مي زيادة.. نهاية أليمة لـ«عاشقة» أثارت جنون الأدباء 

الأديبة مي زيادة - أرشيف أخبار اليوم
الأديبة مي زيادة - أرشيف أخبار اليوم

عاشت حياتها بين أضواء الشهرة وأحزان الوحدة، تسلقت سلم المجد وانحدرت بسرعة إلى السفح، ملأت عصرها بالفكر والنضوج وانتهت حياتها وهي مشكوك في قواها العقلية وأخيرا أصبحت مادة للتشريح من الذين كانوا يقفون ببابها يتشوقون إلى سماع كلماتها وهي تتحدث في الفكر والأدب ومشاكل العصر.

 

كان كل منهم يتمنى لو شغل حيزا من قلبها الذي أغلقته دونهم جميعا ولم تفتحه إلا لإنسان يعيش في المهجر ولم تكن هذه الفتاة سوى الكاتبة «مي» ولم يكن ذلك الذي يعيش في المهجر سوى جبران خليل جبران .

 

وما أكثر الساعات التي كانت تجلس فيها «مي» وهي تستعيد ذكريات طفولتها وصباحا فترجع بخيالها إلى تلك الحجرة الصماء في مدرسة الراهبات ببيروت؛ حيث كانت تجلس عاكفة على قراءة الأدب الفرنسي وقد يجنح بها الخيال وهي وحيدة بين أسوار المدرسة في صحبة شاتيريان وبيرون وغيرهما من الأدباء الذين ابتهرت بأفكارهم.

 

ففي الناصرة بفلسطين كان ميلادها فتذكر أمها الفلسطينية ووالدها اللبناني الذي يعمل مدرسا بها وقد تنحدر من عينيها دموع تعبر عما ينفعل في أعماقها من مشاعر مبهمة غامضة عبرت عنها عندما تقدم بها العمر.

 

حين تحدثت مي زيادة قالت: «ولدت في بلد وأبي في بلد وسكني في بلد وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد فلأي بلد أنتمي فكثيرا ما كانت أصداء القصائد التي كان يقولها فيها عمالقة عصرها تتداعى إلى ذهنها.

 

قصائد اسماعيل صبري وولي الدين يكن وكلمات الثناء من الرافعي ولطفي السيد الذي كان يتأمل جمالها الهادئ وهو يضغط على عواطفه ليبدو كأحد رجال الطبقة الارستقراطية في ذكائها وخبثها، بحسب ما نشرته جريدة أخبار اليوم في عام 1968.

 

إنها تتذكر كل هذه الصور وتتذكر كيف كان يكتب لها انطون جميل رسائله الطويلة ويوقعها بإمضاء «طفلك»، وكيف كان يحمر وجه الرافعي خجلا عندما تتحدث إليه فتكشف ملامح وجهه عم يكتبه لها في أعماقها من حب وهيام وكيف كان يقف محمود عباس العقاد ببابها يريد أن يبثها أشواقه.. كل ذلك مضى وأصبح مجرد ذكريات .


ولكن ما الذي جعلها تنتهي تلك النهاية الأليمة وهي التي أثرت الفكر والفن وأضافت إلى المكتبة العربية 13 كتابا مؤلفا ومترجما.. هل يرجع ذلك إلى أنها أغلقت قلبها وضغطت على عواطفها وتنكرت لأنوثتها حتى تقدم بها العمر وفاتها القطار أخذت تبكي على حظها العاثر فلا تسمع إلا وجع بكاء الأيام .

 

يرجع ذلك إلى أنها تأثرت بالنزعات الفكرية الارستقراطية التي تنظر إلى الناس كأنهم خلقوا طبقات.. طبقة للسيادة والفكر وطبقة للعمل والشقاء فهل الجماهير حاولت إسقاط هذه الأفكار الارستقراطية التي لا معنى لها؟

 

مهما كانت الأسباب التي انتهت بها هذه النهاية فلا شك أنها عاشت فكرا متنقلا منذ أن جاءت في صحبة والدها إلى القاهرة ولا شك أن حياة «مي» الخاصة وقلبها الذي لم تفتحه إلا لجبران كان سببا كبيرا فيما آلت إليه لقد بادلته الحب فكان يرسل لها في أحد رسائله مثلا «أيوجد في ربوعكم من يريد أن يقول لي ولو كلمة واحدة من الكلمات التي تؤكد أننا اثنان في واحد».

 

وحين تحس مي أنها في سباق مع الزمن والأعوام تزحف لتمتص عمرها ترى في جبران المنقذ من وحدتها فترسل إليه قائلة: قلبي ينبض دموعا.. سأدعوك أخي وصديقي.. أنا لا أخ لي ولا صديق .

 

ولكن هذا الأمل يموت بموت جبران فتقع فريسة الوحدة والوساوس، أصيبت بمرض نفساني وفقدت اتزانها وخيل إليها أنها مضطهدة من الجميع وعندما أوشك عام 1941 على الرحيل رحلت هي الأخرى عن دنيانا ودفنت في الأرض التي شاهدت بزوغ نجمها وتألقه وأفوله في أرض مصر.. رحلت تاركة حول حياتها وفكرها علامات استفهام كثيرة .

 

مي صورة حية للشخصية الإنسانية في لحظات الشروق وفي لحظات الغروب، في لحظات التألق وفي لحظات الأفول.. في أحلام القمة وفي وحشة القاع في لغة الحياة وصمت العدم؟

 

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم