رفعت الجلسة| هاربة من «العدالة»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

أصدر القاضى حكمه برفض دعواها وأحقية الأب فى حضانة أبنائه ، انصرف الجميع من القاعة إلا هى ، وقفت متحجرة لاتتحرك ، حتى الدموع أبت أن تسقط من عينيها بل كانت تتلاعب وتتراقص وكأنها هى كذلك تعلن انتصارها عليها .. لم تصدق أن حياتها كأم انتهت عند حكم المحكمة .. 12 عاما من الأمومة ذهبت سدى .. محتها كلمات أطلقها قاضى وفق قانون رأت ان واضعوه غابت عن قلوبهم الرحمة، وأن من يتولون المسئولية الآن عليهم الإسراع بتغييره .. لم تتخيل الزوجة نهاية أسوأ من ذلك، كانت دائما هى الأم والأب والأخ والسند لأولادها، ولم يكن ذلك الزوج سوى موظف يذهب نهارا الى عمله، وليلا يبحث عن راحته وإشباع رغباته .. والتلفاز لقضاء ما تبقى من وقته، متجاهلا مشاعر واحتياجات من حوله.

كان ذلك البيت الذى يقبع فى عقار شاهق على ناصية معروفة بأرقى أحياء مدينة نصر يشهد نقاشًا حادًا بين زوج وزوجته، تفاصيل مرعبة من التشكيك والخيانة المتبادلة بينهما، أثارت انتباه الجيران وحزن الأبناء، لكن فى النهاية لم يثبت أحدهما التهمة على الآخر.
أصبحت حياة الزوجين «جافة« انسحبت من علاقتهما المودة والرحمة، وسكنت العداوة قلوبهما، فأصبح كل شخص ينظر إلى الآخر على أنه غريب ويجب أن يتخلص منه، ليفوز بحضانة الأولاد.

نجح الزوج على مدار سنوات من الشد والجذب مع زوجته، فى إضعافها، وإخراجها عن شعورها، مارس رجولته على أولاده، فجعلهما يعتزلانها، بل ويتمنان أن تغادر المنزل وألا تعود مرة أخرى .. بسبب عصبيتها الزائدة وبكائها وحزنها الدائم من تصرفاته.
كان ذلك الزوج صاحب الخمسين عاما يعمل موظفًا بالمطار، أما الزوجة ذات الأربعين عاما فكانت محامية تعمل فى أحد المراكز الحقوقية التى تدافع عن حقوق العمال، حيث رفضت أن تمارس المحاماة بكل فروعها، وركزت فقط على جزء منها يختص بكتابة المذكرات القانونية من المنزل ، حتى تستطيع أن تعطى اسرتها كل وقتها وفق اتفاقها مع زوجها.

مرت السنوات الأولى من الزواج بهدوء، كل شخص يحاول أن يتجنب الآخر، فالزوج من العمل إلى البيت، والزوجة متفرغة لأبنائها الصغار ، تعطيهم كل وقتها ، ولكن مع مرور السنوات، ساءت العلاقة بينهما، اشتكت الزوجة من جفاء الزوج، ألقى عليها المسئولية كاملة، تركها تعانى متحججا بأنها لا تشتكى وأن الأمور تسير على ما يرام.

اقرأ أيضاً | القاهرة تتلقى 149 طلب تعويض من سكان الحي السادس بمدينة نصر تمهيدا

لكن مع بلوغ سن الأطفال ما بين العاشرة والثامنة، لم تستطع الأم تحمل المسئولية وحدها، طلبت من الزوج أن يشاركها التربية، لكنه كان يتجاهلها متعمدا، فقد وجد من تسعده فى الخارج، لقد تعرف عبر مواقع التواصل الاجتماعى على «سيدة مغربية« وبدأ معها الحديث بل واتفقا على الزواج عندما تحين له الفرصة للسفر الى بلادها.

لم تعلم الزوجة بما يفعله زوجها، هو دائما يتحجج بالعمل، لكن جفاءه زاد، فقد أصبحت فى نظره امرأة المطبخ والمذاكرة، وأن حياتها «البيتوتية« لم تعد تجذبه، فدائما ماكان يردد لها هذه الكلمات قاصدا اهانتها
«أريد زوجة تفهم عقلى وتشبع رغبتى، وليس امرأة تبحث عن المشاكل وتعشق الأنا»

مرت الأشهر والجفاء يزداد، لم تعد تتحمل الزوجة هذا الأمر تحدثت مع صديق لها بحكم عملها سابقا فى أحد المراكز الحقوقية التى تدافع عن العمال، قصت له مأساتها، فقد كانت تبحث عمن يسمعها لا من يتجاهلها.
حاولت كثيرا إدخال والداها فى مشاكلها، لكنها تراجعت سريعا، فهى تعلم انهما بلغا من العمر
أرذله، وليسا فى حاجة الى الدخول بأزمات، فهما يبحثان عن الراحة.

كثر حديث الزوجة مع صديقها عبر الهاتف، كان ابنها الأكبر يسمع حديثهما جيدا ، فلم تكن تتحدث أكثر من سرد مشاكلها له وطلب المشورة، لكن ذلك الابن اخبر والده بما حدث.
لم يتعجب الاب ولم يثور بعدما علم بحديث زوجته مع صديقها، بل وجد أخيرا السلاح الذى يستطيع أن يتخلص من زوجته ويفوز بحضانة ابنائه، استغل ذلك الزوج ذهاب زوجته الى والدها، قام بوضع كاميرات بالمطبخ وحجرة النوم دون أن تدرك الزوجة انها مراقبة داخل منزلها، بعدها طلب من ابنه ان ينقل له كل المحادثات التى تقوم بها والدته مع صديقها عبر الواتساب أولا بأول، حيث استغل الابن انشغال امه وكان يأخذ «نسخة« من كل المحادثات التى دارت بينها وبين صديقها، ويرسلها الى هاتف والده.

لم يجد الزوج فى هذه المحادثات ما يدين زوجته، هناك فقط بعض الكلمات التى تحمل شكاوى منه، وغضب زوجته من تركها تتحمل المسئولية بمفردها، لكن التقطت الكاميرا محادثة غريبة «كشفت الزوجة لصديقها انها ستطلب الطلاق وستذهب بأولادها بعيدا عن هذا الزوج، ليرد عليها صديقها« وهل من الممكن ان تتزوج مرة اخرى؟ ..لتجيب الزوجة »أكيد لقد تعذبت كثيرا مع هذا الزوج.
كعادته لم يثور الزوج، بل استمر فى تنفيذ مخططه، حتى جهز مستنداته، بعدها ذهب الى النيابة متهما زوجته بأنها تخونه مع صديقها عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

قدم الزوج صور لزوجته بملابس النوم، ونسخ من المحادثات المتبادلة مع صديقها، وزعم أنها أرسلتها إليه، وأنه لا يعرف ماحدث بينهما، ليتهم محاميه، الزوجة بالزنا الصوتى عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

كانت أدلة الزوج ضعيفة، فليس هناك مايدين الزوجة، سوى بعض الصور والمحادثات التى قد تشكل اتهامًا ولكنها لا ترقى الى دليل ادانة
لجأ الزوج الى استخدام أدلة الثبوت لديه، أخبر القاضى أن هناك شاهدًا على الخيانة الصوتية والصور الجنسية المتبادلة بين الزوجة وصديقها، استغرب القاضى وسأله من هذا الشاهد؟، ليكشف الزوج ان ابنه الأكبر هو من أخبره بتفاصيل الخيانة وهو من سارع الى إرسال كل الصور والمحادثات الجنسية بين زوجته وصديقها.

حقق الزوج ما أراد، حضر الابن واقسم بالشهادة أمام القاضى، واخبره ان والدته كانت تتحدث مع صديقها فى الوقت الذى يغيب فيه والده عن المنزل، وأنها كانت تصور نفسها بملابس المنزل وترسلها له.

سرد الابن ما أخبره به والده ان يقول دون ان يعبأ ان الجسد الذى يتحدث عنه هو من حمله 9 أشهر وانه بهذه الشهادة كتب وفاة امه وطعن زورا فى شرفها.
شعرت الأم بذهول، لم تستطع النطق، اكتفت فقط بالحسبنة ليصدر القاضى حكمه بإدانة الزوجة وحبسها 6 أشهر، بعدها استغل الزوج الحكم ورفع دعوى حضانة وحصل على حكم نهائى بحضانته لأولاده بعد أن قدم دليل ادانة الزوجة ، وكبر سن والدتها التى لم تعد مؤهلة لحضانة أولاده.
حاولت الأم إثبات براءتها أمام أطفالها، طعنت على الأحكام، حصلت على براءة فى دعوى الزنا بعدما أثبتت كذب رواية الابن والزوج، لكنها خسرت أخيرا حكم الحضانة الذى أصبح نهائيا لصالح الزوج ولاطعن عليه.

كاد الجنون يصيب الزوجة، 12 عاما حملت فيها مسئولية كل شىء فى اسرتها ، تركت عملها من أجلهم، تحملت جفاء الزوج، ذهبت كالسراب. وعندما أرادت أن تتنفس وتحكى مأساتها كانت الضحية.

منذ أشهر فقدت والدها الذى لم يتحمل حكم الإدانة فى الزنا، لكنه لم يعايش براءتها من هذه التهمة ، لتقرر الأم مغادرة البلاد تاركة وراءها عاما لم تتخيل انها ستفقد فيه كل احبتها.

غادرت الزوجة الى احدى الدول العربية للعمل فى أحد المكاتب القانونية بها، أرادت ان تبدأ من جديد ، فرغم بلوغها الأربعين إلا أنها أصبحت فتاة عذراء لم تتزوج بعد ولم تنجب بحكم القانون، الذى حرمها من أولادها نهائيا.

رسالة وأمل

راسلتنى الأم بعد أن سردت لى قصتها ودعمتنى بكل المستندات.. قالت «أحدثك الآن من دولة الإمارات..سأكتفى ببعض الكلمات .. رغم غربتى وهروبى، إلا أننى سعيدة .. لقد اثبت براءتى لعائلتى ولأولادى، ولن أسامح كبيرهم الذى طعننى فى عرضى. .وأقمت دعوى تعويض ضد زوجى الذى طعن فى شرفى.
حقيقة لا أريد العودة، فقد أغلق القانون أبواب الطعن أمامى، استخدمت آخر سلاح وهو الالتماس لوزير العدل ضد حكم الحضانة، لكن مرت المدة القانونية دون اجابة ، فأدركت أنه لا أمل لى.
قررت سيدى الاستقرار هنا، على امل ان يزيل الله الجفاء من قلوب أولادى ويدركون ان والدتهم مازالت على قيد الحياة.