كتاب جديد يكشف المستور .. فاوتشى الوجه الآخر لـ«ملاك الرحمة»

تصريحات فاوتشى المتضاربة حول أهمية الأقنعة فى الوقاية من الفيروس
تصريحات فاوتشى المتضاربة حول أهمية الأقنعة فى الوقاية من الفيروس

دينا توفيق

أصابت الوعكة البشرية بأسرها.. ظلت تئن فى انتظار من يُسكِّن أوجاعها.. منقذ يلقى لها طوق نجاة وانتشالها من بحر الظلمات الذى غرقت فيه، بعد اجتياح فيروس كورونا أرجاء
الأرض،
الجميع يحاول النجاة من جائحة جديدة وسلالات متحورة لا أحد يعلم كيفية التعامل معها، هل من منقذ؟ هل من مجيب؟.. ومنذ اللحظة الأولى وفى قلب الأزمة كان هناك محترفون يتمتعون بشخصية جذابة واثقة، قدموا آراءهم على أنها الدواء، أنصت العالم إليهم وكان على رأسهم مسئولو الصحة العامة خاصة منظمة الصحة العالمية أنتونى فاوتشي، مدير المعهد الوطنى للحساسية والأمراض المعدية (NIAID).

بالنسبة للعديد من الأمريكيين وغيرهم من سكان الأرض، سرعان ما أصبح مستشار البيت الأبيض للأزمة الصحية الدكتور فاوتشى عالمًا موثوقًا به والعقل المدبر للتصدى للجائحة، حيث أقنعت وسائل الإعلام الممولة من قبل شركات الأدوية الملايين من الأمريكيين بأن فاوتشى هو البطل.

ومع صدور كتاب اأنتونى فاوتشى الحقيقيب، للمحامى والناشط الأمريكى اروبرت كينيدى جونيورب، نجل شقيق الرئيس الأمريكى الراحل اجون كينيديب، إلى جانب تسريبات البريد الإلكترونى الخاصة بفاوتشى العام الماضي؛ تم فتح نافذة جديدة على حياته وعمله، وبات هناك تساؤل عما إذا كانت تصريحاته العامة فى محلها، أم تضر أكثر مما تنفع. بصفته مديرًا للمعهد الوطنى للحساسية والأمراض المعدية، يتحكم فاوتشى فى توزيع 6٫1 مليار دولار من أموال دافعى الضرائب كتمويل سنوى للبحث العلمي، ما يسمح له بإملاء موضوع ومحتوى ونتائج البحث العلمى الصحى فى جميع أنحاء العالم. كما يستخدم النفوذ المالى الموجود تحت تصرفه لممارسة التأثير على المستشفيات والجامعات والمجلات العلمية والآلاف من الأطباء والعلماء المؤثرين. مثلما حدث أوائل عام 2020، عندما كتب له عالم المناعة اكريستيان أندرسنب أن فيروس كورونا لديه بعض االصفات غير العاديةب التى تشير إلى التلاعب فى بيئة معملية، وفقًا لما نشرته صحيفة اوول ستريت جورنالب الأمريكية. وفى وقت لاحق تراجع أندرسن عن رأيه ونشر ورقة ترفض نظرية تسرب الفيروس من المختبر لعدم وجود أدلة. ومن هنا بدأ فاوتشى فى مشاركة المقالات التى تسير لصالح الأصل الطبيعى للفيروس مع فرض تقديم المشورة للعلماء الذين يكتبون حول هذه القضية. رغم ما أكده علماء الفيروسات امايكل فرزانب واروبرت جاريب إلى كل من فاوتشى وافرانسيس كولينزب مدير المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة (NIH)، على أن الفيروس قد تسرب من معهد ووهان لعلم الفيروسات (WIV)  وتم تعديله وراثيًا. فقد كان فاوتشى منذ بداية الجائحة مدافعًا قويًا عن نظرية الأصل الطبيعى للفيروس، ولكن سرعان ما ظهر تحول وتخبط بموقفه بعدما أعلن عدم اقتناعه بهذه النظرية، ودعا إلى تحقيق مفتوح فى أصل الفيروس وما حدث فى الصين، بعد أن ظل لأكثر من عام ينفى إمكانية تخليقه مخبريًا، وفقًا لتصريحاته لشبكة افوكس نيوزب الإخبارية الأمريكية. أثارت مراسلات فاوتشى عبر البريد الإلكتروني، تساؤلات حول مدى دعمه للصين، بسبب رفضه نظرية تسرب الفيروس من معهد ووهان، مثلما أثارت مراسلاته منذ الأيام الأولى للوباء موجة من الاتهامات المتبادلة بشأن الأقنعة والعلاجات ومن ثم فيما بعد اللقاحات. 

ويكشف الكتاب كيف بدأ اطبيب أمريكاب حياته المهنية خلال أزمة الإيدز المبكرة من خلال الشراكة مع شركات الأدوية للتقليل من فاعلية العلاجات الآمنة للإيدز ورفضها؛ حيث قام بدراسات احتيالية وضغط على منظمى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) للموافقة على علاج كيميائى قاتل، رغم معرفته بأنه لا قيمة له ضد الإيدز. انتهك فاوتشى مرارًا وتكرارًا القوانين الفيدرالية للسماح لشركائه فى شركات الأدوية باستخدام الأطفال الفقراء وذوى البشرة الداكنة لإجراء التجارب السريرية المميتة للإيدز والعلاج الكيميائى للسرطان. وعلى هذا النهج سار فاوتشى أثناء التصدى لكورونا حيث قلّل من المصداقية للعلاجات منخفضة التكلفة مثل فيتامين د وإيفرمكتين وهيدروكسى كلوروكين- الذى تبلغ تكلفته أقل من 10 دولارات - بهدف تحقيق أرباح من علاجات باهظة الثمن أخرى واللقاحات، حتى وإن كانت دون جدوى؛ مثل عقار اريمديسيفيرب التى تبلغ تكلفته 3500 دولار التى أوصت بعد ذلك منظمة الصحة العالمية بعدم استخدامه. وأنفقت الشركة المنتجة له 2٫45 مليون دولار مع بداية الجائحة عام 2020 للضغط على الحكومة الفيدرالية لاستعماله، وفقًا لصحيفة اواشنطن تايمزب.

وفى أوائل عام 2000، اجتمع فاوتشى ومؤسس شركة امايكروسوفتب، الملياردير الأمريكى ابيل جيتسب فى سياتل بهدف السيطرة على مشروع لقاحات عالمى مربح بقيمة 60 مليار دولار مع إمكانات نمو غير محدودة؛ حتى أصبح تحالف فارما- فاوتشي - جيتس يمارس الهيمنة على سياسة الصحة العالمية. يسرد كينيدى جونير بالتفصيل كيف يفرض فاوتشى بالتعاون مع جيتس وأتباعهم سيطرتهم على وسائل الإعلام والمجلات العلمية والوكالات الحكومية وشبه الحكومية الرئيسية ووكالات الاستخبارات العالمية والعلماء والأطباء المؤثرين لبث الرعب بالدعاية المخيفة حول الفيروس، وإسكات الجدل وفرض الرقابة على المعارضة.

 الانتقادات الموجهة لفاوتشي، متجذرة فى التحريفات التى أدلى بها حول ارتداء الأقنعة وفى إرشاداته المتغيرة والمضادة لبعضها بعض، التى لم تنفصل عن أى استعداد لقبول المسئولية أو الاعتراف بالأخطاء. لقد أحجم عن استخدام الأقنعة فى أوائل عام 2020 ما جعل الأمريكيين يتخلون عنها، ولكنها عادت مرة أخرى بضرورة ارتدائها وربما فى بعض الأوقات ارتداء اثنتين معًا، لكن ما قاله هو أنها كانت غير فعّالة، وفقًا للباحث والكاتب فى وكالة بلومبرج اراميش بونوروب. لقد خلقت تصريحات فاوتشى المتضاربة حالة من عدم الثقة وشكوكًا عميقة لم يسبق لها مثيل فى كلٍ من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وإدارة الغذاء والدواء، يعود جزء من هذا إلى المعلومات المضللة، كما يراها الصحفى الأمريكى اهيو هيويتب.  ومؤخرًا، أظهر استطلاع جديد لشبكة اNBCب الإخبارية الأمريكية حول مدى مصداقية ما يقوله مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) ؟ 44% قالوا نعم، وقال 43% لا؛ إنها أزمة ثقة فى سلطات الصحة العامة، وبفجوة مصداقيةب جديدة، وهى بحد ذاتها أزمة خطيرة. فيما أشار مذيع شبكة فوكس نيوز اتاكر كارلسونب إلى أن رسائل بريد فاوتشي، تثبت أن الطبيب كذب وضلّل العالم تحت القسم عدة مرات. وفى أحد الأمثلة، استشهد كارلسون برسالة عن تعاون فاوتشى مع معهد ووهان فى أبحاث ااكتساب الوظيفةب، التى لا تتماشى مع إنكاره العلنى لها أمام مجلس الشيوخ.

ويوضح كينيدى أن الحدث كان فى طور الإعداد لفترة طويلة من قبل نخبة عالمية تتكون من فاعلى الخير مثل جيتس ومؤسسة روكفلر وWellcome Trust ومنظمات مثل المنتدى الاقتصادى العالمى وشركات التكنولوجيا وفاوتشى ومنظمة الصحة العالمية وCDC، وFDA وشركات الأدوية وجماعات الضغط، والمنظمات التى تم إنشاؤها لغرض تركيز السلطة والنهوض بحكم النخب العالمية وحمايتها باستخدام الخوف لتهيئة الجماهير للسيطرة عليها. من الواضح أنه ليس البحث العلمى الذى أجبر فاوتشى على تصريحاته المتناقضة طيلة فترة الوباء، ولا ينبغى أن تكون قراراته محصنة ضد النقد أو تستند على كون الفيروس امستجدب لأنه من المفترض أنه ايمثل العلمب.