سلامًا معلم الأجيال

عاشق «الأخبار»

جلال دويدار
جلال دويدار

«أطلقوا عليه عِدَّة ألقابٍ؛ أبرزها: صاحب الدار.. عاشق الأخبار.. فارس الكلمة.. أستاذ الأجيال.. أحد عمالقة جيل العظماء»..


إنه أستاذنا العظيم جلال دويدار، الذى رحل عن عالمنا بعد رحلة عطاءٍ طويلة، عن عمرٍ يُناهز 86 عامًا، قضى منها ٦٥ عامًا فى بلاط صاحبة الجلالة.. رحل صاحب السِيرة والمَسيرة، التى تتحاكاها الأجيال بدار أخبار اليوم بكلِّ فخرٍ وإعزازٍ، حيث كان الراحل عنوانًا للتفانى والبذل والعطاء والمصداقيَّة والإخلاص والانضباط والشفافيَّة.. أحسن الله خاتمته؛ عندما وافته المنيَّة بعد نصف ساعةٍ فقط من أدائه صلاة الجمعة، وكان آخر عهده بالدنيا؛ إرسال مقاله اليومى لجريدة أخباراليوم، الذى نُشر بالأمس ولم يره، حول «أهمية تعظيم دور القطاع الخاص فى المنظومة التنمويَّة لتحقيق الازدهار».. كان يُقدِّس العملَ لدرجة أن القلم ظلَّ فى يده حتى أسلم الروح.. عَرفناه حازمًا حاسمًا، صحفيًا وطنيًا يُدافع بقلمه عن المصالح الوطنيَّة لمصر، كما كان حائط صدٍّ منيعٍ ضد المساس بصحيفة الأخبار وصحفييها، لا يخشى فى الحق لومة لائمٍ، رافضًا سياسة أنصاف الحلول، ضاربًا بيدٍّ من حديدٍ على كلِّ مَنْ يُحاول النَّيل منها.


ارتبط اسمه بجريدة الأخبار مُحرِّرًا مُتميِّزًا تحت التمرين، اجتهد ولمع وسطع نجمه، حتى أصبح رئيسًا للتحرير، وقفز بتوزيعها إلى أرقامٍ غير مسبوقةٍ.. تتلمذت على يديه أجيالٌ كثيرة، حيث كان مُنحازًا للجادين والمُتميزين فى العمل، غليظًا غاضبًا من الكسالى والمُهملين، ورغم قوته وحزمه، فإنه كان طيِّب القلب، تغلب عليه فى النهاية عاطفة الأبوَّة.
تشرَّفتُ بأن تتلمذت على يديه، حيث كان صاحب قرار إلحاقى للتدريب بجريدة الأخبار؛ عندما قدَّمنى له المرحوم الكاتب الصحفى الكبير عبدالسلام داوود، طيَّب الله ثراه؛ قائلًا له: «يا جلال.. الواد ده يستحق فرصة؛ لأنه الأول على دفعته»، فنظر إلىَّ نظرةً ذات مغزى؛ وقال لى: «لما نشوف»، وألحقنى بقسم الحوادث.. وبسبب هذه العبارة؛ بذلت أقصى ما فى وسعى حتى أُثبت له أننى أهلٌ لهذه الفرصة وأستحقها، وكانت إشاداته المتتالية بأعمالى الصحفيَّة فى اجتماع مجلس تحرير الأخبار الأسبوعى، كل يوم سبت، أمام جميع الزملاء؛ بمثابة شهادة تقديرٍ منه، تدفعنى لمواصلة العمل والاجتهاد أكثر فأكثر.. فى أول مهمَّة بترشيحٍ منه خارج مصر، أذكر أننى رفضتُ تمييز أحد الزملاء الصحفيين من مؤسَّسة صحفيَّة أخرى، كان يكبرنى فى السن، وقدَّمت احتجاجًا رسميًا؛ عندما قام رئيس البعثة الإعلاميَّة بتوصيل خط تليفونٍ دولىٍّ لحُجرة الزميل، وكان على باقى الزملاء انتظاره حتى يقوم بالتملية لمؤسسته.. اتصلتُ بالأستاذ جلال دويدار، وأبلغته بالواقعة؛ فثار ثورةً عارمةً، واتصل، وأنا معه على التليفون، باللواء حبيب العادلى، وزير الداخليَّة؛ وقال له بحسمٍ: الأخبار أفضل صحيفة فى الشرق الأوسط، وأرفض أن يتعامل مندوبنا درجةً ثانيةً، وقام حبيب العادلى بتوبيخ رئيس البعثة، الذى حضر إلى حُجرتى مُعتذرًا، وأمر بتوصيل الخط الدولى لحُجرتى، ومن يومها أصبحت علاقتى باللواء حبيب العادلى مُتميِّزةً للغاية؛ بسبب الدعم غير المحدود من الأستاذ جلال دويدار لى.


تعلَّمت منه شجاعة القلم والجرأة فى الحق، حيث كانت ملامح وجهه وأفعاله تُجسِّد هيبةً ووقارًا غير محدودين.. كنتُ حريصًا على الاتصال به، وكانت آخر مكالمة منه منذ فترةٍ قريبةٍ؛ عندما طلب منى تجديد بطاقة الرقم القومى الخاصة به بنظام التصوير فى المنزل، وكان سعيدًا بالطفرة التى حقَّقتها وزارة الداخليَّة؛ للتيسير على كبار السن.. وداعًا أستاذنا العظيم جلال دويدار، أحد رُواد الصحافة المُحترمين، وندعو الله أن يتغمَّدك بفيض رحمته، وخالص العزاء لأسرتك الصغيرة، وأسرتك الكبيرة، بمؤسسة أخبار اليوم.