عاجل

شقيقه أحمد كشف تفاصيل مجهولة فى حوار نادر لـ«آخرساعة»:

العقاد رفض «الكرة الشراب» واشترى «ألف ليلة»

عبّاس محمود العقاد
عبّاس محمود العقاد

قراءة: أحمد الجمَّال

يعد عبّاس محمود العقاد (1889-1964) أحد ألمع نجوم الفكر والأدب فى مصر، فقد كان كاتبا كبيرا وشاعرا وفيلسوفا وسياسيا ومؤرخا وصحفيا، ومثَّل حالة فريدة فى الأدب العربى الحديث، وفى عام 1960 أى قبل رحيله بأربع سنوات فقط، أجرت «آخرساعة» حوارًا مع شقيقه أحمد العقاد، كشف فيه الكثير من التفاصيل الخافية عن حياة أخيه الأديب العملاق الذى ملأ الدنيا بأدبه، وتطرّق إلى ملامح غائبة عن طفولته ومواقف مجهولة فى مرحلة شبابه.. وفيما يلى نعيد نشر نص ذلك الحوار النادر بتصرفٍ محدود:-
 

سافر العقاد هذا الأسبوع إلى أسوان، وهناك سيعيش بقية الشتاء متمتعًا بدفء أسوان، وبحنان القلوب الحبيبة إلى نفسه.. وأخوه وأخته وأفراد أسرته ينتظرونه كل عام فى مثل هذا الوقت بفارغ الصبر.


وقبل سفر العقاد إلى أسوان التقت «آخرساعة» أخاه أحمد العقاد، الذى تكلَّم بصراحة عن نفسه وعن أخيه العملاق الكبير.. لقد روى ذكريات طفولة العقاد، حيث قال: لقد كانت أمنيتى وأنا صغير أن ألعب بالكرة الشراب مع أخى ولكنه كان يرفض دائما ويفضل أن يجلس ليقرأ، كان يوفر فى صغره كل مصروفه الذى يحصل عليه ويذهب للشيخ عثمان خليل صاحب أكبر مكتبة فى أسوان ليشترى به الكتب الكبيرة، وذكر أنه قرأ فى طفولته سلسلة «ألف ليلة وليلة» و«المستطرف فى كل فن مستطرف».. وأنه قرأ كتابًا عن المعرى ولم يكن عمره وقتذاك يتجاوز التاسعة.


مجالس الأدباء

ومضى شقيق العقاد يقول: «كان والدى - رحمه الله - يصطحبه معه إلى مجالس الأدباء والشعراء فى أسوان، وبالذات إلى الندوة التى كان يعقدها الشيخ أحمد الجداوى القاضى، وكان عالمًا كبيرًا من علماء الدين والأدب، فى تلك الجلسات كان أخى يطارح كبار روادها فى الأدب والشعر، ولعل ذلك هو الذى صبغ كتابته بالقسوة التى عُرفت عن قلمه حين يهاجم أو يرد على هجوم.. كان يسهر فى منزلنا الليالى الطوال يقرأ ويحفظ الآلاف من أبيات الشعر، ليتمكن من الرد فى سرعة على الأبيات التى كان يلقيها الشيخ الجداوى أو غيره فى الجلسات الشعرية التى اشتهر بها أهل زمانه».


وتناول الحديث كبرياء العقاد وكيف انتقلت إليه بالوراثة، فقال: «أعتقد أن كبرياء أخى مردها إلى أن أسرتنا قد توارثتها، فإن أى فرد فيها لا يحب أن يكون ذيلًا لأحد ولا يتحمل إهانة من أحد، وهذه الكبرياء منتشرة فى معظم أهل الصعيد، وفى أسوان بالذات».


وروى أحمد العقاد هذه القصة عن أخيه: «مرة حمل مسدسه وهو كاتب فى خزان أسوان، وذهب إلى مكتبه ليقتل رئيسه الإنجليزي، لأنه كان قد اتهمه بالإهمال فى العمل، وحاول إهانته أمام بعض الموظفين، وكادت الكارثة تقع لولا أن تدخل بعض المهندسين والعمَّال الذين كانوا يعملون هناك فى ذلك الوقت، وقد استقال أخى بعد ذلك على الفور، وكان هذا آخر عهده بالوظيفة التى هجرها إلى الأبد لينصرف إلى القراءة طول النهار والليل، وكثيرًا ما كان والدى يدخل عليه لينصحه بالراحة رحمة بصحته».


وتابع: «كان أخى على علاقة طيبة جدًا بوالديه، فلا أذكر مرة أنه عارض لهما رأيًا، وبعد أن تُوفى الوالد فى سنة 1907 لم تنقطع زيارة أخى لوالدتنا، وحينما كان يبنى لها منزلًا فى أسوان وكلفنى بالإشراف على البناء، طلبت منى الوالدة - فى أثناء عملية البناء - أن يكون بلاط حجرتها من الطوب الأحمر، وبعثت لأخى فى مصر (القاهرة) أنبئه بهذه الرغبة وأبدى له مخاوفى من أن ذلك سيشوه منظر البيت، فما كان منه إلا أن بعث لى بخطاب عاجل يقول لى فيه: (أطع أمر والدتنا حتى لو أدى هذا إلى تشويه منظر البيت)».. وكان وما يزال يحب أختنا الوحيدة حبًا جمًا، ويدعوها للإقامة معه فى القاهرة طوال فترة الصيف.


وقال أحمد: «لقد قرأت كل كتب أخي، وهو قد تعوَّد أن يرسل إلىّ ثلاث نسخ من كل كتاب جديد واحدة لي، والثانية لابن أخته، والثالثة لمكتبته الخاصة فى أسوان، وأذكر أن الكثيرين من زائريه ورواد ندوته فى أسوان، حينما كانوا يطالبونه بأن ينزل فى بعض كتبه إلى مستوى فهم رجل الشارع كان يقول لهم: (عليكم أن ترتفعوا لمستواى لا أن أهبط لمستوى فهمكم)».


رأيه فى الآخرين

< وسألته «آخرساعة»: وما هى أحسن كتبه فى رأيك؟

ـ «ابن الرومي» فى الأدب، و«سعد زغلول» فى التاريخ، و«العبقريات» فى تحليل الشخصيات.


< ومَنْ مِن الأدباء أقرب إلى قلبك بعد أخيك؟

ـ محمود تيمور فى القصة، والسباعى كويس، أما إحسان عبدالقدوس فإننى أشعر فى قصصه بالرغم من عمق تحليلها وجمال حوارها، بأننى لم أستفد شيئًا منها، ولستُ أدرى لماذا يتهرب من العلاج ويكتفى فقط بوصف المجتمع من خلال قصصه؟ لماذا لا تكون هناك نهاية؟ إنه يظل طيلة القصة يشرح لنا حيرة البطلة حتى نهايتها، أما نجيب محفوظ فهو قصصى هائل فى نظري، وسيكون له شأن كبير فى أدبنا من ناحية تصوير الجو الذى يعيش فيه أبطال قصصه.


< وتوفيق الحكيم ما رأيك فيه؟

ـ لا بأس.


< وما رأيك فى أخيك؟

ـ فلتة لن تتكرر.


< وما هو الكتاب الذى تتمنى أن يؤلفه؟

ـ كتاب يجمع فيه مذكراته السياسية.


< هل تعرف سر امتناع أخيك عن الزواج حتى الآن؟

ـ أعتقد أن سر عدم زواجه يرجع إلى أنه فى الوقت الذى كان يجب عليه أن يتزوج كان مشغولًا بمشروعاته الأدبية، ولما كبر لم يجد من تقدير حياته كأديب، وهب كل حياته للبحث والاطلاع، وكانت والدتنا آخر من تكلم معه فى هذا الموضوع، وأذكر أنها طلبت منه قبل وفاتها أن تفرح بزواجه، وأنه يومها قال لها: «إننى أقبل».. وفرحت الوالدة فرحًا شديدًا، ولكنه قال لها مداعبًا: «ولكن على شرط واحد: أن أبحث لك أولًا عن عريس»، وصمتت الوالدة وقررت ـ منذ ذلك الوقت ـ ألا تفاتحه فى هذا الموضوع مرة أخرى.


وانتقل الحديث مع شقيق العقاد إلى نفسه وإلى موهبته، وهل فيه لمحة أدبية من شقيقه؟ فقال فى تواضع،  إننى أقرأ كثيرًا، ولكننى لا أعتقد أننى بلغت مرحلة تمكننى من التأليف، أنا أجيد الخطابة، وأؤلف الشعر، فى المناسبات فقط.


< هل  تحفظ الآن بعض نماذج من شعرك؟

ـ نعم كان ذلك حينما أُحِلت إلى المعاش منذ سنة، وأُقيِم لى حفلٌ فى المحكمة التى كنت أعمل فيها، يومها أنشدتُ قصيدة طويلة منها:-
رفعتم فوق شأو النجم قدري
فنجمى فى اعتدال للشروق
ولم يك خاتمًا بل كان ختمًا
لحكم من مروءتكم وثيق


أما آخر شعر لى فقد ألفته للتعقيب على قصيدة نشرها أحد المُدرسين الذين نُقلوا إلى المدرسة الثانوية بأسوان، وكان ناقمًا على هذا النقل، وكانت قصيدته تكشف لى ضيقه بأسوان وأهلها.


يومها قلت:
ما حيلتي.. ما حيلتى فيمن يسيء لسمعتي؟
أنا لا أبالى هرة.. جاءت تموء بقلعتي

وتقول «لا رقيت» فى هذا الرقى شقاوتي؟
لا أرتضيك معلمًا ومهذبًا لبُنيتي


< وما هى الأبيات التى تحفظها لأخيك؟

ـ هذه الأبيات التى تقول:-
قالوا الحياة قشور.. قلنا وأين الصميم؟
قالوا شقاء.. فقلنا: نعم.. وأين النعيم؟
إن الحياة حياة.. ففارقوا أو أقيموا