تماثيل من النفايات وشـِعر بدون كلمات .. كيف تحول «القـبـح» فـنـاً ؟!

فنا‭ ‬قبيحا
فنا‭ ‬قبيحا

رشيد‭ ‬غمرى

يرتبط‭ ‬الفن‭ ‬عادة‭ ‬بالجمال،‭ ‬كحالة‭ ‬من‭ ‬الانسجام،‭ ‬والتناغم،‭ ‬تثير‭ ‬فينا‭ ‬البهجة‭ ‬والسرور،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬لآخر‭ ‬يصدمنا‭ ‬أحد‭ ‬الفنانين‭ ‬بأعمال‭ ‬تشعرنا‭ ‬بالنفور،‭ ‬وبقليل‭ ‬من‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬الفنون،‭ ‬سنجد‭ ‬مدارس‭ ‬فنية‭ ‬كاملة‭ ‬اعتمدت‭ ‬البشاعة،‭ ‬والصدمة‭ ‬النفسية‭ ‬أسلوبا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭ ‬والسخط،‭ ‬لكن‭ ‬ظهور‭ ‬القبح‭ ‬فى‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬أقدم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التقاليع‭ ‬المنسوبة‭ ‬للحداثة،‭ ‬ومن‭ ‬المثير‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬اعتبر‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬فنا‭ ‬قبيحا،‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬الآن‭ ‬كطفرات‭ ‬إبداعية‭ ‬أدت‭ ‬لتطور‭ ‬الذائقة،‭ ‬ومقاييس‭ ‬علم‭ ‬الجمال‭.‬

أشهر‭ ‬من‭ ‬ارتبطوا‭ ‬بالقبح‭ ‬فى‭ ‬الفن‭ ‬هم‭ "‬الدادائيون‭".. ‬نشأت‭ ‬حركتهم‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬ضد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬وأعلنوا‭ ‬رفضهم‭ ‬لكل‭ ‬القيم‭ ‬الجمالية‭ ‬والفنية‭ ‬السابقة،‭ ‬لأنها‭ ‬فى‭ ‬نظرهم‭ ‬نتاج‭ ‬ذوق‭ ‬مجتمع‭ ‬برجوازي،‭ ‬تسبب‭ ‬فى‭ ‬الحرب‭.. ‬تأسست‭ ‬الحركة‭ ‬فى‭ ‬ملهى‭ "‬فولتير‭" ‬فى‭ ‬زيوريخ،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬انتشرت‭ ‬فى‭ ‬دول‭ ‬أوروبا،‭ ‬وعبرت‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭.. ‬أحد‭ ‬مؤسسيها‭ ‬وهو‭ ‬الشاعر‭ "‬هوجو‭ ‬بال‭"‬،‭ ‬كان‭ ‬يلقى‭ ‬قصائد‭ ‬بكلمات‭ ‬غير‭ ‬مفهومة،‭ ‬ولا‭ ‬تنتمى‭ ‬لأى‭ ‬لغة،‭ ‬وأراد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬السخرية‭ ‬مما‭ ‬اعتبره‭ ‬لغوا‭ ‬سياسيا،‭ ‬وخطابات‭ ‬فارغة،‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬للتفاهم‭ ‬الإنساني،‭ ‬بل‭ ‬للدمار‭. ‬أما‭ ‬الفنان‭ ‬الفرنسى‭ "‬مارسيل‭ ‬دوشام‭"‬،‭ ‬فقام‭ ‬بالتوقيع‭ ‬على‭ ‬مبولة،‭ ‬كعمل‭ ‬فني،‭ ‬وأطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬الينبوع‭. ‬ورفعت‭ ‬الحركة‭ ‬شعاراتها‭ ‬دون‭ ‬مواربة‭: "‬لا‭ ‬للفن‭". ‬و‭"‬محاربة‭ ‬الفن‭ ‬بالفن‭"‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬فن‭ ‬نقيض،‭ ‬يخالف‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬علم‭ ‬الجمال،‭ ‬وقد‭ ‬أنتجوا‭ ‬أعمالا‭ ‬بصرية،‭ ‬وموسيقية،‭ ‬ومسرحية،‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬القبح‭ ‬الصوتي،‭ ‬والموسيقي،‭ ‬والأدائي،‭ ‬بشكل‭ ‬مثل‭ ‬صدمة‭. ‬لاحقتهم‭ ‬النازية،‭ ‬ضمن‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬التيارات‭ ‬الحداثية،‭ ‬وقتلت‭ ‬الكثير‭ ‬منهم،‭ ‬وبعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬استقر‭ ‬أغلب‭ ‬الناجين‭ ‬منهم‭ ‬فى‭ ‬أمريكا،‭ ‬وتشعبت‭ ‬الحركة‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬اتجاهات،‭ ‬أما‭ ‬ملهى‭ "‬فولتير‭" ‬الذى‭ ‬شهد‭ ‬ميلادهم،‭ ‬فتحول‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭.‬

ورغم‭ ‬تعمدهم‭ ‬إظهار‭ ‬القبح،‭ ‬واعتمادهم‭ ‬على‭ ‬النفايات،‭ ‬والحطام،‭ ‬والحديد‭ ‬الخردة،‭ ‬كخامات،‭ ‬لم‭ ‬يتصور‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬تقترن‭ ‬بالفن،‭ ‬فقد‭ ‬مثلوا‭ ‬فتحا‭ ‬جديدا،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬الذائقة‭. ‬فبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬موجة‭ ‬الغضب،‭ ‬والهيستيريا،‭ ‬رأى‭ ‬البعض‭ ‬أنه‭ ‬بإمكان‭ ‬تلك‭ ‬المواد‭ ‬الجديدة‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬فى‭ ‬الفن،‭ ‬وصار‭ ‬من‭ ‬المقبول‭ ‬الآن‭ ‬مشاهدة‭ ‬أعمال‭ ‬من‭ ‬الحديد‭ ‬الصدئ،‭ ‬وإعادة‭ ‬تدوير‭ ‬بعض‭ ‬النفايات‭ ‬المعدنية‭ ‬وغيرها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تثير‭ ‬الشعور‭ ‬بالنفور‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬تثير‭ ‬الخيال‭ ‬بتناقضها،‭ ‬وبقدرة‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬المدهش،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬الأعمال‭ ‬النحتية‭ ‬للفنان‭ ‬المصرى‭ ‬الراحل‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬الكريم،‭ ‬العميد‭ ‬الأسبق‭ ‬لكلية‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة،‭ ‬وقد‭ ‬تبعه‭ ‬الكثيرون‭ ‬هنا،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬عدة‭ ‬فعاليات‭ ‬حاليا‭ ‬لفن‭ ‬النحت‭ ‬بالحديد‭ ‬الخردة‭.‬

وبخلاف‭ ‬الدادية،‭ ‬نجد‭ ‬الفنان‭ ‬البولندى‭ ‬المعاصر‭ "‬جيزلاف‭ ‬بيكشينسكي‭"‬،‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬القبح‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬أكثر‭ ‬رصانة‭. ‬كان‭ ‬رساما،‭ ‬ومصورا،‭ ‬ونحاتا‭ ‬راعته‭ ‬فكرة‭ ‬التدهور،‭ ‬وبشاعة‭ ‬المصير‭ ‬الإنساني،‭ ‬فعبر‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬بأعمال‭ ‬صادمة،‭ ‬تشبه‭ ‬الكوابيس،‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بسيريالية‭ ‬الواقع‭ ‬المرير‭ ‬أو‭ "‬الديستوبيا‭". ‬وهو‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الدادئيين،‭ ‬كان‭ ‬يرسم‭ ‬بأسلوب‭ ‬الباروك،‭ ‬مجسدا‭ ‬أفكارا‭ ‬ومشاعر‭ ‬مروعة‭. ‬وقد‭ ‬استلهمت‭ ‬بعض‭ ‬الفرق‭ ‬الموسيقية‭ ‬أعماله،‭ ‬خصوصا‭ ‬فنانى‭ "‬الميتال‭"‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬بعض‭ ‬السينمائيين‭ ‬فى‭ ‬أفلام‭ ‬الرعب‭.‬

تاريخ‭ ‬القبح

لكن‭ ‬هاجس‭ ‬القبح‭ ‬فى‭ ‬الفن،‭ ‬ظهر‭ ‬قبل‭ ‬موجات‭ ‬الحداثة‭ ‬بكثير‭. ‬ففى‭ ‬كتاب‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1835‭ ‬شرح‭ "‬روزنكرانز‭" ‬الأمر‭ ‬مفرقا‭ ‬بين‭ ‬القبح،‭ ‬وتصويره‭ ‬فنيا‭. ‬وضرب‭ ‬مثالا‭ ‬بمشهد‭ ‬صلب‭ ‬المسيح‭. ‬فالمشهد‭ ‬قبيح‭ ‬فى‭ ‬الأصل،‭ ‬لكنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جميلا‭ ‬عند‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬فن‭. ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬مفهوم‭ ‬القبح‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصله‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬الجمال،‭ ‬لأنه‭ ‬لابديل‭ ‬عنه‭ ‬لإحداث‭ ‬هزة‭ ‬شعورية‭ ‬عند‭ ‬المتلقي‭. ‬وأبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬زمنا‭ ‬نجد‭ ‬لوحة‭ "‬الدوقة‭ ‬القبيحة‭"‬،‭ ‬للفنان‭ "‬كوينتين‭ ‬ماتسيس‭"‬،‭ ‬التى‭ ‬رسمها‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭. ‬وهى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬تجليات‭ ‬القبح‭ ‬فى‭ ‬الفن‭. ‬وتصور‭ ‬الدوقة‭ ‬الذابلة‭ ‬المجعدة،‭ ‬بوجه‭ ‬ذكوري‭. ‬حيث‭ ‬يصيب‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬المخالف‭ ‬للطبيعة‭ ‬المتلقى‭ ‬بالاشمئزاز،‭ ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬أراده‭ ‬الفنان‭. ‬

فى‭ ‬رواية‭ "‬أحدب‭ ‬نوتردام‭" ‬لفيكتور‭ ‬هوجو،‭ ‬يقدم‭ ‬الكاتب‭ ‬الدمامة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المسخ‭ ‬المشوه‭ "‬كوازيمودو‭" ‬الذى‭ ‬يقع‭ ‬فى‭ ‬حب‭ ‬الفتاة‭ ‬الجميلة،‭ ‬ويريد‭ ‬أن‭ ‬يضحى‭ ‬بحياته‭ ‬لأجلها‭. ‬وهنا‭ ‬نرى‭ ‬القبح‭ ‬كموضوع‭ ‬لفن‭ ‬جميل‭.‬،‭ ‬وقد‭ ‬لعبت‭ ‬الروائية‭ "‬أميلى‭ ‬نوثومب‭" ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬نفسها‭ ‬فى‭ ‬روايتها‭ "‬اغتيال‭" ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف،‭ ‬فالمسخ‭ ‬الأحدب‭ ‬فى‭ ‬روايتها،‭ ‬يقع‭ ‬فى‭ ‬حب‭ ‬النجمة‭ ‬السينمائية‭ ‬الجميلة،‭ ‬والتى‭ ‬تتخذه‭ ‬صديقا،‭ ‬لتعاطفها‭ ‬معه،‭ ‬لكنه‭ ‬يتجرأ،‭ ‬ويعرض‭ ‬عليها‭ ‬حبه‭ ‬فى‭ ‬رسالة،‭ ‬يطالبها‭ ‬فيها‭ ‬بأن‭ ‬ترى‭ ‬جماله‭ ‬الداخلي،‭ ‬وهنا‭ ‬ترد‭ ‬عليه‭ ‬مطالبة‭ ‬إياه‭ ‬بأن‭ ‬يبحث‭ ‬هو‭ ‬عن‭ ‬الجمال‭ ‬الداخلى‭ ‬لفتاة‭ ‬قبيحة‭ ‬مثله،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستثير‭ ‬قبحه‭ ‬الداخلي،‭ ‬فيقوم‭ ‬بقتلها‭. ‬

وفى‭ ‬قصة‭ "‬القبيحة‭" ‬لـ‭"‬إميل‭ ‬زولا‭"‬،‭ ‬يكتشف‭ ‬البطل‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬متوسطة‭ ‬الجمال‭ ‬تبدو‭ ‬جميلة‭ ‬جدا‭ ‬إذا‭ ‬ظهرت‭ ‬بصحبة‭ ‬امرأة‭ ‬قبيحة‭. ‬ولهذا‭ ‬يقرر‭ ‬العمل‭ ‬فى‭ ‬مهنة‭ ‬غريبة،‭ ‬وهى‭ ‬تأجير‭ ‬النساء‭ ‬القبيحات‭ ‬للنساء‭ ‬متوسطات‭ ‬الجمال،‭ ‬ليجدن‭ ‬معجبين‭. ‬وهكذا‭ ‬أوجد‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬لنساء،‭ ‬كل‭ ‬مقوماتهن،‭ ‬هى‭ ‬الدمامة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يلقى‭ ‬بالتساؤلات‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬الجمال،‭ ‬ونسبيته،‭ ‬واعتماده‭ ‬على‭ ‬مقارنته‭ ‬بشيء‭ ‬خارجه‭. ‬

الاحتفاء‭ ‬بالرداءة

لكن‭ ‬القبح‭ ‬داخل‭ ‬عمل‭ ‬فنى‭ ‬متقن،‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬القبح‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬رداءة‭ ‬العمل،‭ ‬فبعض‭ ‬الفنانين‭ ‬يخفقون،‭ ‬وينتجون‭ ‬أعمالا‭ ‬دون‭ ‬المستوى،‭ ‬والغريب‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬وجد‭ ‬الاهتمام،‭ ‬حيث‭ ‬أقيم‭ ‬متحف‭ ‬للفن‭ ‬القبيح،‭ ‬له‭ ‬ثلاثة‭ ‬أفرع‭ ‬فى‭ ‬ولاية‭ ‬ماساتشوتس‭ ‬الأمريكية‭. ‬وفى‭ ‬بريطانيا‭ ‬توجد‭ ‬جائزة‭ ‬باسم‭ "‬الدمامل‭ ‬الملتهبة‭"‬،‭ ‬وتمنح‭ ‬لأسوأ‭ ‬التصميمات‭ ‬المعمارية‭ ‬فى‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهى‭ ‬بالطبع‭ ‬جائزة‭ ‬تهكمية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬ينظر‭ ‬لها‭ ‬كأعمال‭ ‬رديئة‭ ‬وفقا‭ ‬للذائقة‭ ‬السائدة،‭ ‬قد‭ ‬يكتشف‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬سابقة‭ ‬لعصرها،‭ ‬وأنها‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬جماليات‭ ‬أخرى،‭ ‬ولوحات‭ "‬فان‭ ‬جوخ‭" ‬أكبر‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.  ‬

وعلى‭ ‬ذكر‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬الرديئة،‭ ‬فقد‭ ‬مثل‭ ‬العرض‭ ‬الأول‭ ‬لأوبرا‭ "‬تانهاوزر‭" ‬لـ‭"‬ريتشارد‭ ‬فاجنر‭" ‬فضيحة‭ ‬مدوية،‭ ‬واعتبره‭ ‬الكثيرون‭ ‬عملا‭ ‬قبيحا‭ ‬ومشوها،‭ ‬لأنه‭ ‬خرج‭ ‬عن‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬رصانة‭ ‬الأعمال‭ ‬الأوبرالية،‭ ‬وكان‭ ‬صادما‭ ‬للذوق‭ ‬السائد‭ ‬وقتها‭. ‬ولكن‭ ‬تغير‭ ‬الأمر‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬إذ‭ ‬أوجد‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ذائقة‭ ‬جديدة‭ ‬تحتفى‭ ‬به‭. ‬وهى‭ ‬قصة‭ ‬مكررة،‭ ‬حدثت‭ ‬مع‭ ‬معظم‭ ‬المجددين‭ ‬فى‭ ‬الفن‭. ‬

موسيقى‭ "‬الهيفى‭ ‬ميتال‭"‬،‭ ‬و‭"‬الميتال‭ ‬الأسود‭" ‬من‭ ‬الألوان‭ ‬الفنية‭ ‬التى‭ ‬تتعمد‭ ‬إظهار‭ ‬القبح،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬اختيار‭ ‬الكلمات،‭ ‬أو‭ ‬الموسيقى‭ ‬الصاخبة،‭ ‬وحتى‭ ‬الأداء‭ ‬الذى‭ ‬يشبه‭ ‬الصراخ‭. ‬ورغم‭ ‬هوس‭ ‬ملايين‭ ‬الشباب‭ ‬بها،‭ ‬لتحررها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬استخدمت‭ ‬أيضا‭ ‬للتعذيب‭ ‬فى‭ ‬معتقل‭ "‬جوانتانامو‭". ‬والطريف‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬تسرب‭ ‬الخبر،‭ ‬طالبت‭ ‬عدة‭ ‬فرق‭ ‬بالتعويض‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬أغنياتها،‭ ‬داخل‭ ‬المعتقل،‭ ‬ومنها‭ ‬فرق‭  "‬ميتاليكا‭"‬،‭ ‬و‭"‬أف‭ ‬إى‭ ‬إم‭"‬،‭ ‬و‭"‬سكينى‭ ‬بابي‭"‬

امتزاج

فى‭ ‬كتابه‭ "‬ثلاث‭ ‬محاضرات‭ ‬فى‭ ‬علم‭ ‬الجمال‭" ‬يقول‭ "‬بوزانكيت‭" ‬إن‭ ‬القبح‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬الفنى‭ ‬يعود‭ ‬للمتلقي،‭ ‬والذى‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬ذائقته‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مكامن‭ ‬الجمال‭ ‬تحت‭ ‬القبح‭ ‬الظاهر‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬القبح‭ ‬يعنى‭ ‬انعدام‭ ‬القيمة‭ "‬الجمالية‭"‬،‭ ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬غير‭ ‬موجود‭. ‬ويرى‭ "‬ولتر‭ ‬ستيس‭" ‬فى‭ ‬كتابه‭ "‬معنى‭ ‬الجمال‭" ‬أن‭ ‬القبح‭ ‬ليس‭ ‬مضادا‭ ‬للجمال،‭ ‬ولكنه‭ ‬يخلق‭ ‬شعورا‭ ‬موازيا‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الجمال‭ ‬يحقق‭ ‬المتعة‭ "‬الاستطيقية‭"‬،‭ ‬فإن‭ ‬القبح‭ ‬يحقق‭ ‬الألم‭ "‬الاستطيقي‭" ‬والاستياء‭ ‬الجمالي،‭ ‬وهو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬آلية‭ ‬التطهير‭ ‬فى‭ ‬التراجيديا‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭. ‬ويرى‭ "‬ستيفن‭ ‬بايلي‭" ‬أنه‭ ‬بدون‭ ‬القبح،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬وجود‭ ‬الجمال‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬معنى‭ ‬الجمال،‭ ‬يحير‭ ‬الفلاسفة،‭ ‬والفنانين‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬فإن‭ ‬القبح‭ ‬يزيد‭ ‬الأمر‭ ‬التباسا،‭ ‬خصوصا‭ ‬عند‭ ‬اقترانه‭ ‬بعمل‭ ‬فنى‭ ‬جميل‭. ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬بعض‭ ‬أعمال‭ ‬الرسام‭ ‬الأسبانى‭ "‬فرانشيسكو‭ ‬جويا‭" ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الجمال،‭ ‬والقبح،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنهار‭ ‬داخل‭ ‬العمل‭ ‬الفنى‭ ‬نفسه‭.‬