رفعت الجلسة| أريد حريتي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كان يراقبها بعينيه كلما رأها، يتفحص جسدها بلهفة المشتاق، يبحث عن سبب ليفتح الحديث معها، ويلقى بجسده النحيف فى التهلكة ليثبت لها أنه شاب بعواطفه وليس عجوزا بجسده.. لم تدرك تلك الفتاة «الريفية « ألاعيب ذلك العجوز الشاب، كانت تعتبره جارا لها ليس أكثر، بل تناديه بعمها، حتى فاجأها بمغازلتها عندما كانت تشترى من «دكان البقالة» الذى يملكه.. تعجبت الفتاة من مغازلة العجوز لها، ابتسمت، وتجاهلت الأمر، واعتبرت أنها إشادة بريئة وليست معاكسة بالمعنى الذى تعرفه.

اعتادت على هذه المغازلة صباحا ومساء كلما قابلها، لكن فى يوم من الأيام تجاوز العجوز بيده، أراد أن يجذبها إليه ويجلسها معه، لكنها قاومته وحذرته أنها ستخبر خالها إذا تكررهذا الأمر مرة اخرى.

غيّر العجوز خطته حتى لا يخسر الفتاة، اكتفى بإغرائها بثروته، ظل يحدثها ليل نهار كلما قابلها عن أملاكه وأمواله فى البنوك.

كان يدرك العجوز ما يقوله جيدا، هو يعلم قصة هذه الفتاة اليتيمة التى تركت قريتها فى أرياف البحيرة وسافرت الى بيت خالها المريض لتعيش معه فى أحد أحياء الجيزة وتخدمه بعد أن ماتت زوجته ولم يرزق بأطفال.

إقرأ أيضاً | رفعت الجلسة| والد «الأطباء» فى رحاب «أهل الخير»

عرض على الفتاة العمل معه فى «دكان البقالة» الذى يملكه، أغراها براتب كبير ومزايا لاتحصى، لكنها رفضت وأخبرته أنها سافرت إلى هنا لخدمة خالها المريض بعد موت والديها، وأن معاشه كاف لتوفير احتياجاتهما من المأكل والمشرب والملبس والدواء.

لم ييأس ذلك العجوز.. ابتسم له القدر مرة اخرى ودعاه خال الفتاة لزيارته فى منزله فهو جار له، ثم طلب منه أن يقرضه بعض الأموال لإجراء عملية فى المعدة وأن يمنحه مهلة لسدادها.

وافق العجوز وأدرك أن الطريق أصبح متاحا للفوز بالفتاة، انتظر بعد أن أجرى ذلك المريض العملية، وبعد أشهر طرق باب الفتاة، التقى بخالها، واخبره قصته التى يعلمها الجميع.

قال العجوز «تعلم أن زوجتى ماتت منذ سنوات، وتركت لى فتاة وشابا أعمارهما بين الخامسة عشرة والثانية عشرة».

وأضاف «كنت قد وعدتها اننى لن أتزوج ووعدت اطفالى كذلك، لكن المسئولية كانت أكبر من الوعد، ولم استطع ان اتحملها بمفردى، فأنت تدرك احتياجات الأولاد فى هذا العمر».

وألمح «أنا لا أطلب أكثر مما يرتضيه الشرع، وعندما علمت أن ابنة شقيقتك «رحمها الله» ستعيش معك بعد وفاة والديها، أيقنت انها الوحيدة التى استطيع ان أئتمنها على بيتى واولادى واموالى، وسأعتبرها زوجة وابنة، خاصة اننى تزوجت من زوجتى وكان عمرى وقتها قد تجاوز الاربعين عاما».

لم يتفاجأ خال الفتاة بحديث جاره العجوز الذى بلغ عمره الستين، كانت قد اخبرته قبلها الفتاة ان جارها ينظر إليها نظرات غريبة، واشتكت من تصرفاته اتجاهها، لكن خالها قرأ الأمور من زاوية أخرى، رأى أن بها مصلحة له وللفتاة، فزواجها من هذا العجوز سيضمن انها ستكون بجواره، حيث ان شقته ملاصقة لشقتهما، كما انه سيترك ابنة شقيقته فى ايد أمينة، فهو يدرك ان ايامه معدودة فى الدنيا بعد ان هلكه المرض اللعين.
اقنع الفتاة بالزواج من الرجل، قص لها كل المزايا التى ستحظى بها، واخبرها انه يخشى عليها بعد موته، فليس لها احد فى الدنيا سواه.

وافقت الفتاة وانعقد الزواج داخل شقة خالها، ثم انتقلت بحقيبة ملابسها الى شقة الزوج المجاورة.

عاشت الفتاة شهور الزواج الأولى ما بين شقتها وشقة خالها، كانت تسهر بجواره بعد أن هاجمه المرض وجعله قعيدا غير قادر على خدمة نفسه، اما على الجانب الآخر فلم يعترض العجوز على شىء، طالما أن ابناءه سعداء بهذه الفتاة، فهى تخدمهم ليل نهار وتتحمل تصرفاتهم المهينة وطلباتهم المتكررة ليل نهار.

أيام وانقلبت حياة الفتاة رأسا على عقب، مات خالها، واستولى زوجها على شقته، فقد كانت ايجارا قديما وعادت له فهو مالكها الأصلى.. ثم بدأت معاناتها التى قصصتها أمام قاضى محكمة الأسرة بالجيزة فى دعوى الطلاق التى أقامتها ضد زوجها.

فى اليوم المخصص للحكم، حضرت الفتاة بصحبة محاميها إلى قاعة المحكمة حاملة بيديها صورا لعائلتها.

أرادت أن تشرح للقاضى مأساتها مع عامين من الضياع فى بيت ذلك العجوز وأبنائه.

قالت الفتاة «سيدى القاضى لم اكن زوجة يوما واحدا، كنت خادمة لذلك العجوز وابنائه، تحملت منهم ما لم يتحمله بشر، استغلوا ضعفى ويتمى ومارسوا ابشع انواع التعذيب البدنى والقهرى علىّ، لذلك لجأت الى العدالة للقصاص من هذا الرجل وطلب الطلاق منه.

أضافت «بعد وفاة خالى الذى كان سندى الوحيد فى هذه الدنيا رأيت وجوها من العذاب، لم أنعم كزوجة بحقى الشرعى، فذلك العجوز لم يكن لديه ما يقدمه لى، فقد اخبرنى انه مريض وانه فى طريقه للعلاج.

تحملت الكثير من اجل ان اعيش فليس لى احد، لكنه لم يتركنى بحالى، اطلق العنان لأولاده لإهانتى، واعتدى علىّ ابنه الأكبر اكثر من مرة، وادعت ابنته زورا وكذبا والأغرب انه كان ينحاز لهما على حسابى.

لم يسمح لى ذلك العجوز بالخروج من البيت، كان يحبسنى كلما حضر ضيوف الى منزلنا، يترك عينيه لتخبرنى انه يخشى خيانتى له، بسبب عجزه، لكننى حاولت طمأنته اكثر من مرة دون فائدة.

تلمست فى نظرة ابنه الأكبر اتجاهى أمورا يجب ألا تكون فى عقله بتاتا، فأنا زوجة أبيه رغم ان فارق العمر بيننا 7 سنوات فقط.

وأضافت «طلبت من زوجى أن أنتقل للعيش فى شقة خالى التى استولى عليها بعد وفاته، لكنه رفض، وعندما أخبرته بنظرات ابنه، ضربنى وحبسنى فى الحجرة، ومارس على ارهابا معنويا بالتهديد بالقتل والطرد».

طلبت سيدى القاضى الطلاق اكثر من مرة، لكنه كان يرفض ويقوم بضربى وحبسى فى الحجرة لأيام، بعدها يفرج عنى بشروطه، وهى ان اظل خادمة فقط له وأولاده.

نهاية سيدى القاضى، انا لا أتجنى عليه، ولا أريد من أمواله شيئا.. أريد حريتى فقط.

فى هذه اللحظة قدمت الفتاة حافظة بها اوراق مدونة بخط اليد.. وأخبرت القاضى أن هذه الأوراق تحوى ما كان يحدث معها كل يوم، و كل صفحة مرقمة بالوقت وتاريخ اليوم.

وأضافت: «أعلم سيدى القاضى أن هذه المذكرات تحمل أمورًا لم أذكرها للمحكمة، ولو كشفتها لأصدرت حكمك بالقبض على ذلك الزوج وأولاده».

بعدها نادى القاضى عل الزوج وطلب منه أن يرد على حديث زوجته، ليكتفى بالقول «سيدى القاضى.. هذه فتاة طائشة.. وما ادعته علىّ كذبا.. كنت لها أبا وزوجا، لكنها رفضت النعمة، واختارت الطلاق.. لقد طمعت فى أموالى.. ورفضت تطليقها لأن خالها ائتمننى عليها.. وأنا لا أخون الأمانة»

رفع القاضى الجلسة.. وبعد دقائق عاد للانعقاد وأصدر حكمه بتطليق الزوجة.