حبر على ورق

الوصــــــم

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«إلى كل نفس قتلها الوصم والأحكام التى أطلقها الآخرون عليها أهدى لكم هذا الكتاب». بهذا الإهداء البليغ عبرت الكاتبة علياء أبو شهبة عن عمق القضية الخطيرة التى تتناولها فى كتابها الذى يحمل عنوان «الوصم». وصدر عن دار المصرى للنشر والتوزيع.
 العمل مكتوب بنفس أدبى إنسانى، رغم أن الكاتبة تقر بأنها عاشت تلك القصص كصحفية، ليست كأديبة مع عدد من المتعايشين مع فيروس الإيدز لتسجل معاناتهم مع الوصمة التى فاقت كل شيء حتى المرض نفسه.

لذلك كانت محاربة الوصم هى الدافع القوى الذى حرك «علياء» لإنجاز هذا العمل المهم. تقول الكاتبة فى المقدمة: «من خلال معايشة قصص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرى، اكتشفت أن أشد أعراض الفيروس ليست جسدية بل وصمة العار هى الأشد، كما أن انخفاض الوعى لدى مقدمى الخدمة الطبية من أطباء وصيادلة، وممرضين هو أسوأ ما يحدث».

ببساطة تحاول علياء أن تنقل لنا حصيلة عامين كاملين من العمل الصحفى الجاد، من خلال تحقيق استقصائى مهم حول معاناة هذه الفئة المنبوذة فى مصر وكيف يواجهون الحياة مع المرض والوصمة.

هذه هى الصحافة الحقيقية وهذا هو دورها الأساسى، أن تنزل لتتقصى الحقائق وتكشف الأسرار، وتشخص الأمراض الأخلاقية والثقافية التى يعانى منها المجتمع ككل، وأهمها فكرة الوصم التى تطال الكثير من الفئات وليس المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرى فحسب.   
 قصص موجعة منها قصة «سهير» التى نقل زوجها إليها المرض ولم تكن تعرف أنه مصاب به إلا قبل أيام من وفاته، وكان طلبه الأخير منها أن تسامحه، وكذلك كررت أمه وأخواته نفس الطلب منها، لذلك سامحته، ولم تخبر حتى أولادها بالحقيقة، وهى أن والدهم الراحل هو من نقل لها الفيروس. وقصة نبيل الذى تعرف على زوجته فى جلسات الدعم النفسى التى تجريها وزارة الصحة للمتعايشين مع الإيدز، وقررا الزواج بعد تأكدهما أن ذلك ممكن مع مراعاة وسائل الحماية الصحية الواجبة فى ظروفهما باستخدام الواقى أو العازل الطبى أثناء العلاقة حتى لا يتسبب الاتصال الجنسى بينهما فى زيادة الحمل الفيروسى لدى كل منهما.

حملت زوجته، وحصلت الأم على العلاج أثناء فترة الحمل، ووضعت ابنتها بعملية قيصرية حتى لا تتم العدوى عن طريق سوائل المهبل، وهذا هو المتبع فى مثل هذه الحالات، وكذلك لم ترضع الأم طفلتها رضاعة طبيعية لأن الفيروس ينتقل أيضا عن طريق لبن الأم. ورغم كل الاحتياطات ولدت الطفلة حاملة للفيروس.
 تعرض الأب لظروف قاسية جدا بسبب صرف الدواء المجانى، الذى لا يتم صرفه فى مواعيد ثابتة، كما أن الأنواع تتغير حسب المتاح، والمشكلة الأكبر فى أدوية الأطفال المصابين بالإيدز هى ندرة المتوفر، وقصر مدة صلاحيته.

تخبرنا المحققة الصحفية القديرة علياء أبو شهبة أن الوعى المعدوم عند الناس بطبيعة المرض، وكيفية حدوث العدوى هى التى تجعل حياة هؤلاء بائسة وشبه مستحيلة بسبب عزلتهم وعدم تقبلهم. لا يعرف الكثيرون أن أسباب العدوى متعددة، ولا تقتصر على ممارسة الجنس خارج علاقة الزواج، بل ينتقل الفيروس عن طريق نقل الدم بطرق غير سليمة، تعاطى المخدرات الذى يتم بتناوب أخذ المخدر بسرنجة واحدة بين أكثر من شخص، والاتصال الجنسى بين الأزواج أو غيره. العدوى لا تتم إلا عن طريق إحدى هذه الوسائل، لذلك يعيش هؤلاء فى كل بلاد العالم كأشخاص طبيعيين، يختلطون بالناس، ويعيشون حياتهم باحتياطات واجبة أهمها أن يكونوا حريصين على ألا يتعرضوا لأى عدوى نظرا لمناعتهم الضعيفة.