بعد تولى باشأغا أول حكومة تشكلها مؤسسة وطنية منتخبة

هل تخلع ليبيا العباءة الدولية ؟

البرلمان الليبى
البرلمان الليبى

أحمد جمال

كلَّف البرلمان الليبى وزير الداخلية السابق فى حكومة الوفاق الوطنى فتحى باشأغا بتولى رئاسة الحكومة الجديدة التى يُتوقّع أن ترى النور خلال الأسبوعين المقبلين بدلاً من الحكومة المؤقتة التى يرأسها عبدالحميد الدبيبة، وهى خطوة عكست محاولات من أطراف وطنية ليبية لخلع عباءة التحكم الدولى فى مجريات الأوضاع على الأراضى الليبية، إذ تعد تلك الحكومة هى الأولى التى تشكلها مؤسسة وطنية منتخبة ما يجعل هناك آمالاً عديدة معقودة عليها لتحقيق الأمن والاستقرار وتهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات المقبلة.
 

وقد عبّر الترحيب الذى لاقته خطوة مجلس النواب من أطراف عديدة فى الشرق والغرب عن أولوية تشكيل حكومة جديدة يكون على رأس مهامها تحقيق الاستقرار الأمنى على حساب إجراء الانتخابات فى الوقت الحالي، وأن هناك قناعة بأنه سيكون من المستحيل الوصول لمرحلة الاقتراعات دون أن تتوحد مؤسسات الدولة بما يدعم وجود أسس يتمكن أى رئيس جديد من السير على ضوئها لتحقيق الاستقرار الشامل.
واختار مجلس النواب الليبي، الخميس الماضي، فتحى باشأغا رئيسا جديدا للحكومة، بعد تصويت جرى فى طبرق شرقى البلاد، كما وافق بأغلبية مطلقة على التعديل الدستورى الذى يمهد لاستئناف خريطة الطريق السياسية المتعثرة، ويسعى البرلمان لرسم المستقبل السياسى للبلاد، بعد تعثر انتخابات كانت مقررة فى ديسمبر الماضى.


أكد رئيس الحكومة الليبية المكلف فتحى باشأغا، فى تصريحات إعلامية «أن الحكومة الجديدة فى البلاد ستكون للجميع، وستعمل على نشر السلام والمحبة»، مشيراً إلى أن الحكومة ستعمل على إجراء الانتخابات المنتظرة، وتثبيت المصالحة الوطنية، مشدداً على عدم وجود مكان للكراهية والحقد والانتقام والظلم فى ليبيا الجديدة.
وعقب وصوله إلى طرابلس، تعهد باشأغا بإقامة علاقات مع كل دول العالم على أساس الاحترام المتبادل والعمل المشترك والتنسيق الدائم، وأعرب عن تطلعه للتعاون الإيجابى مع بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، مؤكداً أنه سيتعاون مع مجلسى النواب والدولة، حيث «لا يمكن لحكومة أن تنجح من دون التعاون مع السلطة التشريعية».


وكشف خطة عمله المتمثلة فى: ضمان استكمال الانتخابات فى موعد أقصاه 14 شهرًا، مشدداً على أن ذلك سيكون هدفه الأكثر أهمية، قائلاً: «لقد واجهت عمليتنا الانتخابية الأخيرة بعض الصعوبات الأمنية، بما فى ذلك حماية بيانات المواطنين. يجب أن نسعى لمعالجة هذه المخاوف وأى مخاوف أخرى تتعلق بالانتخابات لمنح الليبيين والعالم ثقة فى مصداقية نتائج الانتخابات المقبلة».


من جانبه، صرح السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، بأن مصر تتابع عن كثب تطورات الأوضاع فى ليبيا، وأن مصر تؤمن بأن مسار تسوية الأزمة الليبية يظل بيد الشعب الليبى وحده دون تدخلات أو إملاءات خارجية، مثمّنا دور المؤسسات الليبية واضطلاعها بمسئولياتها بما فى ذلك ما اتخذه مجلس النواب من إجراءات بالتشاور مع مجلس الدولة وفقًا لاتفاق الصخيرات، آخذًا فى الاعتبار أن مجلس النواب الليبى هو الجهة التشريعية المنتخبة، والمعبرة عن الشعب الليبى الشقيق، والمنوط به سن القوانين، ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية، وممارسة دوره الرقابى عليها.


وأوضح المتحدث الرسمى أن مصر مستمرة فى تواصلها مع جميع الأطراف الليبية بهدف تقريب وجهات النظر بينهم، وضمان حفظ أمن واستقرار البلاد، وتلبية تطلعات الشعب الليبي، ودعم جهود المصالحة الوطنية الشاملة بين الأشقاء الليبيين، وتوحيد المؤسسات الليبية، كما أنها تواصل جهودها فى إطار رئاستها المشتركة لمجموعة العمل الاقتصادية الليبية، وبما يحقق مصلحة الشعب الليبى فى صون ثرواته ومقدراته.


وقال الدكتور مصطفى الزائدي، عضو الهيئة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية الليبية، إن تكليف باشأغا جاء نتيجة توافق ليبى بين الأطراف الفاعلة فى مصراتة والزنتان والجنوب وجاء بانتخاب الجسم المنتخب الوحيد فى ليبيا وفى حال خروجها للنور فإنها ستكون أول حكومة تشكل بإرادة ليبية مباشرة وأن جميع الحكومات التى جرى الإعلان عنها منذ عام 2011 كانت تأتى تحت رعاية أجنبية من قوى ودول مختلفة ضمن مساعيها لتحقيق مصالحها فى ليبيا.


وأضاف أن الأولوية الآن تتمثل فى تحقيق الاستقرار الأمنى وأن إجراء الانتخابات فى ذلك التوقيت لا يشكل اهتماماً لقطاعات واسعة أبدت استعدادها لإجرائها فى توقيتها المحدد سابقًا فى 24 ديسمبر الماضي، من خلال تسجيل 2.8 مليون مواطن فى كشوف التصويت، وكذلك ترشح 100 شخصية على الانتخابات الرئاسية وأكثر من 5000 مرشح للبرلمان ما يعنى أنه كانت هناك إرادة شعبية حقيقية فى الوصول لمرحلة صناديق الاقتراع، غير أن المجتمع الدولى والقوى العظمى الفاعلة هى التى عرقلت هذا الاستحقاق.


وأوضح أن الغرب الذى ظل يردد شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان هو من عرقل إجراء الانتخابات لأسباب تتعلق بمصلحة كل دولة وأن مخاوف تلك الدول من وصول شخصية وطنية على رأس الحكم دفعها لوضع العديد من العراقيل بما يضمن الحفاظ على مصالحها، ما يجعل خطوة البرلمان الليبى تحظى بتوافق قوى سياسية وشعبية عديدة، ولقى قرار البرلمان ترحيبا داخليا، إذ بادر الجيش الوطنى الليبى إلى إعلان تأييده ودعمه لباشأغا، كما أعلن عمداء بلديات المنطقة الغربية والجبل وباطن الجبل الغربى دعمهم خطة مجلس النواب لتغيير الحكومة.


وشدد الزائدى على أن الحكومة سيكون عليها مهمة ثقيلة تتمثل فى التعامل مع أكثر من 20 ميليشيا مسلحة تتواجد فى طرابلس وتسيطر على الأوضاع الأمنية هناك إلى جانب هدف آخر يتمثل فى توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وإعادة الاهتمام بالخدمات العامة وإصلاح ما جرى تدميره خلال السنوات الماضية تحديداً على مستوى تهريب النفط ونهاية بإجراء مصالحة وطنية تجعل الأجواء ملائمة لإجراء الانتخابات.


وتواجه الحكومة الجديدة تحديات على رأسها موقف الأمم المتحدة من قرار تكليف باشأغا، إذ إن المتحدت باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أكد أن المنظمة الأممية لا تزال تدعم عبدالحميد الدبيبة «رئيسا للوزراء».. وقالت منظمة الأمم المتحدة، الجمعة، إن رئيس الحكومة الليبية المؤقتة بالنسبة لها هو عبدالحميد الدبيبة، وأنها «تنتظر اعتماد حكومة باشأغا، من جانب البرلمان الليبي» قبل الاعتراف به.


وجاءت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، ضبابية إذ شدد على أنه يراقب عن كثب الموقف فى ليبيا بعد اختيار البرلمان الليبى فتحى باشأغا، رئيس جديدا للحكومة، داعيا جميع الأطراف إلى حفظ الاستقرار فى البلاد، مشيرا إلى أهمية إجراء الانتخابات الوطنية فى أقرب وقت ممكن لضمان احترام الإرادة السياسية للـ2.8 مليون مواطن ليبى الذين سجلوا للتصويت.


وهو ما ترد عليه أطراف ليبية بالتأكيد على أن الحكومة السابقة انتهت مهمتها مع تاريخ إجراء الانتخابات فى 24 ديسمبر وبما أنها فشلت فى الوصول إلى هذا الاستحقاق فإن وجودها لم يعد شرعياً كما أنها حكومة جاءت باختيار 75 شخصًا عبر هيئة جرى تشكيلها من خلال عملية دعمتها الأمم المتحدة لتوحيد المؤسسات الليبية المنقسمة والإشراف على الفترة التى تسبق الانتخابات، فى حين أن الحكومة الجديدة حظيت بأغلبية البرلمان المنتخب، غير أن هؤلاء يتوقعون أن يحظى تعيين باشأغا بتأييد دولى بعد الإعلان عن حكومته الجديدة.. وكذلك فإن تكليف باشأغا يصطدم من جهة أخرى، بتمسك عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية بمنصبه لحين إجراء انتخابات، مما ينذر بمواجهة سياسية قد تتطور.


قال رئيس الحكومة الليبية المؤقت عبدالحميد الدبيبة، الأحد، إن قطار الانتخابات فى ليبيا انطلق ولن يتوقف إلا بسلطة شرعية منتخبة، وعبّر فى تغريدة على حسابه الرسمى فى «تويتر»، عن شكره للتفاعل الشعبى الواسع الداعم للانتخابات والرافض للتمديد.


ومن جانبه، قال محمد فتحى الشريف، مدير المركز الأفروآسيوى للدراسات السياسية بالقاهرة، إن التوافق الحاصل بين باشأغا والجيش الوطنى الليبى قادر على مجابهة التحديات التى يفرزها تمسك الدبيبة بمنصبه، وأن قوة الأطراف المؤيدة للتكليف الجديد داخليًا على الأرض قادرة على فرض وجود الحكومة الجديدة، تحديداً وأن مواقف المجتمع الدولى أظهرت بأنه يلعب على حبال مختلفة وسيقدم الدعم للطرف الأقوى.


وأضاف أن التحدى الأكبر أمام الحكومة الجديدة يتمثل فى الخطوات المتهورة التى قد يُقدِم عليها الدبيبة فى المنطقة الغربية والتى قد يجرى التصدى لها من جانب الجيش وقد تشكل خطراً لاندلاع صراعات مسلحة، فى حين أن المجتمع الدولى لن يسمح بأن تعود الأوضاع إلى نقطة الصفر مجدداً وقد يكون هناك مزيد من التدخلات فى تلك الحالة.