عقب حادثة قطار البدرشين وقف أحد الجنود الناجين أمام الكاميرا يشكو سوء الوضع داخل القطار أصلًا، وفي نهاية كلامه قال «مش معاملة دي إحنا صعايدة ونعرفوا الرسول»
كثيرًا ما يسأل الواحد نفسه كيف كانت الأمور ستسير لو أن الدعوة هبطت علي سيدنا النبي في مصر؟ نسيت السؤال لفترة ثم تذكَّرته من جديد إثر رواية إحدي العائدات من عمرة لقصة السيدة المصرية التي كانت تزور قبر النبي وأطالت الوقوف فانزعجن حارسات المقام فأبعدنها بقدر من الخشونة.
هذه السيدة محبّة بالفطرة لسيدنا النبي مثل عامة المصريين، هي التي تهدهد حفيدتها علي أنغام «ميتي أشوفك يا نبي»، وتحصّنها بـ«اسم النبي حارسها»، تستقبل ضيفها بابتسامة «إحنا زارنا النبي»، تعاتب علي قلّة الكرم وسوء الاستقبال بـ«ده النبي فرش عبايته لنسيبه»، وهي التي تفض مشاجرات تكبر أو تصغر بـ «صلّوا علي النبي يا جماعة».
هناك نكتة لم أكن أحب أن أستخدمها -لأن الحديث ليس موضعًا للنكات- لكنها تلخِّص أمورًا كثيرة، تقول إنه في خطبة الجمعة وقف الخطيب علي المنبر يقول «خد بالك من جيل هذه الأيام، فإذا قالت لك ابنتك إنها رايحة الدرس فلا تصدّقها، فهي ذاهبة للقاء الحبييييييييب»، فقال المصلون خلفه «عليه الصلاة والسلام»، هذه النكتة تكشف لنا من جانب حال كثيرين يجلسون في خطبة الجمعة أذهانهم مشغولة بأمور أخري غير الخطبة، لكن من جانب آخر تشرح كيف أن الانتباه كله يحدث إذا ما مرّ اسم سيدنا النبي بكل تجلياته (طه وأحمد والحبيب).. حالة يقع فيها الانتباه لا إراديًّا، لأنه فعلًا الحبيب بالفطرة في قلوب المصريين ويعملون ألف خاطر لاسمه ويتجاوزون في ذلك حدود المقبول أحيانًا فيقسمون بـ(وحياة من نبّا النبي) أي مَن جعله نبيًّا (من الممكن أن يقسموا بالله مباشرة لكنهم يعرجون علي الحبيب في الطريق).
عقب حادثة قطار البدرشين وقف أحد الجنود الناجين أمام الكاميرا يشكو سوء الوضع داخل القطار أصلًا، وفي نهاية كلامه قال «مش معاملة دي إحنا صعايدة ونعرفوا الرسول». وقبل أن يتوقَّف الدوري ذهبت إلي الاستاد في عز الفوضي، حيث لم تكن هناك تذاكر دخول، مجرد موظف أمن علي البوابة قلت له «صحافة» فدخلت، ثم سأل آخر كان قريبًا مني «وأنت تبع إيه؟»، فقال له «أنا تبع سيدنا النبي»، فقال الموظف «عليه الصلاة والسلام اتفضل».
نشأة الدعوة في محيط الكفار قساة القلب شد أزر الدعوة وجعلها تشب صلبة وعفيّة، وهذا ما كان ليتحقَّق لو كانت الدعوة قد شبَّت هنا في محيط المحبين.. المجاذيب.
ليغفر الله لنا عفويتنا التي تجعلنا نتجاوز حدود اللياقة أحيانًا من فرط المحبة، لدرجة أننا نتجرَّأ فنوسط النبي بطفولة شديدة في أصغر الأشياء.. اللي يحب النبي يصقف.