كتابة

هكذا حدّثنا عيسى بن هشام حركة مصر للمصريين (2)

محمود الوردانى
محمود الوردانى

‭  ‬أظن‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬الأشارة‭ ‬السريعة‭ ‬والضرورية‭ ‬لما‭ ‬يحيط‭ ‬بالنص‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬ووقائع،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أتناول‭ ‬النص‭ ‬ذاته‭. ‬فمثلا‭ ‬مويلح‭ ‬التى‭ ‬انحدر‭ ‬منها‭ ‬الكاتب‭ ‬هى‭ ‬ميناء‭ ‬معروف‭ ‬بساحل‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬فى‭ ‬الطرف‭ ‬الشمالى‭ ‬للبحر‭ ‬الأحمر‭. ‬أما‭ ‬أول‭ ‬مويلحى‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬فهو‭ ‬أحمد‭ ‬الذى‭ ‬انضم‭ ‬لجيش‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬وحارب‭ ‬معه‭ ‬وشهد‭ ‬هزيمة‭ ‬الوهابيين‭ ‬عام‭ ‬1818‭ .‬

‭  ‬استقرت‭ ‬الأسرة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وامتدت‭ ‬جذورها،‭ ‬واشتغل‭ ‬قسم‭ ‬منها‭ ‬بتجارة‭ ‬الحرير،‭ ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬أبنائها‭ ‬يشغل‭ ‬منصب‭ ‬كبير‭ ‬التجار‭. ‬وكانت‭ ‬الأسرة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬العموم‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬الكبيرة‭ ‬والقريبة‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬الحكم‭ ‬والنفوذ‭.‬

‭  ‬أما‭ ‬محمد‭ ‬المويلحى‭ ‬الكاتب‭ ‬فقد‭ ‬ولد‭ ‬عام‭ ‬1858‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭. ‬من‭ ‬معلميه‭ ‬قامات‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬الشيخ‭ ‬قُطة‭ ‬العدوى‭ ‬مدير‭ ‬المطبعة‭ ‬الأميرية‭ ‬ومحقق‭ ‬أكمل‭ ‬وأدق‭ ‬طبعة‭ ‬لألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬الذى‭ ‬درّس‭ ‬له‭ ‬العربية،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬معارف‭ ‬وأصدقاء‭ ‬والده‭ ‬الذين‭ ‬يترددون‭ ‬على‭ ‬البيت‭ ‬رجال‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬والأفغانى‭. ‬

‭  ‬وفى‭ ‬بداية‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطانى‭ ‬لمصر‭ ‬عام‭ ‬1882‭ ‬انضم‭ ‬الشاب‭ ‬محمد‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬كان‭ ‬إسمها‭ ‬‮«‬‭ ‬مصر‭ ‬للمصريين‮»‬‭ ‬حسبما‭ ‬أشار‭ ‬روجر‭ ‬إلين،‭ ‬ولعبت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬دورا‭ ‬سياسيا،‭ ‬وفيما‭ ‬يبدو‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬محمد‭ ‬المويلحى‭ ‬نفسه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬قادتها‭ ‬لأن‭ ‬حكمأ‭ ‬صدر‭ ‬بالإعدام‭ ‬ضده،‭ ‬لولا‭ ‬تدخل‭ ‬بطرس‭ ‬غالى‭ ‬الذى‭ ‬تشفع‭ ‬له‭ ‬لدى‭ ‬الخديو،‭ ‬فخفف‭ ‬الحكم‭ ‬إلى‭ ‬النفى‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا،‭ ‬حيث‭ ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬والده‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مع‭ ‬الخديو‭ ‬اسماعيل‭ ‬الذى‭ ‬نفى‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭ ‬بعد‭ ‬تورطه‭ ‬وتوريط‭ ‬البلاد‭ ‬فى‭ ‬الديون‭.‬

‭  ‬اشتغل‭ ‬المويلحى‭ ‬بالصحافة‭ ‬مع‭ ‬والده‭ ‬فى‭ ‬إيطاليا،‭ ‬ثم‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬تجربة‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬بالصحافة‭ ‬هناك‭ ‬ايضا‭. ‬وعندما‭ ‬نجحت‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬لحصوله‭ ‬على‭ ‬العفو‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬عام‭ ‬1887‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬فى‭ ‬الصحافة‭ ‬أيضا،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬حلقة‭ ‬شهيرة‭ ‬أشارت‭ ‬لها‭ ‬عدة‭ ‬مصادر‭ ‬هى‭ ‬حلقة‭ ‬نازلى‭ ‬إبنة‭ ‬الخديو‭ ‬اسماعيل،‭ ‬وكان‭ ‬يحضر‭ ‬صالونها‭  ‬رجال‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬وسعد‭ ‬زغلول‭ ‬وفتحى‭ ‬زغلول‭ ‬وقاسم‭ ‬أمين‭ ‬ومصطفى‭ ‬فهمى‭ ‬وعلى‭ ‬يوسف‭ ‬وغيرهم‭.‬

‭  ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬محمد‭ ‬المويلحى‭ ‬ونصه‭ ‬الفاتن‭ ‬فى‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬مجرد‭ ‬مصادفة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الظرف‭ ‬السياسى‭ ‬للبلاد‭ ‬المحتلة‭ ‬احتلالا‭ ‬كولونياليا‭ ‬متوحشا‭ ‬مصادفة‭ ‬أيضا،‭ ‬وإذا‭ ‬أضفتُ‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الذى‭ ‬كانت‭ ‬الصحافة‭ ‬قد‭ ‬أخذت‭ ‬تلعبه،‭ ‬لاأقصد‭ ‬الصحافة‭ ‬السيارة‭ ‬اليومية‭  ‬مثل‭ ‬المقطم‭ ‬وغيرها،‭ ‬بل‭ ‬الصحافة‭ ‬الأدبية‭ ‬مثل‭ ‬مصباح‭ ‬الشرق‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬وحدها،‭ ‬وهو‭ ‬مايفصلّه‭ ‬لنا‭ ‬الراحل‭ ‬الكبير‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬حمزة‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كتاب،‭ ‬لأدركنا‭ ‬نحن‭ ‬القراء‭ ‬الظروف‭ ‬والوقائع‭ ‬التى‭ ‬أحاطت‭ ‬بنشر‭ ‬ذلك‭ ‬النص‭ .‬

‭  ‬أما‭ ‬صحيفة‮»‬‭ ‬مصباح‭ ‬الشرق‮»‬‭ ‬التى‭ ‬صدر‭ ‬عددها‭ ‬الأول‭ ‬عام‭ ‬1898‭ ‬ونشرت‭ ‬النص‭ ‬منجّما،‭ ‬فكان‭ ‬يكتب‭ ‬فيها‭ ‬ابراهيم‭ ‬والد‭ ‬محمد‭ ‬المويلحى‭ ‬صاحب‭ ‬حديث‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬هشام‭ ‬ثم‭ ‬محممد‭ ‬نفسه‭ ‬وتوقفت‭ ‬عام‭ ‬1902‭ . ‬من‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬كان‭ ‬ينشر‭ ‬باعتباره‭ ‬مقالات‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬دال‭ ‬فعلا‭ ‬وهو‮»‬‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‮»‬‭. ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬1907‭ ‬صدرت‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬هشام‭ ‬ككتاب،‭ ‬ثم‭ ‬قررته‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬كأحد‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬يتم‭ ‬تدريسها‭ ‬للطلاب‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬بعد‭ ‬الاستبعاد‭ ‬والحذف‭ ‬اللازمين،‭ ‬لكن‭ ‬البروفسير‭ ‬المحترم‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬الطبعة‭ ‬الثالثة‭ ‬وهى‭ ‬أقل‭ ‬الطبعات‭ ‬تعرضا‭ ‬للحذف‭ ‬والاستبعاد‭..‬

‭  ‬فى‭ ‬الأسبوع‭ ‬القادم‭ ‬إذا‭ ‬امتد‭ ‬الأجل‭ ‬أواصل‭ ‬قراءة‭ ‬حديث‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬هشام‭..‬