حديث الأسبوع

مصائب كورنا عند قوم فوائد

عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة
عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة

بقلم/ عبدالله البقالي

ثمة وجه آخر للعملة فيما تخلفه تداعيات وباء كورونا على البشرية من نتائج متباينة، الوجه البارز من هذه العملة يكشف عن حشود هائلة من الضحايا من البشر ما بين 300 مليون شخص فى العالم أصيب بالفيروس، ولم تكن تفصل بين بعضهم عن الموت فى غرف الإنعاش المركز غير الأقدار التى لطفت بهم ، عاش بعضهم الذين أخطأتهم المنية لحظات رعب حقيقية ، وأكثر من خمسة ملايين ونصف المليون شخص الذين لقوا حتفهم بعدما فتك بهم الفيروس، و آلاف الملايين من الدولارات التى تكبدها الاقتصاد العالمى جراء تدابير احترازية تباينت حدتها من لحظة إلى أخرى بسبب الإغلاق والعزل وتعطيل الحياة، وإلى اليوم لم يتوقف مؤشر الأزمات المترتبة عن استمرار الانتظار بسرعات متزايدة ، عن الصعود نحو الأعلى مخلفا أجواء قلق ورعب ليست مسبوقة فى تاريخ البشرية الحديث .

أما الوجه الثانى من عملة الفيروس الخبيث تكشف عن حقائق ومعطيات مذهلة ومحيرة ، يعجز العقل البشرى عن فهمها وبالتالى عن استيعابها ، حيث تكشف عن أثرياء الجائحة الذين تفوقوا فى استثمار الظروف العصيبة التى عاشها ، ولايزال يعيشها ، العالم لمراكمة الثروات الطائلة ، بحيث زادوا ثراء عن ثرائهم الفاحش ، لأنهم نجحوا فى إبداع الأشكال والأساليب التى حولت المأساة لديهم إلى بورصة قيم جنوا منها الأرباح المالية الكبيرة .

التفاصيل المثيرة التى رصدتها تقارير متخصصة تؤكد أن اللاعبين الكبار فى هذه المبارزة العنيفة مع الجائحة ، والذين لا يتعدى عددهم 500 شخص فى العالم عززوا مكاسبهم المالية فى سنة 2021 ، أى فى عز الأزمة الصحية الطارئة التى هزت أركان العالم ، حيث انتقلت ثرواتهم المالية إلى مستويات قياسية، وتعزو التقارير تحقيق هذه المكاسب فى ظروف إنسانية قاسية ، إلى الارتفاعات الهائلة فى أسواق الأسهم وفى أسعارالعملات المشفرة والزيادات المهولة فى أثمان الغالبية الساحقة من المواد الاستهلاكية ، خصوصا الأساسية منها ، وفى تكلفة وسائل النقل والإمدادات وسلاسل الإنتاج، لتزيد ثروات الخمسمائة شخص فى العالم بما يفوق ترليون دولار (وللذين لا يحسنون استيعاب لغة الترليونات ، فإن الترليون دولار يساوى ألف مليار دولار) .
و توضح البيانات التفصيلية لهذه المكاسب أن ثروات عشرة أشخاص من هؤلاء تزيد حاليا على مائة مليار دولار، بيد أن ثروة 200 شخص من أثرياء الجائحة فاقت 10 مليارات دولار، و الأكثر إثارة فى هذه البيانات يكمن أساسًا فى تحقيق أعلى مستوى فى زيادة حجم الثروة المالية لشخص واحد، الذى تحقق فى السنة الماضية بشكل غير مسبوق فى التاريخ الحديث.

وأن صافى الثروة المحصل عليها فى زمن الجائحة على مؤشر ( بلومبرغ) الذى راكمه أصحاب الملايين وصل إلى 8٫4 ترليون دولار، أى أكثر من الناتج الإجمالى لجميع بلدان العالم ، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهى معطيات تكشف عن طبيعة النظام الاقتصادى الليبرالى المتوحش السائد فى العالم، الذى يضع الجزء الأكبر من كعكة الثراء العالمى فى يد أقلية قليلة لاتتجاوز نسبتها العامة من سكان العالم 0٫001 بالمائة ، أى ما قد يقل عن عدد سكان حى صغير فى دويلة صغيرة .

لسنا فى حاجة إلى التوضيح بأن الأمر لا يتعلق بسوء توزيع الثروة العالمية فحسب ، و لا أيضا بالسلوك الانتهازى المفرط لأشخاص قليلين فقط ، ولكنه يؤشر، و بصفة خطيرة جدا ، على أنه وحتى إن تخلص العالم من هذا الوباء الخبيث ، سواء عبر تطور العلوم بالنسبة للقاحات والأدوية المعالجة ، أو حتى بالأقدار ، حيث قد يختفى الفيروس كما ظهر أول مرة فجأة دون أن نتوفر على أجوبة علمية دقيقة ومقنعة لما سيحدث ، بل الأخطر من ذلك كله فإن التعافى من الصدمة القوية الذى تسبب فيها كوفيد 19 على الاقتصاد العالمى لن يكون متكافئا ولاعادلا ، لأنه إذا كان 500 شخص راكموا الثروات المالية فى ظل أجواء الوباء ، فإنه مقابل ذلك تسبب نفس الوباء فى إلقاء بـ 150 مليون شخص فى براثن الفقر والهشاشة الاجتماعية ، حسب ما أكده تقرير حديث صادر عن البنك الدولى ، مع توقعات الخبراء الاقتصاديين بأن هذا الرقم يبقى مرشحا للزيادة والارتفاع ، لأن لا أحد يملك الجواب عن سؤال العمر المفترض لهذا الفيروس، ومن الطبيعى أن يكشف التفاوت فى التعاطى مع كوفيد 19 انعدام التكافؤ من التعافى المحتمل ، لأن مراكمة الثروات الطائلة كانت بكل تأكيد على حساب الضعفاء الذين دفعوا تكلفة الأزمة الصحية من حياتهم وصحتهم واستقرارهم الاجتماعي، ومن مداخيلهم المالية التي، إما توقفت بصفة نهائية ، ووجد هؤلاء أنفسهم عرضة للشارع ، أوتقلصت بنسب كبيرة بمبررات لم تكن مقنعة .

ليس هذا فقط ، بل إن هندسة الثروات المالية العالمية تتعرض حاليا إلى إعادة تشكيل جديد ، فقد تهاوت امبراطوريات مالية نتيجة خسران رهان المضاربات المالية ، والتى أدت فى حالة واحدة مثلا ( عائلة آر كيغوس كابيتال مانجمينت) إلى خسارة ثروة كبيرة بقيمة 20 مليار دولار، مقابل ذلك سجلت انتعاشة كبيرة جدا لمالكى صناعات السيارات الكهربائية التى تغزو العالم ، فاقت ثروة واحد منهم عشرة مليار دولار، وغير ذلك من التفاصيل الكثيرة والمفصلة التى تؤشر على حدوث اهتزاز فى هرم الاستحواذ على الثراء المالى فى العالم ، وعلى الدخول فى مرحلة إعادة النظر فى توزيع هذه الثروات فى العالم ، لكن بين الكبار الأقوياء فقط .