اضطررت أيضا أن أراجع »عقلانية»‬ الفيديوهات التي أطالعها لأطفال غزة القتلي، و مذابح داعش، بل »‬للثورة المصرية» نفسها! و قررت ألا أراها بعد اليوم، حفاظا علي »‬عقلانيتي» مما تثيره من »‬عواطف» حاولت أن أتحاشي رؤية الفيديو المؤلم علي مواقع التواصل الاجتماعي لمشرف دار أيتام الهرم، وهو يحاصر الأطفال »‬اليتامي» ويضربهم ضربا مبرحا بالخيزرانة، وهم يفرون منه ألما و هلعا . لكنه حاصرني علي كل القنوات التليفزيونية، فشاهدته، مرغمة. أنا المواطنة »‬المرهفة الحس» أحيانا،، التي تريد أن تستريح – و لو لليلة- من كل مشاهد القسوة التي تطالعنا منذ الصباح حتي تبيت في كوابيس نومنا . ولكنني لم أصدق -والله- أن هناك »‬مسؤولين» في مصر علي نفس القدر من »‬رهافة الحس»، ومن ثم، فقد»تضامنت» مع وزيرة »‬التضامن»، التي، علي حد قولها : ( في مداخلة مع مجدي الجلاد علي قناة cbc مساء الأحد 3/8) »‬لم تكمل» رؤيته! أسعدني جدا أن تكون »‬المسؤولة الأولي» عن هذه الدار مرهفة الحس مثلي، و أن تعترف –وهو أضعف الإيمان- بورود بلاغات عن انتهاكات تصل إلي حد الاعتداء الجنسي علي مثل هؤلاء اليتامي. في المداخلة نفسها تحدث مسؤول آخر، صرح أنه لم ير الفيديو( الذي كان يعرض مرارا و تكرارا علي جانب الشاشة)، لكنني من خلال الحوار اكتشفت أن السيد »‬محافظ الجيزة» لم يشاهد الفيديو لأسباب أخري، لاعلاقة لها برهافة الحس، التي تميزني ووزيرة التضامن، و إنما حسب كلامه : لأنه لايريد أن يحكم »‬حكما عاطفيا» و إنما »‬عقلانيا»! و مستنكرا : هل سأحكم علي شئ من خلال فيديو؟!، معه حق، العقلانية التي تعلمناها في البحث العلمي تقول :إن الفيديو قد يكون »‬مفبركا»، لكنها تقول أيضا إنه قد يكون صحيحا! تصور؟! و لكي تحكم علي صحته من عدمها، لابد أن تراه، و لو لمجرد »‬الفضول» وهو شرط المعرفة والعقلانية، فمابالك لو كنت »‬مسؤولا» ! في الحقيقة لقد فكرت طويلا في المنهج »‬العقلاني» لمحافظ الجيزة، ولا أنكر أنني حسدته علي قدرته المدهشة علي التجرد العلمي الذي لاتشوبه العواطف في سبيل التوصل لنتيجة علمية »‬للظاهرة المدروسة»،، فكرت، وحسدت السيد المحافظ، مرة أخري- لأنه – فيما بدا لي- لم يتلق تعليما كاملا بين المصريين في المدارس الحكومية، ولا يتلذذ مثلي ومثلهم، بتعذيب نفسه، ولا يقشعر بدنه،إذ تدهمه –وهو يري اليتامي الصغار- ذكريات عذابات طفولته؛ واقفا في طابور الصباح في شتاء قارس يحك يده، في المريلة »‬تيل نادية» ليدفئها قليلا، كي يخفف من لسعات العصا، و لا أنكر أنني شعرت أن هما ثقيلا انزاح فجأة من فوق كاهل »‬عقلانيتي»، لكن السعادة لا تدوم، خاصة للعقلانيين، إذ قفز فورا إلي عقلي سؤال : من أين يستقي السيد المحافظ معلوماته عن محافظته؟! فلو أنني قمت، مثلا، بتصوير »‬وصلة» الدائري من طريق الواحات، التي رصفت من شهرين، بفجواتها المنثورة، بدهاء، كالفخاخ، فلن يصدقني السيد المحافظ، .إلخ ! كيف أخبرك عن مشاكل محافظتك، إذن؟! أكتب لك خطابات علي الكومبيوتر كشكاوي الفلاح الفصيح؟ ومن أدراك أنها ليست شكاوي »‬كيدية»؟ أكتب لك خطابات بخطي وعليها توقيعي؟ لم لا يكون التوقيع »‬مزورا» ؟ كيف نخاطب »‬عقلانيتك» يا سيادة المحافظ؟! أنا علي استعداد، و الله، أن أتخلي عن شهاداتي الجامعية و العلمية و مايقرب من خمس عشرة سنة من التدريس في الجامعة و »‬أبصم»، لكن :» تفتكر حتصدقني لما »‬أبصم» ياسيادة المحافظ »‬؟!