خلي بالك: اكتئاب الولادة يصيب الرجال أيضًا!

اكتئاب الولادة يصيب الرجال
اكتئاب الولادة يصيب الرجال

حذرت دراسة جديدة أجراها فريق بحثى دنماركى من جامعة آرهوس من أن الآباء الجدد يصابون أيضا باكتئاب ما بعد الولادة الشائع لدى الأمهات، وأفادت نتائج الدراسة التى أجريت على 8 رجال من الآباء الجدد، بأن هؤلاء الرجال تمت إصابتهم بهذا النوع من الاكتئاب نتيجة لعدم قدرتهم على تحمل الشعور بالإرهاق، والقلق، والضعف، والإحساس بعدم الاستعداد لتحمل مهمة تربية الأطفال.


واعترف الآباء المشاركون فى الدراسة بأن فترة الاكتئاب أفقدتهم لذة الأبوة، وأن تجربة الاكتئاب حولت مشاعرهم الطيبة إلى الشعور بالذنب والتقصير، حتى أصبحوا غير قادرين على استيعاب مسئولية الأبوة الجديدة.


سألت «آخرساعة» عددا من الآباء حول هذا الأمر ليوضحوا حقيقة ما شعروا به بعد ولادة أبنائهم؟
 

يقول أحمد، أب لطفل «4 سنوات»: إن فترة ما بعد الولادة تشهد فى الغالب نفقات كثيرة لبعض الرجال، خاصة أنها فترة تقلبات بالنسبة لصحة الرضع، وتستدعى التردد كثيرًا على الأطباء ومن هنا تتزايد الأزمة أى نفقات أكثر وتنقلات أكثر وراحة أقل، وهذا هو أحد الضغوط الرئيسية على الرجال وربما سببا قويا لكثير من الخلافات بين الزوجين ويمكن تصنيف فترة ما بعد الولادة على أنها أكثر فترات الرجال رغبة فى الانفصال عن زوجاتهم.
أضاف، أن ضغوط الحياة مع سعى كثير من الرجال لتلبية احتياجات الأسرة جعل الرغبة فى الاهتمام بهم من قبل زوجاتهم أحد الأمور الأساسية فى حياتهم، وبطبيعة الحال هذا الاهتمام يتراجع نسبيا مع تركيز الأمهات حديثى الولادة على الرضع أكثر من أزواجهن، وقد يحدث أيضا فى بعض القرى والريف انتقال الزوجات لبيوت أسرهن من أجل رعاية أفضل بهن والمواليد الجدد ويبقى كثير من الرجال فى بيوتهم بمفردهم ويفتقد كثير منهم الونس ويتزايد الفراغ لدى كثير منهم ويبدأ الشعور بالاكتئاب والتغيرات المزاجية التى تزداد يوما بعد يوم.


أما كريم فهو أب لطفل عمره «عام»، فيؤكد أن الرجل فعلا يشعر باكتئاب بعد ولادة زوجته، ويعود ذلك لانشغاله الدائم بالتفكير فى كيفية التعامل مع هذا الضيف الجديد وتحمل مسئوليته بشكل كامل بالإضافة لتوفير جميع احتياجاته المادية والبحث عن أساليب التربية الصحيحة التى تساعد على تنشئته بشكل سليم، ويستمر هذا الوضع المحير لفترة محددة حتى يعتاد الأب على هذا الواقع ويستطيع أن يعيشه بكل تفاصيله.


محمد، أب لطفلين، يقول: إنه عند ولادة طفله الأول كان لديه عدة مشاعر متضاربة فكان يظل ينظر له أوقات كثيرة، ويفكر فى مستقبله ويشعر بالخوف الشديد عليه، وأحيانًا كثيرة يسهر طوال الليل بجانبه ويشعر بالقلق الشديد بمجرد أن يراه يبكى، حتى أدى ذلك لإصابته بتوتر شديد وأحدث ألما بمعدته ظل يؤلمه لمدة 4 أشهر حتى اكتشف إصابته بقرح فى المعدة نتيجة التوتر، ومع مرور الوقت اعتاد على الأمر وأنجب الطفل الثانى لكنه استطاع السيطرة سريعا على مشاعره وسار الأمر طبيعيا جدا.


ويُعلق الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، على هذا الأمر بقوله إن غزيرة الأمومة من أقوى الغرائز الإنسانية التى منحها الله عز وجل للمرأة، وعلى الرغم من فرحة أى سيدة عند معرفتها بحدوث الحمل، إلا أن الأمر قد يحدث نوعاً من الخلل النفسى لديها نتيجة تغير بعض هرمونات الجسد، وبحسب الدراسات العالمية تعانى 80% من النساء حول العالم من الاكتئاب أثناء فترة الحمل وبعد الولادة، واستطاعت الأبحاث والدراسات أن تثبت مؤخرًا أن هذه الحالة النفسية ليست حكرًا على النساء فقط، ولكنها تصيب الرجال أيضًا بنسب مُتفاوتة، فعلى الرغم من أن الرجال لا يمرون بتجربة الوضع والحمل، لكن قد تحدث تغيرات فى مستوى هرمون الذكورة عند الآباء، وهذا التغير الهرمونى قد ينجم عنه تغير فى المزاج العام، وللأسف قد يزداد الأمر سوءًا للآباء الذين لهم تاريخ وراثى من الإصابة بالاكتئاب، أو ممن تعرضوا له فى وقت سابق.


وأكدت دراسة أجراها باحثون من جامعة «أنجليا روسكين» فى المملكة المتحدة أن اكتئاب ما بعد الولادة يصيب ما بين 6 إلى 13% من الآباء الجدد، ويعد ذلك نوعا من أنواع انتقال عدوى المشاعر من الزوجة للزوج فتظهر عليهم نفس أعراض الاكتئاب.


وينوه هندى، إلى أنه بغض النظر عن العدوى فقط، فإن هناك أسبابا أخرى تساعد على إصابة الرجال بالاكتئاب بعد ولادة زوجاتهم، وقد يحدث هذا كنتيجة لإهمال الزوجة للزوج فى هذه الفترة بسبب ما تشعر به من ألم وإرهاق بعد الحمل والولادة، وكذلك بسبب انشغالها طوال الوقت بالاهتمام والعناية بمولودها الجديد ومحاولة فهم عالمه الخاص، كما يمكن أيضا أن يكون عدم التخطيط للحمل من الأساس أو عدم رغبة الزوج فى حدوثه سببا قويا فى الإصابة بالاكتئاب للطرفين.


ويشير إلى أن أعراض الاكتئاب المرتبطة بالحمل والولادة لكل من الزوجين تتمثل فى الشعور باللامبالاة، والحزن والرغبة فى البكاء طوال الوقت، والإحباط من عدم الشعور بحبهم لأطفالهم، وسرعة الانفعال والعصبية الزائدة على أتفه الأمور وأيضا كبت المشاعر والأحاسيس والتى تتمثل غالبا فى الخوف من المسئولية، وبالتالى تتحول الحياة إلى صراعات ومشاحنات وتفقد الحياة الزوجية جمالها.


من جانبه، يؤكد مراد مكرم، مُشير نفسى، أنه ليس بالضرورة أن يكون الرجل مصابا باكتئاب الولادة بمجرد شعوره بحدوث بعض التغيرات المزاجية عليه فى هذه الفترة، ولكن يجب أن يكون لديه الوعى بأهمية استشارة الطبيب المختص الذى يوضح له حالته الحقيقة سواء كانت اكتئاباً بالفعل أم أنها حالة مؤقتة ظهرت كرد فعل للوضع الجديد الذى يمر به، وغالبا تكون الحالة التى يمر به الرجل بعد ولادة زوجته ما هى إلا تغيرات مزاجية نتيجة تغيير وتيرة الأحداث اليومية التى يمر بها، والإحساس المفاجئ بالمسئولية، وغياب الدعم النفسى، وقلة النوم والقلق المستمر، منوها أن مخ الإنســـان عندمـــا يستـقـــبل أى حــدث جــديد ســـواء كان مفـــرحا أو محــزنا فيعتبر نوعا من أنواع الصـــدمات المــــزاجــية الــتـــى تــؤثـــــر علـيـــه بالسلب أو الإيجاب.


أضـــاف، وبمجـرد ســمـاع الأب كلمــــات التهئنة بقدوم المولود، يدور بداخله العديد من الأفكار التى تتغير يوميا خاصة إذا شعر بتغيير واضح فى روتين حياته اليومى وإهمال زوجته له فى بعض الأمور الخاصة على سبيل المثال المتعلقة بالطعام والشراب والاهتمام اليومى وكذلك العلاقة الحميمية، هنا يبدأ الرجل فى التحول تدريجيا وللأسف قد يحاول البعض الاتجاه للإلهاء والخروج من هذه الحالة بشتى الطرق حتى وإن كان ما يفعله تجاه مبادئه، فيبدأ فى الخروج والبعد عن المنزل كثيرا والتحدث مع الآخرين فى محاولة لإيجاد الاهتمام مرة أخرى، كما أنه يرى أن المنزل أصبح لا يعد مكانا للهدوء والراحة التى اعتاد عليها، كل ذلك يمكن أن يدخله فى نوبات مزاجية متغيرة تؤثر عليه بشكل عام ويمكن أن تؤثر أيضا على شهيته سواء بالزيادة أو النقصان وفى كلتا الحالتين تكون سببا فى الإصابة ببعض الأمراض التى تزيد الحالة النفسية سوءا، أما العبء المادى فيلعب دورا كبيرا فى ذلك، خاصة إن كان الطفل يعانى من حالة مرضية تستلزم دخوله لحضانه، فيتضاعف الشعور بالخوف عليه من ناحية والإحساس بالذنب أو التقصير تجاهه من ناحية أخرى، ومع المرور بكل ذلك يطالب الأب أيضا باحتواء الأم والتخفيف عنها فيما تمر به من تعب ومشقة مع طفلها.


وينصح مكرم، جميع الآباء بضرورة الاستعداد جيدا لهذه الفترة، وعليهم القيام بتدريب المخ على المشاركة وتحمل المسئولية بمجرد حدوث الحمل، فلابد من الذهاب مع الزوجة للطبيب ومتابعة تطورات حالة الجنين باستمرار وانتظار اليوم الذى يخرج فيه إلى الدنيا، وهذا يساعد على زيادة هرمون الحميمية لدى الأب وزيادة التعلق والحب للابن ويزداد معه مشاعر الترابط والتلاحم بين الزوجين، كما يجب عليه حمل الطفل بمجرد الولادة ولمسه والشعور بأنه يملك جزءا منه وعنايته والاهتمام بكل تفاصيله وممارسة الأبوة بالشكل الذى يجب أن تكون عليه والعلم جيدا أن المستقبل بيد الله عز وجل فلا داعى من الخوف والتفكير فى غد، وعليه التحدث بكل ذلك مع نفسه كثيرا وتوجيه رسائل إيجابية وطمأنينة للمخ، كما يمكنه مشاركة الآخرين لبعض تجاربهم الإيجابية لاكتساب الخبرات منهم، وأخيرا دعم الزوجة ومحاولة إسعادها والتفكير فى كيفية خلق أسرة سعيدة له أثر كبير على الطرفين.


أضاف، وفى حالة الشعور بمبادئ الاكتئاب فيجب الترويح عن النفس فى الحال وعدم الاستسلام أو كبت المشاعر وعدم التعبير عنها، ويمكن أيضا ممارسة الرياضة والعودة مرة أخرى لممارسة الأنشطة المفضلة التى تساعد المخ كثيرا على تخطى هذه الفترة بسلام.