دروس وعبر ذكرى عيد الشرطة

لواء‭ ‬د/‭ ‬طارق‭ ‬عطية
لواء‭ ‬د/‭ ‬طارق‭ ‬عطية

لواء‭ ‬د/‭ ‬طارق‭ ‬عطية

مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬الأسبق

‭.."‬ما‭ ‬أشبه‭ ‬الليلة‭ ‬بالبارحة‭" ‬تلك‭ ‬مقولة‭ ‬تنطبق‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬عند‭ ‬تدبر‭ ‬استخلاص‭ ‬الدروس‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬البطولات‭ ‬التى‭ ‬سطرها‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬1952،‭ ‬مع‭ ‬تفهم‭ ‬الاختلاف‭ ‬فى‭ ‬الظرف‭ ‬التاريخى،‭ ‬على‭ ‬ماتشهده‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬تواجهها‭ ‬الشرطة‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬التضحيات‭ ‬والجسارة‭ ‬والشجاعة‭ ‬والإقدام‭ ‬على‭ ‬إخراج‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬ملاحم‭ ‬الفداء‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬قوى‭ ‬الشر‭ ‬والإرهاب‭ ‬الأسود،‭ ‬وفى‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬مايجنح‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬مقدرات‭ ‬الوطن،‭ ‬ويهدد‭ ‬استقراره‭ ‬وأمن‭ ‬وأمان‭ ‬شعبه‭ ‬العظيم‭.‬

فلم‭ ‬يكن‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬1952‭ ‬يومًا‭ ‬عاديًا‭ ‬بمدينة‭ ‬الإسماعيلية‭ ‬والذى‭ ‬شهد‭ ‬على‭ ‬بسالة‭ ‬وشجاعة‭ ‬الشرطة‭ ‬المصرية‭ ‬واستحق‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬كيوم‭ ‬ورمز‭ ‬وعيد‭ ‬للشرطة‭ ‬تحتفل‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬فقد‭ ‬تصدى‭ ‬فيه‭ ‬مايقرب‭ ‬من‭ ‬850‭ ‬جنديًا‭ ‬وضابطًا‭ ‬لايملكون‭ ‬سوى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البنادق‭ ‬ماركة‭ "‬لى‭ ‬أنفيلد‭" ‬المحدودة‭ ‬فى‭ ‬إنتاج‭ ‬قوة‭ ‬النيران‭ ‬والتى‭ ‬لا‭  ‬تكفى‭ ‬لمواجهة‭ ‬الألة‭ ‬العسكرية‭ ‬الضخمة‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬للقوات‭ ‬البريطانية‭ ‬المتطورة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تحوزها،‭ ‬وتستخدم‭ ‬دبابات‭ "‬السونتريوم‭" ‬المتطورة،‭ ‬لمهاجمة‭ ‬المبنى‭ ‬الذى‭ ‬تحصن‭ ‬به‭ ‬الأبطال‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬والذين‭ ‬رفضوا‭ ‬الاستجابة‭ ‬لتهديدات‭ ‬القائد‭ ‬الإنجليز‭ ‬بالاستسلام‭ ‬وتسليم‭ ‬أسلحتهم،‭ ‬وأصروا‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والتصدى‭ ‬لهذا‭ ‬الغزو‭ ‬والزود‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬وترابه‭ ‬متسلحين‭ ‬بإيمانهم‭ ‬ووطنيتهم،‭ ‬ونالهم‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭ ‬والمصابين‭ ‬مانالهم،‭ ‬حتى‭ ‬تمكنت‭  ‬قوة‭ ‬المحتل‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬سطوتها‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬التفوق‭ ‬العددى‭ ( ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬جندى‭ ) ‬بعتادهم‭ ‬وأسلحتهم‭.‬

ولقد‭ ‬ترسخ‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬فى‭ ‬ضمير‭ ‬الأمة‭ ‬ووجدانها‭ ‬وصار‭ ‬رمزًا‭ ‬متجددًا‭ ‬لبطولات‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬الأوفياء‭ ‬والذين‭ ‬مازالوا‭ ‬يواجهون‭ ‬بإيباء‭ ‬وجسارة‭ ‬قوى‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬والجريمة‭ ‬بكافة‭ ‬أشكالها،‭ ‬لعهد‭ ‬قطعوه‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬بإرادة‭ ‬وطنية‭ ‬بألا‭ ‬تقوم‭ ‬للشر‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬الأبى‭ ‬قائمة،‭ ‬مدركين‭ ‬بأن‭ ‬أمن‭ ‬الوطن‭ ‬وحماية‭ ‬مقدراته‭ ‬ومكتسباته‭ ‬هى‭ ‬بمثابة‭ ‬رسالة‭ ‬تتواصل‭ ‬مسيرة‭ ‬أجيال‭ ‬الشرطة‭ ‬فى‭ ‬أدائها‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬التحديات‭ ‬والتضحيات‭.‬

ورغم‭ ‬ماحققته‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬نجاحات‭ ‬أمنية‭ ‬أسهمت‭ ‬فى‭ ‬تقليص‭ ‬الإرهاب‭ "‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭" ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الكنانة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شوكة‭ ‬الإرهاب‭ ‬لازالت‭ ‬لها‭ ‬خطورتها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬أداة‭ ‬صريحة‭ ‬فى‭ ‬أيدى‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬لإدارة‭ ‬الصراعات‭ ‬وتنفيذ‭ ‬المخططات‭ ‬والمؤامرات‭ ‬خاصة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬التى‭ ‬تموج‭ ‬بالصراعات‭ ‬والانقسامات،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬بقيادة‭ ‬السيد‭ ‬الوزير‭ ‬الدؤوب‭  ‬محمود‭ ‬توفيق‭ ‬بوعى‭ ‬ومسئولية‭ ‬كاملة‭ ‬وإدراكا‭ ‬شاملا‭ ‬للتحديات‭ ‬المحدقة‭ ‬بالوطن‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬سبل‭ ‬التطوير‭ ‬والتحديث‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬المتطورة‭ ‬والتى‭ ‬لاتحتمل‭ ‬معها‭ ‬الانعزال‭ ‬أو‭ ‬الركون‭ ‬لما‭ ‬تحقق،‭ ‬وواصلت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تخطيط‭ ‬علمى‭ ‬يواكب‭ ‬أحدث‭ ‬النظم‭ ‬والإمكانيات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬تحديث‭ ‬بنيتها‭ ‬وأساليبها،‭ ‬وحرصت‭ ‬على‭ ‬الارتقاء‭ ‬بكفاءة‭ ‬العنصر‭ ‬البشرى‭ ‬وتدريبه‭ ‬وصقل‭ ‬مهاراته‭ ‬باعتباره‭ ‬سيظل‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬الأمنى‭ ‬الذى‭ ‬يحقق‭ ‬مستهدفات‭ ‬الوزارة‭ ‬الوطنية‭.‬

ولا‭ ‬يفوتنى‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬الغالية‭ "‬عيد‭ ‬الشرطة‭" ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬بكل‭ ‬الإجلال‭ ‬والتقدير‭ ‬شهداء‭ ‬الوطن‭ ‬والذين‭ ‬لولا‭ ‬تضحياتهم‭ ‬وبطولاتهم‭ ‬ماكنا‭ ‬ننعم‭ ‬بما‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬أمن‭ ‬وطمأنينة،‭ ‬وأستطيع‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬وقيادات‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬بالتواصل‭ ‬مع‭ ‬أسر‭ ‬الشهداء‭ ‬وتلبية‭ ‬كافة‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬وتقديم‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الدعم‭ ‬والرعاية‭ ‬لأبنائهم‭ ‬وذويهم‭ ‬ومتابعة‭ ‬مسيرتهم‭ ‬للاطمئنان‭ ‬إلى‭ ‬مستقبلهم‭ ‬وحصولهم‭ ‬على‭ ‬مايستحقونه‭ ‬إكرامًا‭ ‬لسيرة‭ ‬ذويهم‭ ‬العطرة‭ ‬والتى‭ ‬سيظل‭ ‬التاريخ‭ ‬يذكرها‭ ‬بأحرف‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬ويذكرها‭ ‬الوطن‭ ‬والشرطة‭ ‬المصرية‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭ ‬وإعزاز‭ ‬وتقدير‭.‬

حمى‭ ‬الله‭ ‬مصر‭ ‬وجنبها‭ ‬سوء‭ ‬الفتن،‭ ‬وسدد‭ ‬خطى‭ ‬السيد‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬فى‭ ‬مواصلة‭ ‬إنجازات‭ ‬سيادته‭ ‬العملاقة‭ ‬التى‭ ‬ترسخ‭ ‬لنهضة‭ ‬شاملة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬للأمة‭ ‬المصرية‭ ‬حتى‭ ‬تنال‭ ‬المكانة‭ ‬التى‭ ‬تستحقها‭ ‬بين‭ ‬سائر‭ ‬الأمم،‭ ‬وستظل‭ ‬مصر‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬واحة‭ ‬للأمن‭ ‬والأمان‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭ "‬ادْخُلُوا‭ ‬مِصْرَ‭ ‬إِنْ‭ ‬شَاءَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬آمِنِينَ‭"  ‬صدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭ "‬سورة‭ ‬يوسف‭ ‬الأية‭ ‬99‭".‬