ألف حساب..

حتى جدران الدار أظنها كانت تهتز من وطأة شخصيته القوية. كان وقتها مديرا للتحرير لكنه كما لو كان صاحب المكان.. لم يكن ذلك شعورنا نحن فقط أبناء ذلك الجيل ولكنه كان شعور الجيل الذى يكبرنا بقليل وكذلك الجيل الأكبر أى زملاء الأستاذ جلال دويدار نفسه. فعندما كنا نلجأ لأى منهم لمساندتنا لو استدعانا جلال دويدار لمكتبه، كان كل منهم يبعثنا للآخر محاولًا إعفاء نفسه من تلك المهمة، وإلقاءً بثقلها على ظهر زميل آخر، ذلك لأن معنى استدعاء جلال دويدار لأى زميل هو غالبا للتوبيخ وربما العقاب لو فاته خبر ما..

من الممكن أن يتجاوز الرجل عن أى خطأ إلا أن يكون تقصيرا فى حق الأخبار التى لم يكن يقبل إلا أن تكون السباقة دائما. ورغم حزمه الشديد فيما يتعلق بالانفرادات إلا أنه فى الوقت نفسه كان أكثر حزما فى التعامل مع من يأتى بخبر غير صحيح. كان له مقولة شهيرة: أن يفوتك خبر ما أشرف من أن تنشر خبرا غير صحيح.


مع مرور الوقت اكتشفنا أن وراء هذا البركان الهادر من الانفعالات قلبا ولا أطيب، وكأنه كان يتعمد إخفاء تلك الطيبة وراء ثورته الدائمة حتى يستخرج من داخل كل صحفى فينا أقصى إمكاناته لخدمة الجريدة، لذا لا يتردد فى مكافأة أى زميل أجاد أو قدم للجريدة انفرادا حقيقيا.. ولا يبخل بالفرصة إذا وجد من يعتقد أنه يستحقها وقد كنت والحمد لله أحد المحظوظين بدعم الأستاذ جلال دويدار عندما خصص لى مقالاً أسبوعياً بين مجموعة من أساتذتى وزملائى الأجلاء فى الأخبار..

كان معيار حكمه على كل زميل هو عطاءه للأخبار ومدى صلاحيته للمهمة التى يكلفه بها. وكان هو مثلنا الأعلى فى الانتماء والعطاء للمكان.. ولا أبالغ لو قلت إن الأخبار كانت بيته الأول وليس الثانى، فقد ظننت دائما أن هذا الرجل يسكن الأخبار وليس له بيتا سواها، لا يغادرها إلا عندما يسافر فى أية مأمورية خارجية، يغادرها بجسده فقط بينما يظل يتابع مع الزملاء سواء المسئولون عن الطبعة الأولى وحتى الطبعات التالية كل تفاصيل الأخبار والموضوعات المنشورة كما لو كان متواجدا معنا بالظبط. كانت جريدة الأخبار بالنسبة لجلال دويدار تلازمه مثل ظله وقد عاش الرجل ولم يفارق يوما ظله. حتى جاء المنادى حيث يفارق الحبيب حبيبه ولا أظن أن الرجل كانت له حبيبة سوى «الأخبار».