كنوز | مصطفى أمين يكتب: أبو «آخر ساعة»

مصطفى أمين
مصطفى أمين

بقلم: مصطفى أمين

أول ما سمعت عن الأستاذ محمد التابعى عندما كان رئيساً لتحرير مجلة «روز اليوسف»، كان التابعى يكتب وقتئذ باسم مستعار هو «حندس»، وقبل ذلك كان ناقداً مسرحياً لجريدة الأهرام ومحرراً بجريدة «الاجبشيان ميل» وموظفاً بمجلس النواب، وأول شخص تمرن فيه التابعى هو يوسف وهبى الذى أسماه.

«الكاتب الذى يسقينى السم فى برشامة»، ومما يذكر أن التابعى لم يتقاض مرتباً من روز اليوسف منذ نشأتها إلى سنة 1927 لأن الجريدة لم تكن تدر إيرادا!
نجحت «روزاليوسف» عندما عثر التابعى على مذكرات سعد زغلول وبدأ ينشرها، والتابعى كثير الأسفار، وفى العشر سنوات الأخيرة أمضى فى أوروبا أكثر مما أمضى فى القاهرة، وهو صحفى عالمى، تنبأ بكثير من الحوادث التى وقعت فى أوروبا وأهمها الخلاف بين الروس والحلفاء، وينفق فى رحلاته عن سعة، فإذا نزل فى سان مورينتز أقام فى نفس الجناح المخصص لملوك أوروبا وأمرائها.

فى سنة 1927 كان التابعى هو الوسيط بين القصر والوزارة النحاسية، وقد سافر مع جلالة الملك إلى سويسرا وفرنسا وانجلترا، وكانت صلته بالوفد طيبة، فاستطاع أن يتوسط فى الخلاف القائم، ولكن كان التيار أقوى من وساطته، وكتب سلسلة مقالات كشف فيها الستار عن أسباب الخلاف، وغضب الوفد على التابعى وهدد بأن يعلن أن مجلة «آخر ساعة» لا تعبر عن رأى الوفد، فأعلن التابعى فى الصحف أنه لا صلة لآخر ساعة بحزب الوفد، وكانت أول مرة تتبرأ فيها جريدة من الوفد، وأول مرة تخرج فيها جريدة على الوفد وتبقى أقوى مما كانت وهى وفدية!

والأستاذ التابعى غريب الأطوار، ينفق الألوف بغير حساب، ويمكث ساعة يبحث عن قرشين صاغ أنفقهما ونسى أن يقيدها عنده فى دفتر خاص يقيد فيه كل مليم ينفقه من قرش صاغ أجرة مسح حذاء فى شارع فؤاد إلى ألفى جنيه ثمن خاتم من الماس اشتراه فى مدينة نيس وأهداه لفتاة قابلها 24 ساعة ثم خاصمها، التابعى مضياف من الطراز الأول، ويهتم اهتماماً كبيراً بثيابه وأناقته، ويعتبر من أحسن عشرة رجال فى مصر يحسنون اختيار ملابسهم، يحب السينما ويشترى أحيانا لوج سينما ليجلس فيه وحده، يحب قراءة الروايات البوليسية، يجيد اللغة الانكليزية والفرنسية، ويعرف التركية والألمانية طراطيش! 

فى سنة 1926 أصدر جريدة «المصرى» مع محمود أبو الفتح وكريم ثابت فنجحت نجاحاً كبيراً، كان التابعى معروفاً بالوفدية وأبو الفتح من خصوم الوفد فباع التابعى حصته فى الجريدة للنحاس باشا بثلاثة آلاف جنيه وأنفق المبلغ فى شهرين فى سان مورينتز، وكسب من الصحافة أكثر مما كسب صحفى آخر، كانت المجلات التى يصدرها أكثر المجلات قراءة، لكنه كان مسرفاً، وكان ضحية للاضطهاد المستمر، فى سنة 1930 تولى صدقى باشا رئاسة الوزارة فعطل «روزاليوسف»، فأصدر التابعى مجلة «البرق» وعطلها صدقى باشا، وأصدر التابعى مجلة «الربيع»، وكتب فيها امراً بتعطيلها ليريح صدقى باشا من كتابة أمر التعطيل، وعطلها صدقى باشا أيضاً، ثم أصدر مجلة «الشرق الأدنى» وكتب فيها بالخط العريض «اللى اختشوا..

هذه المجلة تصدر بدلا من روز اليوسف.. عطلها بأه»، وفعلا عطلها صدقى باشا، وأصدر مجلة «الصرخة» ومكث يصدرها تسعة شهور، ثم عاد يصدر «روز اليوسف» واستقال من تحريرها 1934 ليصدر «آخر ساعة»، فكانت أول مرة تصرح له الحكومة بأن يكون صاحب جريدة، مع أنه حاول ذلك من سنة 1925 فى الوقت الذى كانت تصرح فيه لكل من هب ودب، وعطلت «آخر ساعة» عدة مرات، وحكم على التابعى ثلاث مرات، مرة بالسجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ لإهانته بعض ملوك أوروبا، ومرة بالسجن أربعة أشهر مع النفاذ لأنه انتقد أحمد على باشا وزير العدل، ومرة بالسجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ لأنه عاب فى حق صاحب السمو الملكى الأمير محمد على.

«آخــر ســاعة» - يونيو 1948