آخر كلمات أبى يحيى حقي

آخر كلمات أبى يحيى حقى
آخر كلمات أبى يحيى حقى

كتبت : نهى حقى

عندما أصبح مؤهلاً لفن كتابة القصة فى أدبنا العربى الحديث.. عاشها واحداً من طليعة مثقفينا الكبار وعاشها أباً روحياً لكل الأجيال التى جاءت من بعده وهو يرعاها فى ثقة وفى التقدم على الطريق وكان شغله الشاغل الإنسان.

مطلوب منى أن أكتب عن والدى وأروى رحلة حياته الجميلة التى عاشها بين الناس وبين كلماته وأفكاره ونظراته وعباراته واجتهاداته وأسلوبه فى الكتابة قرابة قرن من الزمان.. وكان همه الأول هو إمتاع القارئ ومؤانسته.. هذ هو الأستاذ يحيى حقى رحلة خصبة وعميقة فى قلب مصر.. منذ مطلع القرن العشرين ووجدان هذا الأديب الكبير ينمو ويتفتح ويتسع لكل ما حوله من تجارب وخبرات.. عاش أياماً ممتلئة حافلة.. عاش تواريخ متصلة عريضة.. عاش أحداثاً كثيرة ومحطات عديدة فى حياته أحداث شغلت صورة مصر.. صورة هذه المنطقة من العالم.. ومحطات كثيرة فى حياته شغلت وجدانه وكتاباته.. وهذه الرحلة الطويلة والخصبة عكسها هذا الكاتب فى كتبه ومؤلفاته..

وعندما أصبح مؤهلاً لفن كتابة القصة فى أدبنا العربى الحديث.. عاشها واحداً من طليعة مثقفينا الكبار وعاشها أباً روحياً لكل الأجيال التى جاءت من بعده وهو يرعاها فى ثقة وفى التقدم على الطريق وكان شغله الشاغل الإنسان.. دراسته والعمل إلى الوصول إليه بالأسلوب الثرى الصادق والقريب إلى قلب ووجدان القارئ..

 

وأهم ما كان دائماً ينادى به فى جميع قصصه هو الارتقاء بشأن الإرادة.. عاش مع البسطاء وللبسطاء والمهمشين وقلبه ينبض حباً لهم.. و«أستمخ» من نجم الحفلة من أجله ذهبت إليها وعدت مرتوياً من فيضه ولكن قلبى مع الكومبارس الواقف إلى الوراء فى الظل..

هذا هو أبى الإنسان المتواضع الخجول من كل كلمة تسىء إلى الإنسان وأعترف أننى طيلة رحلة حياته لم أسمع منه قط أى كلمة نابية تخرج من لسانه.. وكان يتعلم دائماً بلسان واحد ما يشعر به بلا تملق أو بلا مشاعر ويكره التسلق للوصول إلى الغاية..

وحيث كان دائماً يردد على مسمعى هذا البيت من الشعر «كان الغبن لو ذلوا ونالوا خميالكم وقد ذلوا وخابوا» وكلماته التى لاتزال فى قلبى التى تقول أنى أمقت الكذب والرياء والنفاق والخداع لا لأنها تصحبنى بأذى بل لما أرى آذاها لأصحابها أنها تستح البشر وعندما يذكر اسم الأديب القصاص الأستاذ يحيى حقى تذكر على الفور قصته قنديل أم هاشم وقصة البوسطجى وكأنه لم يكتب إلا هاتين القصتين.

 

ورغم هذا هو يمتلك سلسلة إبداعية وإنسانية من القصص القصيرة التى تنغمس فى قلب القارئ ومن اللوحات القصصية المتميزة التى رسمها بصدق وبجمال يستحق أن يتعرف عليها القارئ.. وله قصص نستنشق روح الدعابة التى يمتلكها الكاتب والمعانى الإنسانية والفكرية المتميزة.. وتراث الأستاذ يحيى حقى يمتد إلى عالم الفنون لكل أطيافها أرخ لها وكتب عنها بعيون ناقد فنى عالم ببواطن وأسرار تنغمات الفنون فكانت تعانى معى إلى الكونسير وفى محراب الفن..

وسهرايه فى الفن الشعبى.. وامتدت الكتابات إلى السينما وعالم الفن السابع والمسرح وتاريخه فى مصر ومسرحياته وأبطاله.. مشوار فنى طويل صورها برؤية فنان متمكن ولابد أن أذكر أهم كتاب وأحب كتاب إلى نفسى بعنوان صفحات من تاريخ مصر..

وهو الأستاذ يحيى حقى صفحاته تاريخية من عماق تاريخنا وكان يعتبر نفسه كما كان يقول جبرتى مصر الحديث. وعبقرية الأستاذ يحيى حقى تعود أن كتاباته التى كتبها من النصف الثانى من القرن الماضى تقرأ فى عصرنا الحديث وكأنها كتبت الآن.. لا يوجد اغتراب، بل عصرية وحديثة تعيش العصر الحالى، وعندما أتحدث عن أبى يحيى حقى الأب والحنان.. صاحب العطاء..

 

صاحب التسامح والذى يصاحب الإنسانية بكل معانيها وأن أشكر الله العلى العظيم الذى قدر لى أن يكون يحيى حقى أباً لى واختياره هذا من نعم الله ورضا الرحمن علىّ..

ورغم ذلك فإن تدابير القدر أن تكون بعد المسافات بيننا لرحيل آمن وأنا طفلة رضيعة عشت فى كنف جدتى الغالية إلا أن قرب المشاعر لا تعرف مساحة إلى المساحة الأبوية وحنانه المتدفق وعمق الصداقة والأمان والاطمئنان عشت أعتز بكلماته التى تعيش فى قلبى لكان الأدب والأم والصديق.. تجربة عميقة وفريدة شكلها القدر وشكلت حياتى واهتماماتى الفكرية والأدبية والفنية التى تأثرت بها من خلال وجود أبى الغالى الأستاذ يحيى.. هى مشاعر تصاحبنى فى رحلة حياتى فترى حياتى..

وأننى أشارك الساحة الثقافية بتكريم الأديب يحيى حقى هذا العام وأننى أكرمه دائماً فى قلبى ومشاعرى برد طاقة المحبة التى ظللت أنت حياتى هذا الإنسان الكريم أحب المعانى الجميلة وأحب أهل بلده وأحب كل من تعرف عليه وأن كل من عرف الأستاذ يحيى حقى قد أحبوه ولايزالون يذكرونه لأنه أحد الرموز من أبناء مصر العظيمة وسيظل قنديله يضىء الساحة الثقافية وسيظل يقطر فى حياتنا الثقافية الأدبية والفنية وآخر كلماته ولا ولوج إلى ساحة السعادة فى اعتقادى إلا من أهم أبواب ثلاثة الإيمان.. الفن.. الحب.

اقرأ ايضا | بروفايل| «يحي حقي».. «صاحب القنديل» يضىء سماء الدورة الـ52 لمعرض الكتاب