رسالة ريان

أحمد الجمَّال
أحمد الجمَّال

تابع‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬محاولة‭ ‬إنقاذ‭ ‬الطفل‭ ‬المغربى‭ ‬ريان،‭ ‬الذى‭ ‬سقط‭ ‬فى‭ ‬بئرٍ‭ ‬سحيقة،‭ ‬ظل‭ ‬قابعًا‭ ‬بداخلها‭ ‬لمدة‭ ‬خمسة‭ ‬أيام،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُخرَج‭ ‬جثمانه‭ ‬هامدًا‭ ‬فى‭ ‬مشهد‭ ‬مبكٍ‭ ‬ومؤثر،‭ ‬ترك‭ ‬فى‭ ‬وجدان‭ ‬الإنسانية‭ ‬جرحًا‭ ‬غائرًا‭.‬

لقد‭ ‬بذلت‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية‭ ‬أقصى‭ ‬جهودها‭ ‬لإنجاح‭ ‬عملية‭ ‬انتشال‭ ‬هذا‭ ‬الملاك‭ ‬الصغير‭ ‬من‭ ‬غيابة‭ ‬الجُب،‭ ‬لكن‭ ‬القدر‭ -  ‬ولا‭ ‬اعتراض‭ - ‬كان‭ ‬قد‭ ‬دوّن‭ ‬كلمته،‭ ‬وأراد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬عصافير‭ ‬الجنة‭.‬

مات‭ ‬ريان‭.. ‬لكنه‭ ‬أحيا‭ ‬فى‭ ‬نفوسنا‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭.. ‬علَّمنا‭ ‬أن‭ ‬تتآلف‭ ‬قلوبُنا،‭ ‬وأن‭ ‬يتوَّحد‭ ‬دعاؤنا‭.. ‬وأعطانا‭ ‬درسًا‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يحب‭ ‬الإنسان‭ ‬أخاه‭ ‬الإنسان‭.. ‬لقد‭ ‬ذكَّرنا‭ ‬بكل‭ ‬عصافير‭ ‬الجنة‭ ‬التى‭ ‬رفّت‭ ‬أجنحتُها‭ ‬من‭ ‬قبلِه‭ ‬نحو‭ ‬السماء‭.. ‬ذكّرنا‭ ‬بالطفل‭ ‬السورى‭ ‬آلان‭ ‬كردى‭ ‬وهو‭ ‬مُلقى‭ ‬على‭ ‬بطنه‭ ‬ميتًا‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬تركيا،‭ ‬بعدما‭ ‬غرق‭ ‬القارب‭ ‬الذى‭ ‬استقله‭ ‬مع‭ ‬أسرته‭ ‬فى‭ ‬طريق‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬السورية‭ ‬إلى‭ ‬اليونان‭.. ‬ذكّرنا‭ ‬بمحمد‭ ‬الدرة‭ ‬وآلاف‭ ‬الأطفال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬منذ‭ ‬احتلال‭ ‬بلادهم‭.. ‬ذكّرنا‭ ‬بآلاف‭ ‬الصغار‭ ‬فى‭ ‬اليمن‭ ‬الذين‭ ‬يموتون‭ ‬أو‭ ‬يتضورون‭ ‬جوعًا‭ ‬جراء‭ ‬الحرب‭.. ‬وغيرهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الموجودين‭ ‬فى‭ ‬مناطق‭ ‬الصراعات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

إن‭ ‬حكمةً‭ ‬خافية‭ ‬برقت‭ ‬من‭ ‬عتمة‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬المأساوية‭: ‬أن‭ ‬مصيرنا‭ ‬كلنا‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬حفرةٌ‭ ‬كتلك‭ ‬التى‭ ‬ابتلعت‭ ‬ريان،‭ ‬ولذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬لتعيش‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬فى‭ ‬سلام‭.. ‬وآن‭ ‬الوقت‭ ‬لأن‭ ‬ينهى‭ ‬الكبار‭ ‬صراعاتِهم‭ ‬ويلتفتوا‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬مستقبلٍ‭ ‬جميل‭ ‬وآمن‭ ‬للجميع‭ ‬كأشقاءٍ‭ ‬فى‭ ‬رحاب‭ ‬الإنسانية‭.‬

كأن‭ ‬ريان‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الكل‭ ‬يعيش‭ ‬فى‭ ‬حفرةٍ‭.. ‬والحفرة‭ ‬دائمًا‭ ‬يصنعها‭ ‬الكبار،‭ ‬وبالأخير‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬الصغار،‭ ‬فعلى‭ ‬الأقل‭ ‬ارحموا‭ ‬ضعف‭ ‬هؤلاء‭ ‬الصغار‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬لهم‭ ‬وامنحوهم‭ ‬أبسط‭ ‬حقوقهم‭: ‬الحياة‭.‬

وصلت‭ ‬رسالتُك‭ ‬يا‭ ‬ريان‭... ‬سلامًا‭ ‬إلى‭ ‬روحك‭ ‬الطيبة‭.‬