15 مليار جنيه سنويًا حجم إهدار مخصصات الدعم.. متى يصل «الدعم» لمستحقيه؟!

متى يصل «الدعم» إلى مستحقيه؟!
متى يصل «الدعم» إلى مستحقيه؟!

متى يصل الدعم إلى مستحقيه؟ سؤال يتردد كثيرا فى ظل الفساد المستشرى فى منظومته بمختلف القطاعات، وزيادة عيوب الدعم العينى التى تحول دون وصول الدعم لمستحقيه الحقيقيين، لكن يبدو أن الحكومة عازمة على اتخاذ خطوات جادة للقضاء على هذه المشكلة، خصوصا فى ضوء الاجتماع الذى عقده مؤخرا الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء لمتابعة إجراءات هيكلة الدعم.


فى هذا التحقيق نناقش مشاكل الدعم العينى مع عدد من خبراء الاقتصاد، وهل يكون التحول إلى الدعم النقدى الحل الأمثل لضمان وصول الدعم لمن يستحق فقط، بدلاً من تسرب السلع المدعومة إلى السوق السوداء؟!


لقد كشف الرئيس عبدالفتاح السيسى الحقيقة المرة والفساد الذى يحدث فى إدارة المنظومة الخاصة بالدعم - بمختلف أشكاله - خلال افتتاح عدد من المشروعات فى "أسبوع الصعيد" أثناء مناقشة له مع وزير الزراعة حينما قال نصا: "التسعير نقدر نحله إزاى مع وزارة الزراعة، وكنا قلنا يا جماعة حاولوا تقدموا الدعم المقدم للمزارعين إلى فلوس.. عاوز أدى للفلاح دعم فى شيكارة ولا اثنين طبقا للمعايير المعمول بها للفدان، طيب ما ادهاله دعم نقدى علشان أحرر وأمنع الفساد المحتمل فى إدارة المنظومة اللى ماشيين فيها".


وأضاف: "مش دى التجربة بتاعتنا على مدى 50 سنة، طيب التجربة دى مش قابلة للتصويب وده معناه إن اللى قبلنا مش كانوا وحشين.. لكن التجربة قالت إنها لازم تتصلح.. نصلحها ولا نقعد نتفرج عليها؟.

. كلموا الناس زى ما أنا بتكلم هتجدوا الناس معاكم أكتر مما تتخيلوا، لأن الناس عاوزة المصلحة والمــواطــن عــــاوز المصلحة ومصلحة بلـــده واستحمــل معــانا الســـبع ســـنين اللــى فـــاتوا فـى إجـــراءات صعبة جدا، لأنه حس بفطــرتــه وذكــائـــــه إن فعـــــلا فــــيه محـــاولــة للإصـــلاح مــن جــانب الدولة".


لكن لماذا وصل بنا الحال لهذه الدرجة التى تحول فيها الدعم إلى نقمة بدلا من أن يكون نعمة؟ ولماذا أصبح أحد الأبواب الواسعة لعبور الفساد، واستنفاد موارد الدولة فى غير موضعها الحقيقي؟!


الحقيقة أن الأسباب والظروف التى جعلت الدولة فى فترة من الفترات تقرر "الدعم التموينى" فى مصر هى نفسها التى تستوجب إلغاءه.. لقد تعرضت مصر خلال فترة الحرب العالمية الثانية عام 1939 لنقص شديد فى السلع الأساسية التى يحتاجها المواطنون، فسارعت الحكومة وقتها بتشكيل مجلس أعلى للتموين (اللجنة العليا للتموين) برئاسة وزير المالية وعضوية كلٍ من وزراء الزراعة والصناعة والتجارة والدفاع الوطنى.


ومع تفاقم أزمة نقص الغذاء تم إنشاء وزارة للتموين عام 1941، بهدف توفير السلع والاحتياجات الأساسية، وفى يوليو 1943 صدر مرسوم ملكى بتحديد اختصاصات وزير التموين وسلطاته لتوفير السلع الأساسية وضبط الأسواق بهدف السيطرة على الأسعار ومواجهة الغلاء، وفى عام 1945 صدر المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الذى ينظم حركة التجارة وتوزيع السلع التموينية فى مصر، كما تقرر العمل بالبطاقات التموينية واشتملت مقررات الدعم التموينى فى السنوات الأولى على سلع السكر والزيت والشاى والكيروسين وبعض الأقمشة.


وفى عام 1976 تم إنشاء الهيئة العامة للسلع التموينية بهدف توفير كافة السلع الأساسية التى يعجز السوق المحلى عن توفيرها للمواطنين، ولسد الفجوة الاستيرادية الناتجة عن الفرق بين الإنتاج والاستهلاك، ومنذ ذلك الوقت تم إدراج رغيف الخبز ضمن مقررات الدعم التموينى وإضافة المسلى الصناعى والمنظفات وبعض البقوليات من فول وعدس وأرز وقطن التنجيد، وزاد الدعم فشمل الأسمدة والمبيدات والكيماويات للأراضى الزراعية، وكذلك الطاقة سواء للأفراد أو الشركات، ومنذ ذلك التاريخ لم يطرأ أى تغيير أو تعديل حقيقى على هذه القوانين رغم تغيُّر الظروف وكل المعطيات.


وقد أثبتت كل الدراسات والبحوث الإحصائية أن الدعم العينى لم يصل إلى مستحقيه بالصورة المُثلى منذ تطبيقه وحتى الآن، بسبب تسريب مقررات الدعم العينى إلى غير المستحقين، حيث أكدت الإحصائيات أن حجم التسريب وإهدار مخصصات الدعم وصل إلى 15 مليار جنيه سنويا، كما أن الدعم العينى ساعد فى خلق "السوق السوداء" بين حلقات التعامل فى توزيع الدعم، وعدم وصول مبلغ الدعم لمستحقيه بنسبة 25%، بينما يحصل الأغنياء والقادرون على الدعم فى السلع بنسبة تصل إلى 42% و80% على الطاقة والمحروقات.

وفى هذا السياق، صرح الدكتور على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية، بأن فاتورة الدعم ارتفعت من 41 مليار جنيه إلى 63 مليارا وستصل به إلى 70 مليارا خلال العام المالى الحالي، وبما أن إجمالى فاتورة الدعم تصل إلى 300 مليار جنيه، شاملة دعم المحروقات والكهرباء والأدوية، وبالطبع ستخفف من الأعباء الملقاة على كاهل الموازنة العامة حال تحويلها إلى دعم نقدى.


الدكتور مصطفى أبوزيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، يقول: إن تحويل منظومة الدعم العينى إلى نقدى يسهم فى خفض النفقات الضخمة التى تتكبدها الدولة، فضلا عن صعوبة تحديث بيانات متلقى الدعم العينى أو تحرى دقتها، وإجراءت وقواعد تتسبب فى إهدار موارد الدولة، وضعف حصة المواطنين مستحقى الدعم، بالتالى فإن الدعم النقدى يوقف إهدار موارد الدولة ويسهم فى زيادة حصة المواطن من الدعم، ويمكن تسلم المواطنين الدعم نقديا عن طريق المكاتب الحكومية أو تحويله لهم على حساباتهم البنكية، ما يسهل معرفة قيمة مدخراتهم من خلال كشوف حساباتهم والبنك المركزى الذى يستطيع من خلال قواعد بياناته الكشف عما إذا كانوا يملكون حســابات أخــــرى أو لا، مــــا يضــمـن وصول الدعم لمستحقيه.


ويقول الدكتور إيهاب نبيل، أستاذ الاقتصاد: إن ملف تحويل الدعم العينى إلى الدعم النقدى هو ملف مطروح منذ فترة طويلة، وبدأت الحكومة فى تنفيذه منذ فترة، بتقليص الدعم على الطاقة وبعض السلع الأخرى فى مقابل زيادة الرواتب ومعاشات الضمان الاجتماعى كتكافل وكرامة وغيره..

 


إن الدعم النقدى أفضل من الدعم العيني، لأن العينى تستفيد منه طبقات وفئات غير مستحقة ويحدث فيه إهدارا للدعم وفساد، مضيفا أن الدعم النقدى للمواطن هو النظام الأفضل اقتصاديا، على أن يتم الأمر بعد حصر الطبقات المستحقة ويتم تنفيذه بصورة تدريجية، ويمكن استثناء رغيف الخبز من هذا التحول لأنه بمثابة خط أحمر إلى حد كبير مع توفير قاعدة بيانات كاملة للطبقات الفقيرة ومحدودى الدخل من مستحقى الدعم العاملين فى القطاع غير الرسمى والمطلوب حصرهم فى قاعدة بيانات تشملهم، إن جهود الدولة فى الفترة الماضية كانت واضحة فى محاربة الفساد ومن بينها هذا الملف وتم القبض على الكثيرين من المتورطين فيه..


أما "الدكتور فريد محرم..أستاذ المحاسبة بتجارة عين شمس وعميد كلية إدارة الأعمال بجامعة بدر" فيقول:إن الدعم النقدى هو آلية لوقف نشاط السوق السوداء فى تداول السلع المدعومة خارج منظومة الدعم، وهو ما نفذته الدولة المصرية بمنظومة الدعم السلعى بعد تخصيص قيمة مادية للمواطن يحصل عليها بدلا من السلع، بحيث تتيح هذه القيمة المادية والمقدرة للفرد الحصول على السلع التى يرغب بها بحرية ضمن مجموعة من السلع التى تحددها وزارة التموين وتوفرها فى المنافذ التابعة كما تتحكم فى أسعارها..


إن تحرير منظومة الدعم العينى والسلعى إلى الدعم النقدى سيؤدى إلى فتح مجالات للعمل وتعزيز الجودة، وسيجعل الدولة قادرة على دعم الصناعة بشكل عام والصناعات الغذائية بشكل خاص وسوف يتم القضاء على كل أساليب التلاعب وغلق أبواب الأعمال غير الشرعية، ولن يتضرر أحد من المنظومة الجديدة..


ويؤكـــد الدكتـــور ناصـــر محمـــد، الخـــبير الاقتصــــــادي، المسـتشــــار فـــى العـــلاقــــات الاقتصادية الدولية: الدعم النقدى سيظل أكثر استهدافا ووصولا لمستحقيه بصورة أكفأ وأضمن وأنفع للمواطن من خلال بطاقة ائتمانية أو بطاقة الأسرة، بحيث يكون رصيدا نقديا يسمح للمستحق بصرف المبلغ المحدد لأسرته فى صورة سلع غذائية أساسية أو سلع تحتاجها الأسرة من أى منفذ تجارى أو سوبر ماركت يختاره ولا يسمح بصرف مبلغ الدعم النقدى نقدا سائلا وهذا يحقق المنافسة الشريفة بين من يتعامل معهم المستفيد من الدعم النقدى فى السوق والمخابز والبقالين وغيرهم.

 


ويضيف: يجب وضع معايير وضوابط محددة لمستحقى الدعم وإنشاء قاعدة بيانات صحيحة وحقيقية عن مستحقى الدعم من حيث الإنفاق والدخل، وكذلك لابد من وجود إصـــلاح تشــريعــى وقـانـونى يسـاير التحــول النقـدى بمـا يحمــى الفــئات الأكــثر احتياجا والأقل دخلاً من موجات التضخم وارتفاع الأسعار غير المبرر الذى يحدث نتيجة بعض السياسات الاحتكارية، ولابد أن تعمل الدولة على تقنين السوق الموازى ودخوله الاقتصاد الرسمى فمن غير المقبول أن يتم العمل بقوانين وتشريعات تنظم شئون التموين والتجارة لم تتغير منذ عام 1939 حتى الآن.


إن الدعم النقدى المشروط أفضل كفاءة للاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن من الدعم العينى لما له من مزايا عديدة منها أنه يؤدى لرفع كفاءة الدعم وجودة إدارته بما يضمن حصول المواطن على حقوقة التى تمنحها له الدولة، أيضا يعمل على غلق الأبواب الخلفية أمام الفاسدين لانتعاش السوق السوداء بسبب وجود سعرين لنفس السلعة داخل السوق، سعر داخل منظومة الدعم وسعر حر فى الأسواق.

 

اقرأ ايضا | كيف أنقذ مشروع الـ1.5 مليون فدان مصر من أزمة نقص الغذاء خلال جائحة كورونا؟