يتيم لثانى مرة

محمد حمدى
محمد حمدى

وداعاً أستاذى الغالى ، الأستاذ الإنسان ياسر رزق .. وداعاً يامن علمتنا كيف يخط القلم ، يقولون إن العلم يُنتزع بموت العلماء ، وبرحيلك ماتت الأستاذية ونُقِض غزل المهنية ..

وداع صادم مؤلم فى صبيحة يوم مطير بارد،  مررت سريعا ورحلت خفيفا كما عهدناك دوماً ،كعادة الشهب تومض وتمضى .. من جديد نتجرع بين جنبات دارنا الحبيبة أخبار اليوم مرارة فقد لايُعوض، ونكابد أفول شمس لن يُشرق لها مثيل .


يارباه .. ما كل هذا الحب ؟؟. أى مآثر تلك لك عند الناس ؟ .. الكل تجمعك به مواقف إنسانية لاتقل نبلا عن مهنيتك التليدة ، اليوم تُسدد الفواتير .. وما أغلى ما ندين لك به  ، رغم أن ماعلمتنا إياه وزرعته فينا يصعب سداده ، إلا أن مظاهرة الحب تؤدى غيضاً من فيض أفضالك على الجميع ، لكنها والله لن توفيك حقاً .. وكأن الصحافة ثكلى من بعدك ، وتلاميذك فى كرب يتمنون لو استزادوا من صحبتك ونهلوا من علمك وخُلقك أكثر  مما نالوا .. بفعل إصابتى بكورونا أجلت تهنئتى لك على كتابك - وليتنى مافعلت - ، كنت أنتظر تمام التعافى حتى أزورك ، فمكالمة هاتفية عابرة لن تجدى فى التعبير عن فخرى وشرفى وتهنئتى، ولن تسمن عن جوع لجلسة أعلم يقينا أنى سأخرج منها بسيل من الاستفادة ..

لقاؤنا الأخير كان فى عزاء الزميل الشاب ياسين عباس .. صافحتنى يومها بحنو أب حسدت نفسى عليه ، فقد كان معبرا عن حب كقدر ذلك الذى أحمله لك فى قلبى .


وحيداً متفرداً متميزاً كنت تغرد خارج سرب أصحاب الأقلام ، تطأ بأخمصك ذُرى أطواد الكتابة ، وتخط بيسراك مقالات تضاهى الإلياذات ، تسطر بإبهامك من القول ماتعجز سواعد أبابيل «الكتيبة» عن إتيانه، وَثَبتَ على أعالى قمم الكَلِم وكأنك قد أوتيت مجامعه ، ونَسَجت من أفنان فنون القول مايُدرس لأجيال لاحقة ، وغيرك يزحف على خاصرته وسط كثبان التهجى .


أيا خُسَر تيجان بلاط صاحبة الجلالة من بعدك ، فما من هامة أرقى منك تتكللها ..

وما مِمَن يتوسد عرشها دونك ، أما أنا فدعنى أنعيك بأن أخبرك ، أنه ما من نبأ فَقد، ولافجيعة رحيل مرا على من بعد أمى أوجع من غيابك ، فقد فقدت أستاذاً وزميلاً وأباً ومعلماً ، وكأنى يتيم لثانى مرة .