وفاة الحاجة فهيمة أكبر معمرة بالشرقية والشاهدة على ثورات مصر

الحاجة فهيمة
الحاجة فهيمة

إسلام عبدالخالق

سيدة ريفية بسيطة ملامحها من ملامح وروح الأرض الطيبة وحضارتها الخالدة التي تعود لآلاف السنين، عاشت منها الراحلة 109 سنواتٍ شاهدة على ثورات مصر وتاريخها الملكي وميلاد الجمهورية الجديدة، لكن اسمها خرج إلى سطح الأحداث وتصدرها بجدارة بعدما جسدت أروع أمثلة الفداء والتضحية بتبرعها بكل ما تملك من مال لأجل صندوق تحيا مصر، لتكون شريكةً كالملايين غيرها في بناء الجمهورية الجديدة التي يثقون فيها، ويستقبلها الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ويُقبل رأسها واصفًا إياها بـ سيدة مصر الأولى.

 

وسط قرية بسيطة تُعرف بـ سنجها التابعة لدائرة مركز ومدينة كفر صقر بمحافظة الشرقية، غيبَّ الموت الحاجة فهيمة علي السيد، أكبر مُعمرة بمحافظة الشرقية، والتي رحلت عن عالمنا عن عمر ناهز مائة وتسع سنواتٍ، عاشتها المرأة البسيطة الطيبة في كفاح ومثابرة لا ينضب معينها، حتى كلل الله كفاحها بتأسيس أسرة بات قوامها كبير ولها فيهم 52 حفيدًا، ورثَّتهُم الجدة تعاليم مصر وحب ترابها، وبرهنت على ذلك قبل نحو ثلاث سنواتٍ من الرحيل حين تبرعت بـ 30 ألف جنيه، هي كل ما كانت تملكه من مال آنذاك لصالح صندوق تحيا مصر، والتقت الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي استقبلها بحفاوةٍ بالغة وقبلَّ رأسها وأخبرها أنها سيدة مصر الأولى وأن ما فعلته كبيرا جدًا عند مصر وشعبها.

مصر أولا وأخيرا

تاريخ الحاجة فهيمة كبير ويضم بين جنباته مشاهد كانت السيدة فيها حاضر على لحظاتٍ فارقة في تاريخ مصر الحديث برُمته، وقبله الملكية وقصورها؛ إذ ولدت الراحلة صبيحة يوم الأربعاء 19 نوفمبر عام 1913، وما أن عرفت سن النضج حتى تزوجت صغيرة من زوجها الراحل الحاج عمر؛ الذي كان ناظرًا لـ«وسية» وزير الحقانية -وزير العدل وقتذاك- نهاية عشرينيات القرن الماضي، وأسس الزوجان أسرة بسيطة، لكن سنوات الزواج الأولى في حياة الراحلة كانت ملأى بكل ما هوَّ بسيط وجميل، فزوجها رغم بساطته إلا أنه كان مُعتادًا اصطحابها إلى حفل كوكب الشرق أم كلثوم حين يهبط الاثنان أرض المحروسة، فيما كانت الحاجة فهيمة حينها تبيع الجُبن والزبدة الفلاحي بعد جمعها من الفلاحين في قريتها والقرى المجاورة، وكانت تتكبد عناء حمل بضاعتها من قريتها بالشرقية إلى محافظة القاهرة، في رحلاتٍ تقترب وتتباعد الفترات بينها بين أيامٍ وأسابيع وفقًا لظروف الحياة.

نزول الراحلة إلى القاهرة وقتما كانت البلاد تعيش في عصر الملكية ساقها إلى الذهاب إلى قصر الملك فاروق، بل وأكلت هناك حسبما سبق وأكدت في أحاديث سبقت وفاتها، وبعد الملك فاروق كانت على موعد مع لقاء ملكي من طابع آخر حين كانت بين أهالي قرية المؤانسة القريبة من قريتها بمركز كفر صقر وقت زيارة الرئيس السادات للبلدة لأجل تقديم واجب العزاء في لطفي واكد، أحد الضباط الأحرار، وخرج الأهالي لمقابلته وكانت بينهم فهيمة علي السيد وصافحت الرئيس الراحل آنذاك.

مرت الأيام وزادت عصامية السيدة وبنائها نفسها بنفسها في كفاحٍ ومثابرة في تجارتها التي عرفتها منذ سنوات شبابها في جمع وبيع الجُبن والزبدة الفلاحي، ومرت الأيام على ذاك المنوال سنواتٍ بعد سنوات، وكبرت السيدة وصارت جدة ومضى قطار العمر إلى أن وصل محطته السادسة بعد المئة في سنوات الحياة، حينها تبرعت الحاجة فهيمة بـ 30 ألف جنيه هي كل ما جمعته من تجارتها وسنوات عملها، تبرعت بها جميعها لصالح صندوق تحيا مصر، وقالت وقتذاك؛ إنها كانت قد ادخرت تلك الأموال لأجل مراسم شراء كفن لها ودفنها وإقامة سُرادق عزاء حين يتوفها الله، لكنها مصر، والبلد أولى بكل ما تملك، وتمنت وقتذاك مقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية.

مقابلة الرئيس

بضع اسابيع فصلت بين إعلان الحاجة فهيمة تبرعها بمالها لصالح صندوق تحيا مصر وبين لقائها الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ظهر يوم السبت 30 مارس عام 2019، حين حقق الرئيس أمنيتها والتقاها في احتفالية تكريم الأمهات المثاليات على مستوى الجمهورية، واستقبلها بحفاوة وقبَّل رأسها، فيما خرجت الحاجة فهيمة علي السيد، بعد اللقاء، لتؤكد سعادتها بما لاقته من الرئيس وكيف أنه قَبلَ يديها ودعى لها قائلًا: «تسلمي يا سيدة مصر الأولى.. أنتي أمي».

ومساء الخميس الماضي، أدت الحاجة فهيمة علي السيد، صلاة العشاء وجلست تُحدث نجلها الحاج محمود عمر، الذي أكد لـ«أخبار الحوادث» على أن والدته أخذت تدعو له ولجميع أولادها وأحفادها كما اعتادت دومًا، وفي ختام حديثها قالت الحمد لله، قبل أن يُضيف: «قالت الحمد لله، قولت لها تشربي يا أما قالت لأ»، وصعدت روحها إلى بارئها.

وأوضح نجل الراحلة أن والدته كان نموذج وطني يدعو للفخر، تركت لهم ميراثًا كبيرًا من حب الناس وحب الوطن، وأنها دومًا ما كانت توصيهم بالمعاملة الطيب لجميع خلق الله وأن يُحسنوا حياتهم ومعيشتهم بالعمل والكد والاجتهاد.

يلتقط جمعة، حفيد الراحلة، أطراف الحديث ليكشف لـ«أخبار الحوادث» وصيتها الأخيرة قبل وفاتها، منوهًا بأن جدته كانت وطنية من طراز فريد وأن حب الوطن كان يسري في عروقها مجرى الدم، وكانت تحرص دومًا على الصلاة في أوقاتها، وتفتخر بعبادة الله دومًا بقولها: «أنا بنام وأعيش علشان أصلي»، وكان لديها 52 حفيدًا تعرفهم بالاسم وتتابع أحوالهم وتهتم بشؤونهم، فيما كانت شاهدة على تاريخ مصر وعاصرت الثورات والحروب ولحظات الهزيمة والنصر.

وأشار حفيد الحاجة فهيمة، إلى أن جدته لاقت احتفاءً وتكريمًا كبيرا من مؤسسة رئاسة الجمهورية في حياتها وحين مماتها؛ إذ استقبلها الرئيس عبدالفتاح السيسي، بحفاوة وقبل رأسها قبل نحو ثلاث سنوات، وحين توفيت تلقت الأسرة اتصالًا هاتفيًا من مكتب رئاسة الجمهورية يُبلغونهم فيه تعازي الرئيس عبدالفتاح السيسي، قبل أن يشير الحفيد إلى أن الراحلة أوصت بحب البلد ودعم الرئيس السيسي: «كانت دايمًا تقول لنا حافظوا على البلد وتراب البلد وخلوا بالكم من الرئيس السيسي».

ونعى صندوق «تحيا مصر»، السيدة فهيمة إبراهيم أكبر معمرة في مصر التي وافتها المنية، وقال الصندوق في بيان له: «رحم الله الحاجة فهيمة التي ضربت أروع أمثلة العطاء وبادرت بالتبرع بمدخراتها لصالح صندوق تحيا مصر.. وسيظل الصندوق يثمّن هذه المشاركة التي دعمت بها الفقيدة مبادىء التكافل والتراحم بين أبناء الوطن».