إسراء كارم تكتب: رسائل «رزق».. وأشياء لا تشترى

إسراء كارم
إسراء كارم

كنت لازلت في أول الطريق.. بالتحديد في عام ٢٠١٣ وحينها كنت أتعاون مع صفحة الأدب بجانب عملي في بوابة أخبار اليوم.. وبسبب موضوعاتي وقتها.. سأل عني بالاسم وعندما علم أني «بنت صغيرة بتشتغل في البوابة وبتتعاون معانا» كما قال له أستاذ عمرو الديب المسئول عن الصفحة.. طلب رؤيتي.

لم أنسى هذه المقابلة.. وأول فنجان قهوة في حضرة الأستاذ والذي كانت مقابلته «حُلم» تحقق سريعا.. وهو يردد بكل ثقة: «فخور إن عندنا شباب صغير عنده موهبة».

بعد هذه المقابلة.. استمريت في تذكيره باسمي في كل مؤتمر ألتقيه فيه على أمل أن يتذكرني وحده فيما بعد.. 

عام ٢٠١٤.. تم تجديد عقد العمل الخاص بي للمرة الخامسة وكان هناك تعنت في تعييني.. وحينها قررت ترك العمل بعد أن قيل لي من أحد رؤسائي حينها «لو معندكيش واسطة امشي أحسن»ز

واليوم الذي ذهبت لأودع زملائي والدموع تملأ عيني.. فوجئت باتصال من شئون العاملين وأن الأستاذ ياسر رزق قرر فسخ عقدي الخامس وعمل عقد تعيين استثنائي تقديرًا لجهدي في العمل.


كنت أتعجب عندما يخبرني رؤسائي بأن الأستاذ ياسر يشيد بجهدي في القسم الديني والذي توليته مدة طويلة في بوابة أخبار اليوم.. وأردد: «هو حافظ اسمي.. بس دايما بينسى شكلي.. وكل مرة بفكره بيا.. نفسي يفتكرني».

حتى قابلته في أبو ظبي عام ٢٠٢٠.. قبل مؤتمر «التجمع الإعلامي العربي للأخوة الإنسانية».. كنت مرهقة جدًا بعد يوم سفر طويل.. ولكن غلبني الجوع فنزلت المطعم بـ«الترينج» غير مكترثة لهيئتي معتقدة بأن الجميع نام استعدادًا للمؤتمر عدا قلة من زملائي الصحفيين.

وبكل ثقة دخلت المطعم لأتناول أي شيء قبل نومي.. لأتفاجأ بقدوتي الأستاذ ياسر رزق يجلس مع نخبة من الإعلاميين من مصر ومختلف الدول العربية..

ولأول مرة لم أذهب إليه وألقي التحية.. طبعا بسبب ملابسي.. وتوقعت أنه لا يتذكرني.. فاستكملت طريقي إلى ترابيزة زملائي الصحفيين.. 

ليفاجئني بأنه يتذكرني مشيرًا إلي بإصبعه لأذهب إليه في قمة الإحراج بسبب ملابسي غير الرسمية.

وما وجدت منه إلا ابتسامته الهادئة المعهودة منه.. ويطبطب على كتفي مرددا لكل من معه من الإعلاميين «دي إسراء كارم.. من أشطر الصحفيين عندنا.. افتكروا كلكم الاسم ده كويس».

لم أستطع تمالك نفسي ونزلت دموعي.. فردد سريعا: «لأ أنا ولادي أقوياء.. وواثقين من نفسهم.. متخليش حاجة تهزك.. عارف كل اللي بيحصل معاكي.. ركزي على هدفك وكملي.. وأنا واثق فيكي وأنك هتكوني اسم كبير».

في اليوم التالي فوجئت ببعض الإعلاميين المشاهير يطلبون مني أن يلتقطون معي صور تذكارية.. بسبب كلام الأستاذ.

كانت المقابلة الأغرب والأحب إلى قلبي.. والتي جعلتني أقاوم واستكمل مشواري والعمل الذي أحبه رغم أنف الكارهين.

كانت آخر رسائله لي: «متزعليش من اللي بيحصل.. الكبير كبير بشغله وثقته في نفسه.. مش بالتقدير وخصوصًا من اللي عندهم نقص.. ودايما سامحي وركزي على هدفك وسيبي الباقي على ربنا.. مافيش حاجة بتفضل على حالها».

قبل يومين.. رأيته في حلمي وأنني ذاهبة إلى مكتبه وأنه يطمأنني كعادته.. استيقظت على خبر وفاته واعتقدت أنها شائعة سخيفة.

وصُدمت بأن الخبر حقيقي.. وأكثر ما ألمني أني لم ألحق توديعه ولم يمهلني الوقت فرصة لأخبره كم يعني لي.. كم كنت أتمنى لو أنني تعلمت منه أكثر.. لو جمعتنا مواقف أكثر ونصائح أكثر..

في الوقت الذي كان بعضهم يبحث عن مصلحته ولو على حساب غيره.. كان «رزق» يسعى لترك رسائل ودروس وعبر في المهنية والأخلاق والتفاني والتسامح والإنسانية..

ستظل قدوتي وستبقى سيرتك العطرة بيننا.. ألف رحمة ونور عليك يا فارس القلم.