الجالية اليونانية وكرة القدم

الجالية اليونانية وكرة القدم
الجالية اليونانية وكرة القدم

يفاجئك الأديب المصرى اليونانى القدير ستراتيس تسيراكس، المولود فى حى عابدين، بوصفه لجزء من مباراة كرة قدم للمنتخب المصرى ضمن أحداث روايته (الخفاش)، وهى ختام ثلاثيته الخالدة (مدن جامحة).
يصف تسيركاس مشهد الجمهور المصرى المحتشد فى مدرجات ستاد الإسكندرية العريق ويهتف باسم النجم الأوحد آنذاك حسين حجازى، ويشجع المدافع اليونانى تابسيس، وكيف كان التفاعل الكبير من هؤلاء المشجعين للمنتخب المصرى الذى يضم فى تشكيله لاعبين من أبناء الجالية اليونانية ولدوا على أرض مصر.

نتحدث هنا عن مصر فى بدايات القرن العشرين، حين كانت مدينة الإسكندرية تقدم النموذج الأزهى للكوزموبوليتانية، بل إن مصر بأسرها كانت كذلك أيضًا، فالأديب المصرى اليونانى تسيركاس صاحب ثلاثية (مدن جامحة) عاش قرابة 10 سنوات فى مدينة ديروط بمحافظة أسيوط.

وهى سمة ميزّت الجالية اليونانية التى غاصت فى أعماق المجتمع المصرى وعاشت كما يعيش المصريون لكسب قوت يومهم، فلم يكونوا يومًا فى صف المحتل.

ولم تكن مواقفهم نابعة من كونهم أجانب بل شركاء مع المصريين وضيوف كرام عليهم، ليطلق اللورد كرومر، المندوب السامى البريطانى فى مصر مطلع القرن العشرين، مقولته:«أينما حرّكت حجرًا فى مصر، وجدت تحته يونانيًا».

قدمت الجالية اليونانية مجموعة من اللاعبين الذين استطاعوا فرض أنفسهم على ساحة كرة القدم المصرية بل وانضم بعضهم لتمثيل منتخب مصر 
لو أن الإسكندرية تجسدت وتحدثت بالكلمات لأخبرتنا عن ميلاد العلم والشعر والفن والأدب والموسيقى على أرضها، لحدثتنا عن هيباتيا وعلمها، وقسطنطين كفافيس وأشعاره، ودلتا بينيلوب وحكاياتها، وعن قسطنطينوس بارثينيس ولوحاته، وسيناريوهات نيكوس تيفوروس، وعن رقصات نيللى مظلوم، وألحان مانوس لوزوس، وصوت ديميس روسوس، وكلهم من أبناء جالية واحدة ولدوا على شاطئ الإسكندرية.

 


حتى كرة القدم المصرية كان لها نصيب كبير من مشاركة الجالية اليونانية فى مهدها وتطورها وحتى استقرار شكلها المنظم بانطلاقة مسابقة الدورى المصرى الممتاز موسم 1948-1949، ويرصد كتاب «كرة القدم فى المدن الجامحة» ومؤلفه عمر البانوبى مشوار الجالية اليونانية فى مصر من خلال مشاركات اليونانيين فى كرة القدم المصرية.


أكثر من 7 أندية أسسها اليونانيون فى مصر أبرزها بورفؤاد وإيسيبيريا فى بورسعيد، وهيلينك يونيون ورملة آيتوس فى الإسكندرية وجريك فى شبرا بالقاهرة، وأندية أخرى فى الدرجات الأدنى لم يكن لها النصيب الكبير من الشهرة.


وعلى مدى أكثر من نصف قرن قدمت الجالية اليونانية مجموعة من اللاعبين الذين استطاعوا فرض أنفسهم على ساحة كرة القدم المصرية بل وانضم بعضهم لتمثيل منتخب مصر فى مقدمتهم توميديس وتابسيس، وأشهرهم على الإطلاق باراسكوس تيرميرتس حارس مرمى منتخب مصر المتوج بالنسخة الأولى من كأس الأمم الإفريقية عام 1957.


دراما كبيرة حملتها قصص هؤلاء اليونانيين الذين ولدوا على أرض مصر وعاشوا حياتهم فيها حتى الرحيل والعودة إلى اليونان منتصف الستينيات ليجدوا أنفسهم مصريين فى اليونان، وهو ما يرصده الكتاب الجديد على صفحاته.


تاريخ الجالية اليونانية فى كرة القدم المصرية يكمل اللوحة الكبيرة التى ساهم فى رسمها مبدعون كثر ولدوا على أرض مصر لعائلات يونانية أسهموا فى شتى المجالات الثقافية والأدبية والفنية وكما بدأنا بالحديث عن تسيركاس وثلاثيته نختتم بأبيات كتبها بخط يده ومعلقة فى غرفة بمتحف الشاعر السكندرى كفافيس قال فيها «أغنى لمصر.. لأنها تطعمنى وتغطينى كأم.. ولأنها تتألم كأم.. ولأنها تأمل كأم..».

اقرأ ايضا | استاذ تاريخ يوناني : جدي اول من بني عمارةبالاسمنت في الاسكندرية