أحمد سيد
أيام قليلة ونحتفل بالذكرى السنوية لواحد من أهم صناع السينما فى مصر والعالم، المخرج الكبير يوسف شاهين، الإسكندرانى ابن البلد الذى أجبر الجميع على احترامه واحترام مشروعه الفنى المتفرد والخاص جدا.
ذكرى شاهين لا يجب أن تمر مرور الكرام، وربما جاءت بترتيب القدر فى هذه اللحظة الحاسمة من عمر السينما فى مصر، اللحظة التى تشهد ارتباكا كبيرا، شاهين الذى ظل يعمل حتى آخر نفس كان ملهما ويجب أن تكون ذكراه كذلك.
شاهين، ابن مصر المخرج الكبير لم يضعف ولم يلين، لم يستسلم لظروف سوق أو إرادة منتج، ظل ثابتا مخلصا لمشروعه الفنى الذى امتد وأثر فى أجيال كثيرة، شاهين علم من أعلام الفن ونسائمه مازالت تنعش السينما.
يكفي أن ترى إسمه على تتر أي فيلم حيث تصاب بحالة من الشغف لرؤيته، فهو صنع ثقة بينه وبين جمهوره بأن أعماله ستكون رائعة على مستوى الصورة والقصة والحوار، هذا الأمر لم يأتي بين ليلة وضحاها، بل هي نتيجة مسيرة طويلة من الأعمال السينمائية المتميزة، والتي بدأت مطلع الخمسينيات وحتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وسعى إليه المنتجون من مصر ولبنان وفرنسا والجزائر حتى يشاركوه الإنتاج، وتلمع أسمائهم بجانبه في أعماله.. أنه العالمي العبقري يوسف شاهين، الذي تحل ذكرى ميلاده الـ96 في الـ25 من يناير الجاري.
البداية
ولد يوسف شاهين في 25 يناير عام 1926 بالإسكندرية، لأب لبناني، يدعى جبرائيل، يعمل بمهنة المحاماة، وأم يونانية الأصل، كافح الأب والأم من أجل تعليم شاهين، حيث ترعرع في بيئة مزروعة بالثقافة ومتعددة اللغات، وأصبحت المدينة لاحقا محور حياته، وخلد إسمها في كثير من أعماله.
كان شاهين يعشق مسرحيات هوليوود الموسيقية، لذلك تعلق بشكسبير، وشجعه والداه، وغادر إلى كاليفورنيا لتعلم التمثيل، كما درس السينما وفنون المسرح لمدة عامين في معهد «باسادينا» المسرحي بالولايات المتحدة، ومن بعدها عاد إلى مصر، وساعده المصور السينمائي ألفيز أورفانيللي ليبدأ عمله في صناعة الأفلام، ليصبح شاهين من أهم المخرجين في مصر، حتى أنه لقب بـ «الأستاذ».
أول أفلامه
شاهين كان محظوظ في عمله الأول، والذي حمل إسم «بابا أمين»، وعندما عرض الفيلم بالسينما لقى ترحاب شديد من الجمهور والنقاد، وهو ما ساهم في تثبيت أقدامه فنيا، ليخطو لعمله الثاني بثقة، وهو فيلم «إبن النيل».
وبرغم من أن العملين يعدا أولى خطوات شاهين السينمائية، إلا أنه صنع جسرا من الثقة بينه وبين الجمهور، كما وصفته الصحافة وقتها بأنه مخرج طموح يسير بخطوات ثابتة وسريعة.. فيلمه الثاني «إبن النيل» لم يحقق فقط نجاحا داخل مصر، بل أيضا شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان السينمائي».
عشق الإسكندرية
أتسمت أغلب أفلام شاهين بالعمق، حيث شارك شاهين في كتابة السيناريو الخاص بالنسبة الغالبة من الأفلام التي قدمها، وقد بلغ رصيد شاهين الفني مايقرب من 50 فيلما سينمائيا طويلا، ومنهم 5 أفلام قصيرة، كما شارك في إنتاج عدد من الأفلام.
تعلق شاهين بالإسكندرية حتى أصبحت جزء من أفلامه، وحرص على تقديمها دائما في أبهى صورة، ويعكس من خلالها التطور الثقافي والفني والإجتماعي والسياسي الذي طرأ عليها، وأحيانا أخرى سيرته الذاتية، لذلك كانت الإسكندرية حاضرة بقوة في 4 أفلام هي «إسكندرية ليه؟، إسكندرية نيويورك، إسكندرية كمان وكمان، حدوتة مصرية».
ذاتية شاهين
قدم يوسف شاهين أعمالا عبر فيها عن حياته الشخصية وسيرته الذاتية، وذلك في 4 أعمال مرتبطة ببعضها البعض، قدم خلالها سيرته الذاتية، بداية من ميلاده، ونقل خلالهم جانبا كبيرا من مشواره الفني، وأهم لحظات نجاحه وفشله، وصراعاته النفسية، ومشاكله الأسرية، ولم تقف هذه الرباعية السينمائية، عند حدود نقل سيرة ذاتية لمخرج، بل كانت تسعى لتقديم جانب من الحياة المصرية، كانت بداية رباعية سيرة حياة يوسف شاهين عام 1978، حيث قدم فيلم «إسكندرية ليه»، وشارك بنفسه في كتابة الفيلم مع الكاتب محسن زايد، لم يقدم خلاله جانبا من سيرته الذاتية فقط، إذ يقدم الفيلم طبيعة الحياة الإجتماعية في الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية.
أما الفيلم الثاني «حدوتة مصرية» الذي عرض عام 1982، يتناول الفيلم الأبعاد الإنسانية في شخصية شاهين.
الفيلم الثالث «إسكندرية كمان وكمان»، عرض عام 1990، وشارك في كتابة الفيلم كل من شاهين وسمير نصري ويسري نصر الله، ويتناول الفيلم قصة صراع الممثلين والفنانين مع السلطة الحاكمة، حيث دارت الأحداث حول اعتصام الممثلين في النقابة احتجاجا على سلطة القمع التي اتبعتها الحكومة ضد الممثلين.
«إسكندرية نيويورك» هو الفيلم الأخير في هذه الرباعية السينمائية، عرض عام 2004، لم يقف هذا الفيلم الأخير عند تقديم جانب من حياة شاهين.
إنجازات
حصد يوسف شاهين كثير من الجوائز العربية والدولية، منها جائزة «اليوبيل الذهبي» لمهرجان «كان السينمائي» عام 1997عن مجمل أعماله، خصوصا أنه رشح لجائزة «السعفة الذهبية» من مهرجان «كان» 5 مرات، عن أفلام «ابن النيل، صراع في الوادي، الأرض، وداعا بونابرت، المصير»، كما نجح في تصدر قائمة الأكثر إخراجا بقائمة أفضل 100 فيلم في القرن العشرين بإستفتاء النقاد عام 1996 برصيد 12 فيلما، وهم «المهاجر، الأرض، الاختيار، العصفور، ابن النيل، حدوتة مصرية، الناصر صلاح الدين، إسكندرية ليه؟، عودة الإبن الضال، جميلة بو حريد، باب الحديد، صراع في الوادي».
رحيل
تدهورت حالة يوسف شاهين الصحية بشكل ملحوظ خلال الشهور الأخيرة، حيث تعرض في يونيو 2008 إلى نزيف متكرر في المخ، الأمر الذي أستدعى سفره لتلقي الرعاية الصحية بالخارج داخل المستشفى الأمريكي بالعاصمة الفرنسية، باريس، لكن لم تتحسن حالته الصحية، فعاد إلى مصر، حيث مكث لعدة أسابيع في مستشفى المعادي العسكري.
دخل شاهين في غيوبة لمدة 6 أسابيع، وفي 27 يوليو 2008، أُعلِن خبر وفاة شاهين عن عمر يناهز 82 عاما، وأقيم قداسة داخل كاتدرائية القيام بمنطقة العباسية بالعاصمة القاهرة، ثم تم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقابر الروم الكاثوليك بمنطقة الشاطبي، بمسقط رأسه في الإسكندرية بحسب وصيته.