تلميذ خائب أصبح أديبا عالميا.. عاقبته أمه ومعلموه

تلميذ خائب أصبح أديبا عالميا.. عاقبته أمه ومعلموه
تلميذ خائب أصبح أديبا عالميا.. عاقبته أمه ومعلموه

عاش طوال حياته فاشلا، لم يصدق أحد أنه سيكسب قرشا واحدا، أو أنه يفلح في عمل، حيث كان طالبا غريب الأطوار، يترك حجرة الدراسة ويذهب إلى حوش المدرسة ليعزف على الكمان الأحمر الصغير الذي كان يخفيه في درجه، ويحدث به أصوات مزعجة.

وفي إحدى المرات كتب مقالا طويلا عن "الإرادة الإنسانية"، وأعتقد أن المدرس سيعلن ثناءه وشكره وإعجابه به، لكنه فوجئ بالمقال المحترق، والقصاصات في وجهه، وصوت المدرس يصخب ويلعن، ويعلن فشل التلميذ الخائب.

إنه الأديب العالمي أونوريه دي بلزاك والذي أجمع معلموه على أن لا سبيل إلى إصلاحه، وأن من الأفضل أن يترك المدرسة ليعيش مع كمانه الأحمر، وأحلام الخيالية، بحسب ما نشرته مجلة آخر ساعة عام 1954.


لكن التلميذ اعتقد بأن الجامعة قد تفيده أكثر من المدرسة فكان يتسلل إلى قاعات المحاضرات في السوربون ليستمع إلى الفلاسفة والمؤرخين، إلا أن أمه التي كانت تراقبه لم يعجبها هذا الحال، ولم ترض له أن يمضي شبابه حالما، وهداها تفكيرها إلى حيلة لتوقظه من أحلامه وتخرجه إلى دنيا الواقع، فأدعت بأن البيت يضيق بأفراد العائلة، وأفردت له بأحد المنازل القريبة غرفة في الطابق العلوي، فيها كرسي لا قعر له، ومنضدة قديمة، وسرير محطم، كل هذا كي يحس ويشعر ببعض التعب.

لكن جاء الأمر على عكس ماتوقعت فقد كتب يقول: "إنني أحس وأنا جالس على الكرسي المحطم، كما لو كنت جالسا على عرش أجدادي الروحيين، ملوك القلم".

وظل في هوس حتى أنه كان يكتب ٦٠ صفحة يوميا، وأكمل ٣١ مجلدا من القصص في عامين، لكن هذا لم يفيده في شيئ، فالناشرين كانوا يعدونه بالدفع ولا يقبض غير الوعود، وفي إحدى المرات أفلح في إقناع رجل ثري بأن ينشئ دارا للنشر تكلفت ٧٠ ألف فرنك، وأضاعها بسوء إدارته، وأغلقت الدار، وكاد اليأس أن يقتله لكنه لولا أن وقع في غرام امرأة تكبره سنا بسبعة أعوام، وكانت تشجعه في حنان.

وكانت الفوضى التي عاش فيها، والفشل الذي صادفه، والديون التي أرهقته، والطموح الذي كان يحرقه كانت كلها مدرسة له حتى أن قصصه خرجت بعد ذلك مليئة بصور الطبقة الوسطى في فرنسا، وفي غرب أوروبا عامة، .

96 كتابا أخرج كلا منها بعد أن ضرب بفرشاته في الصورة الضخمة التي كان يعيش فيها المجتمع البشري، وقسم الناس إلى صور تماما، كما قسم العلماء والحيوان إلى أنواع ، ووصف بأن الدوافع التي تسيطر على الإنسان لا تختلف قط عن غرائز الحيوان خاصة حب الذات.

وذكر في مؤلفاته التي كانت بمثابة متحفا لا نظير له لعواطف الإنسان، وآماله ومطامعه ومأساته وحبه وكرهه، ومخاوفه ونفاقه، وكان المال هو الحياة في عروق جميع أبطال قصصه، وكان هو الهواء الذي يتنفسه، ورأى أن سبيل تخلص الإنسان من عبودية المال هو أن يتخلص من شهوة الجسد وأنه عن طريق التأمل والابتكار يستطيع أن يصل إلى مرتبة الأنبياء والشعراء والموسيقيين.

وتوفي بلزاك عن عمر يناهز  51 عاما، وكان من رواد الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر في الفترة التي أعجبت سقوط نابليون، وكان كاتبا مسرحيا، وناقدا أدبيا، وطالب مقال وصحفيا.


المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم

اقرأ أيضا|في اليوم العالمي للإذاعة.. كيف خرج الراديو إلى النور؟