ذم كثرة المدح

د. نور على محمود
د. نور على محمود

د. نور على محمود

الإنسان السوى يحب المدح وتستهويه عبارات الثناء والتمجيد، ويحرص جاهداً على حسن الذكر، والذكر الحسن لا يمكن الحصول عليه إلا بمقابل، فعل الخير والبعد عن النقائص وتأدية الحقوق وعمل كل ما يعود على المرء بالثناء والسمعة الطيبة، وقد قيل: الذكر الحسن عطر الأعمال الحسنة، والشكر نسيم النعم والتطلع إلى الثناء والرغبة فى المدح من الأمور التى جُبل عليها الإنسان واستحكم عليها طبعه.

ودائماً تتوق إليها نفسه، ولكن لا بد من دفع الثمن جهداً مبرورًا وعملاً مأجورًا، وللثناء مواطن يستحسن فيها وحالات ومواقف تدعو إليه، لما يترتب على ذلك من مصلحة عامة كما هو الحال بالنسبة للثناء على رموز الدولة، وذكر إنجازاتهم سواءً عبر وسائل الإعلام أو عن طريق الخطب المنبرية، حيث يندرج ذلك فى إطار المدح فى حالته الصحيحة وطبيعته المريحة، بوصف هذا المدح ضرباً من شكر النعمة والاعتراف بالفضل لأهله.

علاوة على أنه قد يكون ثمة رابط بين هذا المدح وبين تمجيد الوطن وصدق الانتماء إليه والولاء له، وفى هذا الزمن الذى فقد فيه المدح شيئاً من مصداقيته وتشوهت صورته وتحولت بعض حالاته غير المألوفة إلى ظاهرة يمارسها الكثير، إما طلباً للشهرة أو طلباً للثروة، أو التملق لنيل مآربه من المناصب وغيرها، حيث جعل البعض المدح هدفاً، بدلاً من أن يكون نتيجة إلى درجة ينفر منها طبع أصحاب المروءة ويزيد استياؤهم مما يحدث على مسرح الحياة الاجتماعية، بحيث نحا المدح منحىً مغايراً لمعايير استحقاقه وأصبح الممدوح يتملق مادحه حتى بلغ ذلك حداً انعكس فيه المفهوم واختل التوازن.

ومدح غير الممدوح وإحلاله فى محل لا يستحقه يدور ذلك فى فلك الحالات التى يتحول فيها المدح قدحاً، حيث إن الذى يتجاوز حده ينقلب إلى ضده، وعَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: (وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ) مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ: (مَنْ كَانَ مِنْكُم مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسَبُ فُلَانًا- وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّى عَلَى اللهِ أَحَدًا- أَحْسَبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ).