سلامًا معلم الأجيال

«هيبة» و«طيبة»

جلال دويدار
جلال دويدار

عادة ما تكون الشخصيات «المهيبة» التى يخشى المرء لقاءها، ذات سمات صعبة وقاسية، ولكن من النادر أن تجد شخصاً يجمع بين كونه «مهيباً»، وفى نفس الوقت يُجمع كل من اقترب منه على طيبة قلبه.


الأستاذ جلال دويدار كان من هذه القلة النادرة، فهذا الشخص المهيب، الذى استطاع بصرامته ومهنيته وعشقه الشديد للعمل، قيادة «الأخبار» طيلة 13 عاما، تعد من أزهى الفترات فى تاريخها، هو نفسه الرجل الطيب، الذى يمكن أن يتراجع عن قرار أصدره بعد إدراكه أنه جانبه الصواب فى إصدار هذا القرار، وكان من حظى أن ألتمس هذا الجانب الطيب من شخصيته.


 فبعد شهور من التحاقى للعمل بالجريدة متدربا فى قسم «أخبار الناس»، تم إصدار قرار بصرف مكافأة شهرية منتظمة للمتدربين، وكان هذا القرار بالنسبة لنا مهمًا للغاية، إذ يعتبر أول خطوة على سلم الالتحاق رسميا بالجريدة، ولكن جاء صدور هذا القرار متزامنا مع التحاقى بالخدمة العسكرية، وكان المكان الذى أخدم فيه يقسم المجندين إلى قسمين، قسم يخدم أسبوعا، ليحصل بعدها على إجازة لمدة أسبوع، ليتولى القسم الثانى أداء الخدمة، وقد أتاح لى ذلك العمل فى الجريدة خلال أسبوع الإجازة من الخدمة العسكرية.


ومع أنى كنت أعمل باجتهاد خلال أسبوع الإجازة لتعويض الأسبوع الذى أقضية فى الخدمة العسكرية، إلا أن رئيسة قسم «أخبار الناس» وقتها الأستاذة سنية عباس، رأت أن الأمانة تقتضى إبلاغ الأستاذ جلال دويدار بأنى لا أحضر سوى أسبوعين فقط فى الشهر بسبب ظروف أدائى للخدمة العسكرية، فأصدر على الفور قرارًا برفع اسمى من المكافأة الشهرية الخاصة بالمتدربين، وطلب من مدير مكتبه الأستاذ محمود طعيمة سرعة إبلاغ قسم الحسابات بذلك.
عشت وقتها لحظات من الحزن، ولم يكن أى شخص فى الجريدة لديه الجرأة على مراجعة الأستاذ جلال فى قراره، ولكن فى اليوم التالي، وقبل أن يدخل إلى مكتبه، ودون تدخل من أحد، طلب من مدير مكتبه إعادة اسمى إلى المكافأة الشهرية، وهو ما يكشف عن طيبة قلب هذا الرجل، الذى من المؤكد أنه راجع نفسه، ووجد انه ظلمنى بهذا القرار، لأن تغيبى لم يكن بإرادتي.


هذا الموقف أذكره دوما عندما يكون الحديث دائرًا بين الزملاء عن طيبة قلب الأستاذ جلال، والتى كان يحاول إخفاءها بمظهره المهيب، ولكنها كانت تطغى على كثير من تصرفاته.
فاللهم ارحمه برحمتك الواسعة وأدخله فسيح جناتك.