حياة كريمة ترعى أسر أطفال حادث أشمون

حياة كريمة ترعى أسر أطفال حادث أشمون
حياة كريمة ترعى أسر أطفال حادث أشمون

كتبت : إيمان البلطي

إنسانية الرئيس

تابع الرئيس عبدالفتاح السيسى الحادث، وكلف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء بالشروع فورا في بناء كوبري يربط بين بلدتي القطا بالجيزة وعزبة التفتيش بأشمون المنوفية لتسهيل حركة السير والتنقل، وأضاف المهندس محمد ربيع منسق عام مبادرة «حياة كريمة» بالمنوفية أنه جارى حصر عدد المعديات بالمنوفية واستبدالها بكباري، إلى جانب صرف مبلغ ٢٠ ألف جنيه لكل أسرة فقيد ومصاب. فيما صرح اللواء إبراهيم أبو ليمون محافظ المنوفية بأنه  قد تم صرف مبلغ مليون و٦٠٠ ألف جنيه لأسر ضحايا ومصابي حادث أشمون عن طريق التضامن الاجتماعي. 


مبادرة «حياة كريمة» لم تكتف فقط بالتعويضات المادية، بل أنها سعت من اللحظة الأولى في هذا الحادث أن تنشل جثامين المتوفين في الواقعة وإتمام عمليات دفنهم ومساعدة الأهالي في سرادقات العزاء وتسهيل كافة إجراءات الدفن. 

بعد أن أنجبت "أمل"، ظلت تناجي ربها أن يرزقها بالولد طوال ١٤ عامًا، وبالفعل استجاب الله دعائها ورُزقت بـ "سعيد"، وشاء المولى أن يختبر صبرها وكانت من مضاعفات حملها بالولد أن أجرت عملية جراحية بعد إصابتها بورم في الرحم وتم استئصاله، صبرت على بلائها وتفرغت لرعاية ابنها وابنتها الكبرى، حتى شب "سعيد" وبلغ العاشرة من عمره، وعندما رأى الصغير حال الأسرة وضيق رزقها نزل مع الصبية ليعمل معهم في جمع البيض من مزارع الفراخ والفلفل الأخضر من المزارع الموجودة على الطريق الصحراوي، على هذا الحال ظل الصغير يعمل حتى بلغ الـ ١٣ من عمره، وكان ممن توفاهم الله في حادث أشمون البشع، والتي راح ضحيته سعيد و٧ أطفال كانوا يعملون بصحبته، فيما أصيب ١٤ آخرين. في السطور التالية تفاصيل هذا الحادث البشع، وتفاصيل القرارات التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي لمنع تكرار هذه الحوادث مرة آخرى. والتى كان منها تكليفه لمبادرة "حياة كريمة" بحصر أسر الضحايا وصرف التعويضات اللازمة، بجانب تكليفه بحصر عدد المعديات الموجودة واستبدالها بكباري.

 

سيطرت مشاعر الحزن على عزبة التفتيش التابعة لمركز أشمون إثر غرق سيارة محملة بالعمالة غير المنتظمة، يتراوح أعمارهم ما بين ١٣ إلى ١٧ عاما، وقد كانت السيارة بها عدد من الأطفال الذين يعملون بمزارع الفراخ لجمع البيض وكذلك مزارع الفلفل الأخضر بمزارع الصحراوي، ليساعدوا أسرهم الفقيرة؛ يتنقلون من قريتهم كل يوم إلى محافظة الجيزة محملين فى صندوق خلفي في سيارة ربع نقل ويعبرون الشاطئ الآخر إلى قرية القطا بشمال محافظة الجيزة، عن طريق معدية، سعيا للقمة العيش، ويعودون عصر كل يوم فرحين بما تقاضوه من أموال مقابل جمع البيض، وفى نفس صندوق السيارة الربع نقل يعبرون معدية القطا ليصلوا إلى الشاطئ الآخر للنيل بعزبة التفتيش.

على هذا الحال كانوا يقضون يومهم، أطفالا ولكنهم رجالا فى تحمل المسؤلية، يعودون إلى بيوتهم، ويضعوا كتبهم، ويذاكرون دروسهم،  فمعظمهم بالمرحلة الإعدادية، وبعضهم للظروف المعيشة البسيطة  حرم من التعليم حتى يساعد أسرته، ويكون هو الشخص الذى ضحى من أجل سعادة الآخرين.

يوم غير عادي

يوم الحادث غير أي يوم مر على هؤلاء الصبية، دقت الساعة ٣ وانتهى الأطفال من عملهم بمزرعة الفراخ، وصعدوا إلى الصندوق الخلفي للسيارة الربع نقل، وركبوا جميعا، ونزل السائق من السيارة ليشرب سيجارة كما قص بعض أهالى الضحايا، ونزل بعض الأطفال ليشتروا بسكويت ليأكلوه، وقام أحد الشباب بتشغيل السيارة استعدادا لصعود المعدية، وما أن دارت السيارة إلا واختلت الفرامل وسقطت السيارة فى النيل، كان وقتها فيضان النيل شديدا، وهو ما جر السيارة بعد سقوطها في قاعه، وسحب التيار السريع الأطفال كل منهم فى مكان، تعالت الصرخات، وبناء عليه نزل الصيادون الموجودون على الشاطئ واستطاعوا أن ينقذوا عدد كبير من الموجودين،  وتولت فرق الإنقاذ النهري البحث وتم انتشال عدد ٧ جثث، وتم العثور على جثة شروق ياسر اخر ضحية لمعدية القطا _عزبة التفتيش الساعة ١٠ صباحا بعد فقد الأمل في العثور عليها عثروا عليها بملابسها كاملة عند معدية ابو غالب _أشمون  وسوف يقام سرادق للعزاء جماعي وسيحضره المحافظ  وتم إنقاذ عدد ١٤ طفلا.


انتقلت أخبار الحوادث لموقع الحادث، منازل القرية كلها مغلقة، وجميع من بها من نساء وشباب ورجال وأطفال عند شاطئ المعدية فى حالة بكاء ونحيب وصرخات متقطعة ينادون البحر بأسماء أولادهم، ويناجون الله عز وجل أن يجعل جثامين أبناءهم تطفو على سطح المياه.ملامح وجوههم مليئة بالتشققات ليس من كبر السن بل من فرط بكائهم على فقد أبناءهم، فلذة أكبادهم، والذين كانوا مصدر دخل لهم.


جوازة ما تمت 

"كنا هنتجوز بعد عيد الفطر مباشرة"، بتلك الكلمات بدأ  "على سعيد" خطيب "زينب عبد المؤمن عبد العزيز عبد القادر" البالغة من العمر ١٦عاما، والملقبة فى قريتها بعروس البحر من شدة جمالها، وهى أول جثمان تم انتشاله من الغرق، حديثه، حيث قال: "تركت زينب الدراسة لتعمل وتساعد والدتها وأسرتها الفقيرة فلديها ٣ أخوات صغار جدا وهي تساعدهم، وتوفر المال لتشتري به جهاز العرس" وأضاف: "عمرها ما فرضت شئ عليا، الوحيدة اللى وافقت عليا بقليله وكانت دائما بتساندني وتساعدني، كنا خلاص هنتجوز بعد عيد الفطر". بنظرات كلها حسرة وحيرة تنظر والدة الشهيدة زينب إلى جهازها قائلة: "عليك العوض يارب، أنا كنت حاسة إنها هتموت وقلت لها متروحيش النهاردة، وغطتها وخلتها تنام، ولكن لأن ظروفنا صعبة قامت وخرجت، ولما لحقتها رفضت ترجع البيت لأنها حترجع ب٥٠ جنيه يومية قبض اليوم".


البطل

لم يكن  "محمد صبرى"  صاحب الـ ١٤ عامًا، داخل السيارة وهى تغرق فى المياة، لأنه كان في هذا الوقت يشتري بسكويت من سوبر ماركت بجوار المعدية، وعند عودته ورأى الحادث، ورأي زملاؤه وابناء قريته يغرقون تحت الماء، نزل وأنقذ اثنين، وعندما نزل لينقذ الثالث خارت قواه ومات بصحبة من مات.


تقول والدته: "محمد خرج ليعمل باليومية ليوفر مصروفات الدراسة ويوفر مصروفات النادي الذي يتدرب فيه، فكان فى عضوية نادى رياضي بالقاهرة لتدريب كرة القدم للناشئة، وكان محترفا، يوم الحادث كان معه ١٠٠ جنيه وضعها فى ملابسه يدخرها ليوم الذهاب للنادي حتى لا يطلب منى فلوس،
رجعت الفلوس وكانت فى جيبه ورجع محمد جثمان وإن شاء الله هفضل احتفظ بالفلوس لأنها آخر حاجة بتفكرني بيه".


ساجدة

ختمت القرآن الكريم مرتين واللي خرجوها من النيل قالوا لي إنها كانت ساجدة وده كانت هيئتها لما ماتت"، بتلك الكلمات بدأت والدة الشهيدة "هاجر عبد الصمد السيد" صاحبة الـ ١٣ عامًا، والتى تدرس بالصف الأول الإعدادي. وتضيف: "هاجر خرجت تعمل باليومية لما لقت حمل المصاريف عليا ثقل قالت لي هساندك واساعدك، واصرف على تعليمي واجيب فلوس دروسي، وكانت فى حالها من الشغل للدروس للبيت، ونحن لانملك منزل لنا ونعيش جميعا فى حجرة بمنزل العائلة، وكانت دائما تقرأ القرآن الكريم وختمت حفظه مرتين، والناس وهما بيخرجوا جثمانها ثاني يوم بحث قالوا لي وجدوها فى موضع السجود".


أما عن الضحية الخامسة،  فقد كان الطفل "زياد أحمد حسن" صاحب الـ ١٣ عامـا، والذي قال عنه أحد أهالي قريته والذي ساهم في استخراج جثمانه أن وجهه كان مبتسمًا للدرجة التي معها لم يصدق أنه مات.


تقول والدته: "زياد امتحن أول يوم أعمال السنة أولى إعدادي يوم السبت وبعدها قال لى حروح اشتغل يومين الاجازة ويوم الحادث قام قبل الفجر ولقيته حضني جامد وبعدها قام وفتح الباب وقال الجو ظلام وأغلق الباب وأخذته فى حضنى وبوست رأسه، و أول ما أشرقت الشمس قال عايز أفطر وأول مرة يفطر قبل ما يذهب للعمل، وقالى عايز ١٠ جنيه واعطيته الفلوس بعدها طلب منى جونتي لأن إيده بها جرح وجد يد واحدة من الجونتي ولم يجد الأخرى فلبسها ومشي للشغل ورجع لبسها فى ايده بس وهو ميت، كان سندي وحياتي رغم إنه صغير، كانت الناس بالعزبة بتهزر معاه وتقوله شايل الهم بدري ليه يا زياد لو كبرت وكنت حتتجوز حيكون شعرك شاب وظهرك اتحني كان يضحك ويسكت".


تؤمتان

خرجت "هدى نبيل عبد الرسول"  للعمل مع توأمتها "دعاء"، نجت هي من الغرق وماتت توأم روحها "دعاء"، وخلال مقابلتنا معها لم تتمكن من الكلام كما لو انها فقدت النطق، لم تتذكر أي شيء كما لو أنها أصيبت بالزهايمر، وبعينٍ تملؤها الدموع وحالة من التوهان الشديدة بادية عليها لم تقل غير أن صياد من الصيادين هو الذي قام بإنقاذها.

 


أما عن صاخبة الـ ١٤ عامًا، ندى، فقد تركت التعليم لتساعد والديها فى المعيشة ولتعلم شقيقاتها الأربع الصغار. عنها تقول والدتها: "كانت يوم الحادث مريضة جدا وتلزم الفراش وقلت لها لا تذهبي للعمل هذا اليوم ولكنها رفضت فهى تعمل منذ ٣ سنوات بمزرعة البيض ثم بمزرعة الفلفل الأخضر وكانت تتحمل كل الظروف ولو على صحتها ودائما حاسة بالظروف اللى بنعشها، وأهي رجعت ميتة".


افتكروها ماتت 

تجولت جريدة "اخبار الحوادث" لتلتقي ببعض الناجين من الغرق، وكانت من ضمن الناجين، "شروق سامى" والتى أصيبت بكسور متفرقة بجسدها وكذلك تراكم مياه علي الرئتين. وداخل بيتها البسيط وحيطانه المتهالكة، ورب الأسرة عاجز عن العمل بسبب مرضه،  قالت شروق: "سائق السيارة ليس له ذنب، هو شخص محترم وطيب واللى حصل غير مقصود ولما العربية وقعت فى الميه أخذنا نصرخ بصوت عالي جدا ونرفع يدنا حتى يرانا أحد، وبعدها اخذت اردد الشهادة أنا واللى كانوا معايا وفقدت الأمل إننا نعيش ولاقيت محمد صبرى نزل وشدني وخرجني من الميه أنا وسعيد، وغطوني بملايه كانوا مفكرين إنى مت وبعدها عمتي كشفت وجههي وقالت لا دي عايشة، وأنا كنت بتنفس ببطئ والاسعاف اخذتني للمستشفى وتاني يوم المستشفى خرجتني.


وأضاف والدها أنه يريد علاج ابنته على نفقة الدولة لأن المستشفى خرجتهم بدون عمل أشعة مقطعية وهو شخص مريض ومرضه جعله عاجزا عن العمل، أما الطفل محمد ربيع فوجدناه مكسور بالذراع الأيسر، هذا الطفل أنقذ نفسه فقد سقط على حافة المعدية فارتطم الحديد بذراعه الأيسر، وسقط بالماء ولكن رغم الألم الشديد قاوم وانقذ نفسه وخرج من النيل.


اقرأ ايضا | محافظ المنوفية: 1.6 مليون جنيه تعويضات لأسر ضحايا ومصابي حادث معدية المناشي