المؤبد للمتهمين.. شرعوا في تقديم الطفل «محمود» قربانًا للجن

نهاية مأساوية لـ«خُدّام الجن»

قضية الطفل محمود
قضية الطفل محمود

حبيبة جمال
هل تتذكرون قضية الطفل محمود الذي فجرنا حكايته الدامية في العدد رقم 1420، تحت عنوان «محمود قربان الجن والآلهة»، هذا الطفل الذي كاد أن يفقد حياته على يد شخصين سيطرت الخرافات على عقليهما، وقررا تقديمه قربانًا للجن لفتح مقبرة أثرية، اليوم وبعد مرور عامين على تلك القضية، أسدلت محكمة الجنايات الستار عليها وحكمت على المتهمين بالسجن المؤبد.. وإلى التفاصيل المثيرة التي قادت خدام الجن الى نهايتهما المحتومة.
 

بالرغم من أننا أصبحنا في القرن الواحد والعشرين،هناك من هم مهوسون بالثراء عن طريق الآثار، وغالبيتهم مستعدون لارتكاب أبشع الجرائم مثل ذبح الأطفال على المقابر وتقديمهم قربانًا لحارس المقبرة، وهذا ما حدث مع الطفل محمود الذي لا يتعدى عمره الستة أعوام، لكن العناية الإلهية هي من أنقذته قبل دقائق من ذبحه. 
في بيت ريفي بسيط، بإحدى مناطق الواحات البحرية، يسكن الطفل محمود ناصر، مع أسرته الصغيرة، يبلغ من العمر ستة أعوام، ملامحه في غاية الجمال، كأنه وردة جميلة، رغم صغر سنه إلا أن عقله يسبق عمره بكثير، فالبراءة تلمسه في كل حركاته، تملأ نظراته الفرحة.


في يوم من أيام شهر يونيو من عام ٢٠١٩م، ادى محمود صلاة العشاء، ثم أتى بالكرة كي يلعب بعض الوقت أمام منزله، وبينما كان الصغير يجري هنا وهناك كالفراشة في رشاقة، كان هناك من يتابع حركاته، شخص يدعى «رفيع»، يسير بخطوات بطيئة يتلفت يمينًا ويسارًا وخلفه مثل اللصوص بالشارع ولما لا وهو أخطر انواع اللصوص، يرقب بعينيه الضيقتين باحثًا عن ضحيته معتقدًا بأنه سيفلت من جريمته والقانون، إلى أن وقع اختياره على هذا الطفل؛ سيطر عليه شيطان عقله لينفذ جريمته، نجح في استدراجه من عالمه الصغير، بحجة أن يلعب معه، وبما أنه معروف لدى الطفل لوجود صلة قرابة بين الأسرتين، ذهب معه محمود بحسن نية، إلى أن وصلا إلى منطقة بعيدة عن أعين الناس، وبكل قسوة قيد يديه وقدميه ووضعه داخل عباءة، وأسرع به إلى أحد الأماكن الأثرية والمعروفة بـ»الجيست».


أسرة الطفل

في البداية اعتقدت أم محمود أن طفلها مع والده يشاهدان مباراة كرة القدم، ولم تكن تلك الأم المسكينة تعلم ما يخفيه لها القدر، وأن طفلها اختطف، عاد الأب للبيت، وعندما سألته زوجته عن محمود، أخبرها بأنه لا يعلم عنه شيئًا، فبدأ القلق يساور أفراد الأسرة، أخذوا يبحثون هنا، خائفين من أن يكون قد أصابه مكروه، وخاصة أنه يعاني من الصرع، بحثوا هنا وهناك، ولكن بلا فائدة، فلا أثر للطفل، أوقات عصيبة قضتها الأسرة بعد اختفائه، وفشلهم في العثور عليه، رسم الحزن خيوطه داخل منزل الأسرة، وصل القلق أقصى درجاته، هنا أدركوا أنه اختطف، ولم يتوقعوا بأن تأتي الطعنة من أقرب الأشخاص إليهم.


داخل المقبرة

على الجانب الآخر عاش الطفل صاحب الستة أعوام ساعات من القلق والرعب أثناء مكوثه داخل المقبرة، كان مقيد اليدين والقدمين، تتردد على أذنيه جملة «هندبحه مع شروق الشمس»، لينتفض الصغير ويتجمد الدم في عروقه ويبكي راجيًا إياهم بتركه يعود لحضن والدته، لكن بلا فائدة، فهما في هذه اللحظة نزعا قلبيهما ووضعا مكانه قطعة من الحجارة، الطفل مستمر في البكاء، حتى جاء للمتهم الأول «رفيع» اتصالًا هاتفيًا يبلغه بأن محمود اختطف، وأسرته يبحثون عنه، فاتخذ قراره سريعًا بأنه لابد وأن يكون متواجدًا مع الأسرة حتى لا يشك فيه أحد، فترك الطفل المسكين مقيدًا، وخرج هو وصديقه بملابسهما الرثة، بالغبار الذي عليهما، حافيان القدم، وقفا في الطريق، إلى أن وجدا سيارة، فلوحا إليها ليأخذهما معًا، لم يعلما أنها من ضمن السيارات التي تبحث عن الطفل محمود، بعد نزولهما من السيارة، شك أصحابها فيهما، وقررا العودة إلى مكان وقوفهما والبحث هناك عن الطفل، بينما شعر رفيع بأن أمره سينكشف فقرر أن يذهب هو الآخر للطفل، ولا نعلم إذا كان سيقتله حتى لا يبلغ أحد عنه، أم أنه سينقله لمكان آخر وينتظر فرصة أخرى لتنفيذ جريمته .. وصل الأشخاص إلى المكان الذي استقل منه رفيع وصديقه السيارة، وقرروا أن يتتبعوا أثر القدم على الرمال، وبالفعل قادتهم الصدفة إلى الوصول إلى مقبرة محفورة على عمق ٣٠مترًا، بها سراديب يمينًا ويسارًا، مكان مجهز للتنقيب عن الآثار، وقتها كان قد وصل رفيع بالفعل للطفل، فبدأت المناوشات بين الطرفين، إلى أن تمكن الأهالي من القبض على المتهمين، وتحرير الطفل المسكين.

فرحة

رسمت الفرحة خيوطها داخل منزل الطفل، بعدما عاد إليهم، لكنه ظل صامتا لا يتكلم، اعتقدوا في البداية أنه فقد النطق، حتى أخبرهم بما حدث معه منذ لحظة اختطافه وحتى تحريره، وقتها كنا داخل منزل الطفل وجعلناه يسرد الحكاية كاملة؛ اعترافات المتهمين كانت مختلفة تمامًا، فقالا أنهما خطفاه لخلافات مالية بينهما وبين والده، ولكن تحريات المباحث أثبتت عدم صدق رواياتهما، وتم حبسهما وتحولت القضية لمحكمة الجنايات، حتى أسدلت الستار عليها بالسجن المؤبد. 


تواصلنا مع محمود السويفي عم الطفل وفي نفس الوقت المحامي ليوضح لنا تفاصيل أكثر عن الحكم، فقال: «هذه الجريمة متشعبة فهي تنقيب عن آثار، خطف واحتجاز، تهمة شروع في قتل، تكدير للأمن العام، وقتها لم نعلم لماذا تم اختيار محمود تحديدا، ربما لمواصفات تنطبق عليه أو لأنه فريسة سهلة للمتهم، لكن وقتها قررنا عدم ترك حق الصغير، وظلت القضية متداولة داخل ساحة المحكمة، وفي نفس الوقت كانت أسرة المتهمين تحاول الصلح معنا للتنازل عن القضية، وافقنا على انعقاد جلسة وحكم المجلس العرفي لنا بأموال لكننا رفضنا، لأننا لا يمكن أن نترك حق ابننا أو نأخذ مقابل ساعات الرعب التي عاشها أموالًا، وقررنا أن نكمل المشوار في أخذ حقنا بالقانون، وفي جلسة النطق بالحكم ذهب معنا محمود ووقف أمام القاضي وقص عليه القصة كاملة، فرغم مرور عامين عليها إلا أنه يتذكر كل شيء وكأنه محفور داخل ذاكرته، حتى جاء الحكم الذي أثلج قلوبنا وهو المؤبد للمتهمين بتهمت الخطف وشروع فى قتل الصغير ».