وصلتني دعوة كريمة من شخصية علمية قديرة ذات ثقل علمي كبير، وجهود علمية وبحثية متألقة، وتاريخ مشرف في صناعة أجيال من العلماء والباحثين المصريين، وهو سعادة الأستاذ الدكتور فتحي طاش عميد كلية طب عين شمس سابقا، لحضور مؤتمر علمي وبحثي في رحاب جامعة عين شمس العريقة، عنوانه (الاتجاهات الحديثة في الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية ودلالات الأورام)، فتحركت عندي شهية الدعم والتحفيز والمشاركة والفرح بالبحث العلمي في مصر، حيث إن العلم والتعليم والبحث العلمي حلم عزيز، يمثل المفتاح الأول والأوحد والحقيقي لنهضة وطننا العظيم، واجتياز أزماته، ويمثل الامتداد الحقيقي لشخصية الإنسان المصري التي أسست حضارتها عبر التاريخ علي أساس الإبداع والابتكار والطفرات المذهلة في العلوم الرياضية والهندسية والطبية، وفي المعمار والتشييد، والرصد الفلكي، والري والزراعة والتخزين، وغير ذلك من دوائر العلوم التي تألق فيها الإنسان المصري عبر تاريخه، والمقصود أنني قد لبيت الدعوة الكريمة، وتشرفت بالذهاب لحضور جلسة افتتاح المؤتمر، فلما أن دخلت شعرت أنني قد خطوت خطوة بقدمي داخل وجدان مصر وعقلها، وسعدت بالاستقبال الحافل والحفاوة الكبيرة من معالي الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزت، القائم بأعمال رئيس جامعة عين شمس العريقة، والدكتورة رندا علي لبيب، والدكتورة سمر قاسم، والدكتورة عائشة أبو الفتوح، والشاعر الكبير فتحي نور الدين، والسيد الأستاذ أحمد يوسف، وعلمت أن المؤتمر يشهد ما يزيد علي ثلاثين ورقة بحثية في الموضوع التخصصي الدقيق الذي يعالجه المؤتمر، منها ما يزيد علي عشرين بحثا تقدم به شباب العلماء والباحثين من الشبان والفتيات العباقرة في مجال الكيمياء الحيوية، ورأيت بعيني في الصف الأول قامات كبيرة من جيل الأساتذة العظماء الذين حنكهم الزمن، وصقلتهم الخبرة العميقة، في التخصصات الطبية والكيميائية المختلفة، والذين عكفوا علي التعليم وصناعة العقول علي مدي أجيال وعقود، وألقيت كلمة موجزة عن أن هذا الحدث العلمي يمثل امتدادا صادقا لشخصية الإنسان المصري الأصيل، المبدع، الذي ابتكر في العلوم الرياضية والمعمار ابتكارات مذهلة برزت آثارها في الأهرام والمعابد والمسلات والمساجد والمدارس والتكايا والسبل والمشربيات والمآذن والقلاع، وغير ذلك من أصناف العلوم والمعارف التي استفاضت في أرض مصر الطاهرة، وعكف علي دراستها وتأملها الباحثون والعباقرة من مختلف أنحاء العالم علي مدي قرون، والذي دفع مؤرخ الحضارة الشهير ابن خلدون، بعد رصد طويل لحركة العلم والتعليم والبحث العلمي في زمنه أن يسجل شهادته المدوية الباقية علي وجه الزمن، والتي يقول فيها: (ونحن نري لهذا العهد أن العلم والتعليم إنما هما بالقاهرة من أرض مصر)، وتمنيت للمؤتمر أن يحظي بكل توفيق، وأن يسفر عن بحوث دقيقة وتوصيات ناجحة، ثم جمعتني بعد جلسة الافتتاح جلسة مع الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزت، والأستاذ الدكتور فتحي طاش، سمعت فيها من العالمين الكبيرين استعراضا ممتعا عن المقتنيات الثمينة والنفيسة لمكتبة جامعة عين شمس العريقة من المطبوعات النادرة، والبرديات الأصلية العريقة، والمقتنيات الثمينة من العملات النادرة، والوثائق الأصلية، والكتب النادرة، والتي منها نسخة كاملة من كتاب (وصف مصر) يشتمل علي الأجزاء التي لا تتوافر في بقية نسخ الكتاب الموجودة في عدد محدود من جامعات العالم ومتاحفه، وانصرفت من الجامعة المصرية العريقة وأنا ممتلئ بأمل عظيم يهتز له وجداني، وأقول في خاطري كم أنت عظيمة يا مصر بعلمائك ورجالك وأبطالك وكتابك ومواهب أبنائك وعقولهم العبقرية وهممهم العظيمة، ومهما تزاحمت الأزمات، أو ضاقت الأرزاق، أو تسرب اليأس إلي بعض النفوس، أو تلاطمت أمواج الأحداث العاصفة حوله، فلايزال هذا الوطن حافلا بالحياة والإرادة التي تسري في أعماقه، والتي يريد الله تعالي لها ألا تموت، والتي ينبعث بها الأمل من جديد، وتولد بها الحضارة من جديد، ويحيا بها الوطن من جديد، وكنت قد قلت في كلمتي في افتتاح المؤتمر أيضا إنني أتمني أن نري من شباب الباحثين العباقرة الموجودين في المؤتمر والمشاركين في أبحاثه وجلساته وأقرانهم في الجامعات المصرية المختلفة من تتوهج همته، وتتألق طاقته البحثية، ويتحدي كل الأزمات والظروف الصعبة، حتي تسطع شمسه، وينال جائزة نوبل في الكيمياء خلال سنوات قليلة قادمة، وليكمل المسيرة ويضيف جديدا إلي سجل الشرف، حيث لم يحصل علي نوبل في الكيمياء عالم عربي من قبل سوي اللبناني المسيحي إلياس جيمس خوري سنة 1990م، والمصري المسلم أحمد زويل سنة 1999م، فأتمني أن يخرج من جامعاتنا من ينال عن قريب من يبدع ويبتكر، ونجتمع مرة أخري بعد سنوات لنحتفل به، ولتحتفل به مصر كلها، وليكون امتدادا لأحمد زويل، ومصطفي السيد، ومجدي يعقوب، وفاروق الباز، وهاني عازر، وعلي مصطفي مشرفة، وسميرة موسي، ويحيي المشدّ، وغيرهم من عباقرة الوطن العظام، وختاما فإنني أشكر الدكتور فتحي طاش علي دوام عطائه واستمرار رعايته للبحث العلمي، وإشادته المتكررة وسروره البالغ بأن أكثر الأوراق البحثية في المؤتمر من الجيل القادم الجديد، الذي يبشر بأن استثمار الأساتذة فيهم كان في محله، وأن عطاءهم قد صادف أرضا خصبة، وطبائع مصرية أصيلة وقابلة للتوهج عند أدني تحفيز وعناية، وأشكره أيضا علي الدعوة الكريمة التي وجهها إلي شخصي، وما لمسته في سيادته من الحرص علي أن ننفتح علي بعضنا، وأن تتأسس بيننا الثقة والاعتزاز والتعاون المشترك من جديد، وأن تتضافر عقولنا جميعا وتتلاحم في دعم الوطن، والفرح بثمرات عقوله، وتسخير الهمم والطاقات لصناعة نجاح جديد، ويشرفني أن أكون مطلعا ومشاركا وداعما وخادما لكل أمل مصري يتجدد، ولكل عقل مصري نجيب يتوهج، ولكل إنسان مصري يتحدي الأزمة الخانقة ويثق في ذاته ووطنه، ويعرف قدر ذاته وقدر وطنه، ويرفع رأسه عاليا، وسلام علي الصادقين.