رحلة صعود الجالية اليونانية في مصر

يونانيون فى مصر
يونانيون فى مصر

كتب : شهاب طارق

منذ استسلام الإسكندرية للجيش العربى أخذت المدينة تتحول تدريجيا إلى مدينة يونانية، إذ زاد عدد اليونانيين فيها عن أى وقت سابق، وكانت بوابتهم للدخول والتعايش فى القطر المصرى بالكامل. جاء اليونانيون إلى مصر بأعداد كبيرة فى عام 1822 وبعد حملة إبراهيم باشا على شبة جزيرة بيلوبونيز فى عام 1826 كان من بين هؤلاء على سبيل المثال ميشيل زيزينيا مؤسس حى زيزينيا الشهير، وكانت الإسكندرية وقتها جزءاً مهما من حركة الاقتصاد العالمي، «كان ميناؤها يحوى عادة مائتى سفينة على الأقل» كما يقول المؤرخ فيليب مانسيل فى كتابه عن المدن المشرقية، وبحلول العام 1839 كانت قيمة تجارة الإسكندرية وحدها تكافئ قيمة تجارة مصر كلها قبل عشر سنوات، وارتفع عدد الشركات الأوروبية التى تأسست فى الإسكندرية من ثلاث وعشرين فى العام 1822 إلى تسع وستين فى العام 1837.

مع استقرار الجاليات الأجنبية أصبحت الإسكندرية المدينة الكوزموبوليتانية، تحديدا الأعوام من 1936 وحتى 1956، بعد إلغاء الامتيازات والمحاكم المختلطة، فبعد أكثر من قرن ونصف القرن من العيش فى مصر، وبعد أكثر من خمسة أجيال ولدوا فيها، بدأ الأوروبيون واليونانيون تحديدا فى استخدام اللغة العربية، وكان ذلك بداية كسر الحواجز بين الجاليات التى ظلت منغلقة على نفسها، وبداية لتعامل المصريين بشىء من الندية مع المشرقيين الأجانب، إذ بدأ الجميع يقفون أمام قاض واحد ويخضعون لقانون واحد. وإلى هذين العقدين تحديداً يرجع شعور الحنين بين المصريين واليونانيين، إلى الحقبة الكوزموبوليتانية، حين بدأ الكثير من اليونانيين وغيرهم من الأجانب يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، بدرجة أفضل كثيراً من قراءاتهم أو كتابتهم لها. وفى المناطق المختلطة، يتذكر السكندريون واليونانيون زيارات جيرانهم أيا كان دينهم، والذهاب معهم إلى المدرسة نفسها، والأكل معهم، والنزول ضيوفا عليهم.

فى تلك الأيام وخلال العقدين الأولين من القرن العشرين، كانت الإسكندرية تتربع على عرش الأدب اليونانى ، وكان يرتاد شقة الشاعر السكندرى قسطنطين كفافيس، شعراء وكتّاب وممثلون وموسيقيون وفنانون ومبدعون من كل أنحاء العالم، واعتبر اللقاء بين كفافيس والأديب الانكليزى إى إم فورستر حينها أهم لقاء أدبى فى القرن العشرين، وكتب فورستر يقول «أظن أنه من حسن حظى أنه فى ظروف الحرب الرهيبة التى كنا نعيشها أتيحت لى الفرصة للقاء أحد أعظم الشعراء فى عصرنا».

بشكل عام لعبت الجاليات الأجنبية دورا كبيرا فى عملية التحديث والبناء التى شهدتها مصر منذ بداية عصر محمد على وحتى عام 1952. وكان للجالية لليونانية على وجه التحديد مكانة متميزة فى هذا الجانب، حيث شاركت فى تطوير المجتمع المصرى لا من باب المعلم بل عن طريق المشاركة والاندماج، فبعكس الجاليات الأجنبية الأخرى كانت اليونانيون أكثر اندماجا وتعايشا داخل المجتمع المصرى، وأسهموا بأعدادهم الكبيرة التى بلغت فى أوائل الأربعينيات من القرن الماضى ما يقرب من 250 ألف شخص فى كل المجالات؛ الاقتصادية، والسياسية، والتعليمية، والثقافية.
اليونان ضيف شرف معرض القاهرة للكتاب فى دورته الجديدة لهذا العام، ونقدم هنا إطلاله سريعة على التواجد اليونانى القديم فى مصر، وأيضا مقتطفات من أحدث الكتب الصادرة بهذه المناسبة.

 

لطالما شكلت الجالية اليونانية جزءًا مهمًا من تاريخ مصر الحديث، وتحديدًا منذ عصر محمد عليّ، إذ برزت الجالية التى أمدت الحياة المصرية الثقافية والاقتصادية بالكثير من المفردات التى تركت أثرًا كبيرًا على مصر فى القرنين الـ١٩ والـ٢٠، وعلى الرغم من التوافق الكبير الذى حدث بين الثقافتين المصرية واليونانية إلا أن هناك تحولات كبرى مرّت بها الجالية ساهمت فى إحداث تغيرات كبرى، هنا نستعرض فترات الصعود والهبوط للجالية اليونانية داخل مصر، ونقترب أكثر من هذا الإرث.

وكذلك نقف أمام الوضع الراهن لمعرفة المعوقات التى أدت لبطء حركة الترجمة اليونانية إلى العربية والعكس، وذلك تزامنًا مع استضافة مصر لليونان كضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دروته الـ٥٣، تحدثنا مع ينى ميلاخرينوده، المسئول عن الشئون الثقافية للسفارة اليونانية بمصر، لنستوضح التحولات المختلفة التى مرّت بها الجالية.

ينى ميلاخرينوده مسئول الشئون الثقافية بالسفارة اليونانية بالقاهرة:حركة الترجمة من اليونانية إلى العربية ضعيفة

حركة الترجمة من اليونانية إلى العربية ضعيفة

 يحكى ميلاخرينوده رحلة صعود الجالية اليونانية فى مصر وتحديدًا منذ أن جاء محمد على إلى مصر «منذ أن جاء محمد على وتولى السلطة فى مصر حاول أن ينشئ «مصر الحديثة» فقد ولد فى مدينة يونانية اسمها «كافالا» والتى تنطق فى العربية باسم «قولة»، واحتك بأصدقائه اليونانيين الذين عاش معهم فى اليونان.

وعندما فكر فى إنشاء مصر الحديثة استقدمهم وهم بدورهم جلبوا معارفهم وعائلاتهم للعيش والكسب فى مصر، كانت هذه البداية الحقيقية لتواجد اليونانيين داخل مصر.

وبدأت الجالية اليونانية تزداد، إلى أن وصلت ذروتها بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ بلغت الجالية اليونانية فى مصر نحو 150 ألف مواطن، وقد عبرت هذه الجالية عن كافة طبقات الشعب اليونانى إذ جاء الصناع والحرفيون، والمزارعون.

وكذلك رجال الأعمال الذين أرادوا استثمار أموالهم؛ لذلك كانت الجالية اليونانية فى مصر متنوعة وتميزت بالثراء الاجتماعى، وبالفعل أصبحت أكبر جالية أجنبية تعيش فى مصر حتى ستينيات القرن الماضى .

إرث أدبى

يحكى ينى ميلاخرينوده عن الإرث الأدبى الذى تركه أدباء اليونان الذين عاشوا وتربوا داخل مصر، فيقول «هناك الكثير من الأدباء والشعراء الذين عاشوا فى مصر إذ كان هناك نشاط ثقافى وأدبى مهم خلال التواجد اليونانى هنا.

وهذا الإنتاج الثقافى كان يتم باستخدام اللغة اليونانية والفرنسية، وكذلك المجلات الأدبية التى كانت تصدر خلال تلك الفترة، كان يتم كتابتها بإحدى هاتين اللغتين، فأعظم هؤلاء الكتاب بالطبع هو شاعر الإسكندرية «قسطنطين كفافيس» إذ يعد أهم الشعراء والكتاب الذين عاشوا فى مصر.

وكذلك الأديب والقاص «تسيركاس» والذى أبدع فى مجال الكتابة، وقد أنتج العديد من الأعمال أهمها «الثلاثية» والتى ترجمت إلى العربية باسم «مدن جامحة»، وهناك العديد من الشعراء أيضا الذين أبدعوا ومنهم «اليثرسيس، وبيريدس، وناكوبولو، وتساكوناس والذين لم يتعرف عليهم القارئ المصرى للأسف بسبب عدم ترجمة أعمالهم مثل حالة كفافيس، وتسيركاس، وسفيريس. فهؤلاء كان أغلبهم يكتبون باللغة اليونانية، لكن رغم ذلك إلا أنهم قد كتبوا عن الحياة التى عاشوها داخل مصر، فهم لم يتكلموا فقط عن «الإسكندرية» كما يتحدث البعض، لأنهم عاشوا فى جميع  القرى والمدن المصرية، إذ تأثر هؤلاء بالمجتمع المصرى.

ولم ينعزلوا عنه فقد اندمجوا وانصهروا داخل هذا المجتمع وصاروا جزءًا منه، لكن أغلب أعمالهم للأسف لم تترجم إلى العربية كما ذكرت، وقد ساهم المترجم نعيم عطية بشكل كبير فى ترجمة الأدب اليونانى والتعريف بالثقافة اليونانية.

 

وقد تميزت ترجماته بأنه ترجم عن اللغة اليونانية بشكل مباشر، فهو لم يلجأ للغة وسيطة. وخلال فترة التسعينيات بدأت تظهر ترجمات يونانية بصورة أكبر خاصة عندما عمل الشاعر اليونانى «كوستيس موسكوف» مستشارا ثقافيا للسفارة اليونانية فى القاهرة، وقد أعاد طبع الكثير من الكتب التى قدمها نعيم عطية، وبعدها جئت مستشارا ثقافيا للسفارة اليونانية واستكملنا مسيرة الترجمات، فهناك عدد مهول من الإصدارات الأدبية التى قام بها اليونانيون داخل مصر.

السينما اليونانية

يضيف ميلاخرينوده: «نتيجة تواجد اليونانيين فى مصر فى شتى المجالات فقد ساهموا بالفعل فى العديد من المجالات، فهناك أصناف من القطن تحمل أسماء المهندسين الزراعيين اليونانيين الذين قاموا بزراعتها حتى اليوم، بالإضافة إلى إنشاء المصانع والمدارس والمستشفيات وقد ساهم رجل الصناعة اليونانى «فولوناكيس» بشغف فى تنظيم الرياضة فى مصر. كما دخلوا فى صناعة السينما فعندما بدأت تظهر فى نهايات القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، لعبوا دورا كبيرا فى هذه الصناعة.

وأسسوا شركات خاصة بهم داخل مصر، وهناك 12 فيلما يونانيا أنتجتها شركات مصرية، فقد ظهرت حركة فنية وثقافية كبرى فى مصر والفرق المسرحية فى اليونان كانت تأتى إلى مصر ولعمل جولة للترويج لمسرحياتهم، وعرضها هنا وكان ذلك يحدث فى ثلاثينيات القرن الماضى، وهذا دليل على «حجم» الجالية اليونانية الكبير داخل مصر وكانت هذه الجولات تتم داخل الثلاث مدن الكبرى «القاهرة -الإسكندرية - بورسعيد» وبعد الانتهاء من عرض مسرحياتهم يتجهون إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتى كانت تضم أيضا عددا كبيرا من اليونانيين على أرضها، وقد قدم «توجو مزراحى» 4 أفلام يونانية خلال ثلاثينيات القرن الماضى من خلال الاستعانة ببعض الفرق المسرحية اليونانية.

الجالية اليونانية كانت أكبر جالية أجنبية تعيش فى مصر حتى ستينيات القرن الماضى

العديد من الشعراء اليونانيين أبدعوا فى مصر ولم يتعرف عليهم القارئ بسبب عدم ترجمة أعمالهم

الجالية أقامت ثانى أكبر ستوديو فى الوطن العربى فى وقت لم يكن فى اليونان ستوديو واحد

والتى قدمت هذه الأفلام بعد أن عرض عليهم الأمر، وفى فترة الخمسينيات لم يكن هناك داخل اليونان «استوديو» احترافى مثل استوديو مصر والأهرام فأول استوديو بمستوى شبيه أقيم فى اليونان سنة 1954، فعندما أتت إحدى الفرق المسرحية اليونانية لعمل جولة داخل مصر فى خمسينيات القرن الماضى قرروا الدخول فى صناعة السينما، إذ كان الأمر فى هذه المرة «يونانياً خالصاً» فالمنتج كان يونانياً وكذلك المخرج والممثلون بعكس فترة توجو مزراحى والذى كان إيطالى الأصل.

وخلال هذه الفترة تم عمل ثلاثة أفلام كوميدية يونانية وهى من كلاسيكيات السينما اليونانية حتى يومنا هذا، وكان ذلك داخل ستوديو «النحاس» أما ستوديو الأهرام فصاحبه كان يونانيا وأصبح هذا الاستوديو هو ثانى أكبر ستوديو فى الوطن العربى بعد ستوديو مصر، أنشأه صاحبه أفراموسى سنة 1940 فى وقت لم يكن فى اليونان استوديو واحد، فالرجل لم يستثمر فى اليونان لأنه أحس أن مصر هى وطنه وبلده الذى  عاش فيها، ورغم أن الكثير من أعضاء الجالية اليونانية قد تركوا مصر إلا أنهم ظلوا يحملون الصفات المصرية التى تأصلت داخلهم، فرحيلهم عن مصر كان عبارة عن رحيل «الجسد» فقط لكن وجدانهم ظل موجودا فى مصر.

أتذكر المخرج اليونانى الشهير «كوستا فيريس» فقد ترك مصر وهو فى العشرينات من عمره وذهب إلى اليونان وأصبح من أهم المخرجين فى اليونان بأكملها.

وخلال أفلامه التى عرضت فى مهرجان القاهرة السينمائى فى سبعينيات القرن الماضى تفاعل الجمهور وظلوا يضحكون بسبب المشاهد الكوميدية الموجودة داخل الفيلم، لدرجة أنه قال لى نصا «أنا دمعت» وعندما سألته عن السبب قال لى: «لأنهم فهموا أننى قمت بعمل فيلم كوميدى، ففى اليونان لم يستوعبوا أن هذا الفيلم «كوميدي» لأنى قدمت جزءاً من الفيلم لا يمكن أن يتفاعل معه بالضحك إلا الجمهور المصرى، لأنه مصرى بامتياز، لذلك عينى دمعت فرحا حين رأيت تفاعل الجمهور بهذه الطريقة» وهذا ما أود أن أوضحه فقد ظل هؤلاء اليونانيون يحملون مصر بداخلهم رغم طول الرحلة والمسافة التى قطعوها.

فليلى علوى أيضًا والدتها يونانية وكانت مديرة للبرنامج اليونانى فى الإذاعة الأوروبية، وهذا يدل على تداخل الثقافتين فى الحياة الاجتماعية وتأثيرهما الواضح على الحياة الثقافية داخل مصر.

رحلة اللاعودة 

على الرغم من وجود فترات مزدهرة عاشتها الجالية اليونانية فى مصر إلا أن هناك العديد من التغيرات والتحولات التى حدثت أدت فى نهاية الأمر لخروج الكثير منهم ومغادرة مصر، يشرح ينى الأمر باستفاضة ويقول: «حدثت موجات مختلفة أدت لخروج اليونانيين من مصر أولها كانت سنة 1937، فقد كان عددهم كما ذكرت حوالى 150 ألفاً، فعندما تم توقيع اتفاق «مونتريه» لإلغاء قانون الامتيازات بدأت الجالية اليونانية فى مصر تتراجع، وذلك بسبب ترك رؤوس الأموال للمجال الاقتصادى فى مصر.

وبالتالى أصبح هناك الكثير من الموظفين بدون عمل ولجأوا بدورهم لترك مصر بحثا عن فرص عمل جديدة، فهناك من كان بإمكانهم مغادرة مصر، وهناك يونانيون لم يكن لديهم هذه الإمكانية.

حدثت موجات مختلفة أدت لخروج اليونانيين من مصر

والدى رفض مغادرة مصر ولم يكن يعرف غيرها مكانا يمكن أن يتأقلم فيه

نحن بصدد إقامة مشروع لترجمة الأعمال اليونانية إلى العربية

لم نأت إلى مصر مستعمرين بل سعيا للرزق واندمجنا داخل المجتمع الذى أحببناه


أما الموجة الثانية لخروج الجالية اليونانية من مصر فكانت مع الحرب العالمية الثانية، نتيجة اقتراب دول المحور من مصر فبدأت بعض الأسر تخرج وكانوا ينوون أن يعودوا إليها مرة أخرى بعد استقرار الأوضاع، وعندما حاول الإيطاليون غزو اليونان سنة1940 استطاع الجيش اليونانى وقتها هزيمتهم، لكن بعد ذلك دخل الألمان وتفوقوا علينا نتيجة إنهاك الجيش اليونانى فى معركته التى حدث مع الإيطاليين.

ووقتها جاءت الحكومة اليونانية وباشرت عملها من الإسكندرية والقاهرة، وحينها حدث استدعاء لليونانيين فوق 18 عاما للانضمام للجيش، رغم أن البعض أشار إلى ضرورة عدم استدعاء اليونانيين الموجودين داخل مصر لأنهم وفقا لتقييمهم لم يرجحوا أن تشارك مصر فى الحرب، وبالتالى كانوا يتوقعون أن يؤدى ذلك لفقد الكثير من الأماكن التى يشغلها العمال والموظفون اليونانيون داخل مصر، واستبدالهم بجنسيات أخرى، وهذا بالفعل ما حدث فحين انتهت الحرب العالمية الثانية لم يجد هؤلاء المواطنون وظائفهم، فلجأ البعض منهم للهجرة، إما من خلال العودة إلى اليونان أو من خلال الهجرة إلى جنوب إفريقيا، واستراليا وكندا.

وكانت هذه هى الهجرة الثانية للجالية اليونانية فى مصر، وقد حدثت الموجة الثالثة فى ستينيات القرن الماضى حينما تم تنظيم قانون الجنسية الجديد والإقامة، فهاجر الكثيرون وظل البعض متمسكا بالبقاء ومنهم والدى الذى رفض مغادرة مصر لأنه قال «أنا ولدت وتربيت فى مصر، وكذلك أبى ولد هنا» فهو لم يكن يعرف غيرها مكانا يمكن أن يتأقلم داخله وقرر المكوث هنا فى مصر، فالإحصائيات عندنا تقول إن عدد الجالية اليونانية فى سبعينيات القرن الماضى قدر بحوالى 25 ألف يونانى. أما فى الوقت الحالى فيقدر عدد الجالية فى مصر بحوالى 6 آلاف مواطن أغلبهم متمركزون فى القاهرة، والجزء المتبقى فى الإسكندرية، وعدد بسيط منهم فى بورسعيد والإسماعيلية.

مشاكل الترجمة

يتطرق ينى ميلاخرينوده لجزئية أخرى تخص واقع الترجمة فى الفترة الحالية، فيقول: «للأسف الأعمال اليونانية التى ترجمت إلى العربية قليلة للغاية، فالجالية اليونانية تملك الكثير من الإصدارات التى تناولت حياتهم داخل مصر فى شتى المجالات.

ونحن بصدد إقامة مشروع لترجمة هذه الأعمال إلى العربية لأننا نود أن تعرف الأجيال الجديدة حياة الشعب اليونانى الذى عاش فى مصر، فأنا على سبيل المثال ولدت هنا ودرست هنا، لكننى كمواطن يونانى أريد أن يعرف المصريون هذه العلاقة الوطيدة التى نشأت بين الدولتين، فنحن لم نأت إلى مصر مستعمرين لكننا جئنا سعيا للرزق واندمجنا وانصهرنا داخل هذا المجتمع الذى أحببناه إلى أن صرنا فى النهاية نسيجا واحدا فأنا درست هنا وكان جيراننا من المصريين وفى المرحلة الجامعية درست مع مصريين أيضا، لذلك هذا ما يشغل بالى دائما ونفس الشيء أقوله لأولادى -الذين درسوا أيضا هنا- فأنا أود أن نقدم هذه الترجمات كى يتعرف الشباب على هذه العلاقات بين الشعبين. 

 


أما بخصوص حركة الترجمة فيجب أن نعترف أن هناك العديد من المشاكل فاللغة اليونانية لغة صعبة للغاية واللغة العربية أيضا وهناك عدد قليل جدا من المترجمين منهم نعيم عطية والذى يعد أهم من ترجموا من اليونانية إلى العربية، وبعده صدرت ترجمات هامة للدكتور حمدى إبراهيم، وحاليا يقوم المترجم صموئيل بشارة بهذا الدور.

وقد قمت أنا بترجمة بعض الكتب، وكذلك الدكتور خالد رؤوف قام بدوره بترجمات هامة، لكننا لازلنا نعانى بسبب نقص الترجمات، لأننا يجب أن نعلم أن الترجمة ما هى إلا جزء من عملية صناعة النشر والذى يتطلب تحقيق ربح من جانب دور النشر، فنحن فى اليونان مثلا لا نملك جهة تقوم بدور «المركز القومى للترجمة» الموجود فى مصر، لذلك هناك إشكالية كبيرة، بسبب عدم توفر مترجمين سواء من اليونانية إلى العربية أو العكس، لأننا نحتاج لجهود كبيرة من جانب المترجمين ودور النشر أيضا، إذ إن هناك ثراء لغويا كبيرا فى اللغتين وهذا الأمر يتطلب جهدا موسوعيا. وبالمناسبة هنا أتذكر كلمة الدكتور جابر عصفور رحمه الله فى احتفالية افتتاح المركز الثقافى اليونانى بالقاهرة عام 2002 عندما أعرب عن أسفه للعدد القليل من ترجمات الأدب اليونانى الحديث فى إطار البرنامج القومى للترجمة آنذاك.

وفى الواقع يقوم الآن المركز القومى للترجمة بهذا العمل وهناك عدد كبير من الترجمات التى قام بها المركز القومى للترجمة وعدد أقل قام به القسم الثقافى للسفارة اليونانية بالقاهرة. ونحن نأمل فى المزيد، وأن تتاح الفرصة لإظهار كل هذا من خلال معرض الكتاب حيث تأتى اليونان ضيف شرف لتعود فى هذه الدورة بنا إلى أيام التواجد اليونانى الكبير داخل مصر لنتذكر ونؤكد على كيفية تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين.

اقرأ ايضا | «اليونان» ضيف شرف الدورة الـ53 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب