الاتفاق على إنشاء هيكل مالى مستقل لا تتأثر به الدول الأخرى

نظام عالمى جديد بقيادة روسيا والصين!

بوتين وجين بينج فى لقاء سابق
بوتين وجين بينج فى لقاء سابق

دينا توفيق

74 دقيقة ربما ستكون نتائجها بداية النهاية لنظام دولى تأسس عقب الحرب العالمية الثانية.. تحول جذرى فى الجغرافيا السياسية للتوسع المستمر لمنظمة حلف شمال الأطلسى االناتوب باتجاه الشرق والانتشار العسكرى الغربى على حدود روسيا.. دقائق تم فيها الاتفاق على إنشاء هيكل مالى مستقل لا تتأثر به الدول الأخرى.. وسرد لما جاء فى قمة الديمقراطية الانتهازية التى استضافها الرئيس الأمريكى جو بايدن الشهر الماضى، وخلصوا إلى أنها جاءت بنتائج عكسية وفرضت خطوط تقسيم جديدة.. هكذا قضى الرئيس الصينى شى جين بينج ونظيره الروسى فلاديمير بوتين قمتهما الافتراضية خلال منتصف ديسمبر المنصرم والتى تمهد الطريق جيوسياسيًا لعام 2022.

جاء الإعلان عن الاجتماع فى بكين فى غضون يوم من اجتماع وزراء خارجية الدول الصناعية السبع الكبرى فى ليفربول، بريطانيا الشهر الماضى، والذى كرر خطاب واشنطن بشأن تعزيز عسكرى روسى مزعوم على الحدود الأوكرانية وهدد موسكو بعواقب وخيمة ردا على ذلك. كان الهدف من لقاء مجموعة السبع أن يكون عرضًا جديدًا للوحدة الغربية ضد روسيا والصين لجعل الغرب فى المقدمة. وللمرة الأولى، تم إدراج دول الآسيان أيضًا فى اجتماع مجموعة السبع الوزارى كجزء من خطط إدارة بايدن لبدء اإطار عمل اقتصادى جديد لمنطقة المحيطين الهندى والهادئب فى محاولة جديدة لدحر نفوذ الصين فى المنطقة. لا شك أن هذا يدل على بُعد غير عادى للتحالف الروسى الصيني. ما هو الدور، إن وجد، الذى ستلعبه الصين فيما يحدث فى أوروبا الشرقية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. 

كان المتحدث الرسمى باسم الكرملين اديمترى بيسكوفب، الذى يختار كلماته بعناية، قد ألمح سابقًا إلى أن هذا التبادل سيكون مهمًا للغاية. ومن الواضح أن الزعيمين الصينى والروسى لم يكتفيا بالنقاش حول خط أنابيب الغاز الطبيعى فى سيبيريا 2، ولكن تطرقا إلى الجغرافيا السياسية؛ وكيف ستتعامل روسيا والصين مع الحرب الباردة التى تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ومع استمرار الولايات المتحدة وحلفائها فى اتخاذ إجراءات استفزازية وعدم التعامل مع المطالب الروسية بجدية، تدعم بكين مطالب موسكو بضمانات تمنع توسع الناتو فى أوكرانيا، من خلال موافقة بوتين وجين بينج على إنشاء اهيكل مالى مستقل للعمليات التجارية لا يمكن أن تتأثر به الدول الأخرىب. وتقول مصادر دبلوماسية، غير رسمية، إن الهيكل قد يتم الإعلان عنه خلال القمة المشتركة فى أواخر عام 2022.

ومن بين كل ما سبق، وفقًا لموقع اآسيا تايمزب الصينى،  فإن المغير الحقيقى للعبة، هو العقوبات المفروضة منذ بضع سنوات والمستمرة حتى الآن، والتى اكتسبت زخما نهائيا بعد أن طرح صقور واشنطن الفكرة مؤخرًا بطرد روسيا وعزلها ماليًا عن آلية اسويفتب (SWIFT) وتوسيع نطاق العقوبات المفروضة على تجارة الديون السيادية الروسية فى السوق الدولية- كحزمة عقوبات نهائية وممارسة الضعط لعدم غزو أوكرانيا. ويتيح نظام سويفت تنفيذ التحويلات المالية المتبادلة بين آلاف البنوك العالمية إلكترونيا وذلك باعتماد مقاييس دولية ومن خلال رمز محدد لكل بنك يسمى اسويفت كودب. ومنذ عام 2014، يخضع كثير من الأفراد والشركات الروسية لمجموعة واسعة من العقوبات بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتضاعفت العقوبات بعد عام 2016 إثر التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية، كذلك أضافت الولايات المتحدة المزيد من العقوبات بسبب ما تقول إنها نتيجة الهجمات الإلكترونية عليها، وانتهاكات حقوق الإنسان، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والتعامل مع كوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا.

وأشار خبراء ومسئولون سابقون فى العقوبات إلى أن الأهداف المحتملة تشمل البنوك الروسية، والشركات المملوكة للدولة، وصندوق الاستثمار المباشر الروسى، وطبقة رجال الأعمال القريبة من الكرملين. كما خلص بوتين وجين بينج فى اجتماعاتهما الثنائية واجتماعات مجموعة بريكس، إلى ضرورة الاستمرار فى زيادة حصة عملتى اليوان والروبل فى التسويات المتبادلة، لتجاوز الدولار، من أجل توسيع التعاون وضمان وصول المستثمرين الروس والصينيين إلى أسواق الأوراق المالية لكلا الطرفين.

ومن هنا يصبح عدم الاعتماد على آلية اسويفتب أمرًا ضروريًا، وهذا ما تعامل معه مساعد الرئيس الروسى ايورى أوشاكوفب دبلوماسيًا على أنه حان الوقت لتكثيف الجهود لتشكيل بنية تحتية مالية مستقلة لخدمة العمليات التجارية بين روسيا والصين. وتعرف شركات الطاقة الروسية، من غازبروم إلى روسنفت، كل ما يمكن معرفته ليس فقط عن التهديدات الأمريكية ولكن أيضًا عن الآثار السلبية الناتجة عن كارثة تسونامى الدولار التى أغرقت الاقتصاد العالمى من خلال التيسير الكمى لمجلس الاحتياطى الفيدرالى.

ووفقًا للصحفى البرازيلى ابيبى اسكوبارب، فإن التحالف الروسى الصينى يعد بُعدا آخر للقوة الجغرافية الاقتصادية والجيواستراتيجية التى تتحول بسرعة نحو أوراسيا، والتى ربما تنذر بظهور نظام عالمى جديد يتعلق بمسائل أخرى ناقشها الرئيسان بوتين وجين بينج كالترابط بين مبادرة الحزام والطريق مع الاتحاد الاقتصادى الأوراسى (EAEU)، والامتداد الموسع لمنظمة شنغهاى للتعاون (SCO) والرئاسة الصينية القادمة لمجموعة بريكس عام 2022، كل ذلك من أجل الدفع المستمر للبنود الهامة من أجندتهما السياسية وألا يسمحا تحت أى ظرف بتدخلات القوى الخارجية فى شئونهما الداخلية بأى ذريعة كانت.

وأكد أوشاكوف أن الاتحاد الروسى قدم مقترحات بشأن ضمانات أمنية للولايات المتحدة، كما أكد بوتين نفسه حتى قبل التحدث إلى نظيره الصينى، فإن الأمر كله يتعلق بـبالأمن غير القابل للتجزئةب؛ الآلية تم تكريسها فى جميع أنحاء إقليم منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا منذ قمة عام 1975 فى هلسنكى. وكما هو متوقع، رفض الأمين العام لحلف الناتو اينس ستولتنبرجب ذلك بأوامر من القوى الأخرى. يحدد كل من جين بينج وبوتين بوضوح كيف ينشر فريق بايدن مناورة استقطاب استراتيجية فى ظل نظام فرّق تسد مع بناء كتلة مؤيدة للولايات المتحدة مدعومة من المملكة المتحدة وأستراليا وإسرائيل من أجل عزل روسيا والصين. هذا هو السبب وراء الرواية التى انتشرت بشكل مدوٍ فى جميع أنحاء الغرب، والتى ارتبطت بها أيضًا قمة بايدن من أجل الديمقراطية؛ حيث يتم استخدام تايوان كورقة ضغط ضد بكين بينما يتم تسليح أوكرانيا ضد روسيا، اعدوان الصينب يقابل اعدوان روسىب. أدركت بكين سريعًا نوايا واشنطن، وأكدت على مستويات مختلفة أن تايوان ستندمج فى نهاية المطاف فى الوطن الأم، دون أى غزو.

كما أن التفكير الراغب فى أن يؤدى الضغط الأمريكى إلى تصدعات داخل الحزب الشيوعى الصينى سيكون دون جدوى. وفى عام 2001، وقعت الصين وروسيا على معاهدة احسن الجوار والتعاون الودىب التى تنص على أن اتعترف روسيا بحكومة جمهورية الصين الشعبية باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة التى تمثل البلاد بأكملها؛ وتايوان جزء لا يتجزأ من الصينب، الاتفاقية وثيقة تأسيسية يرتكز عليها التحالف الصينى الروسى.

فيما يوضح وزير الدفاع الروسى اسيرجى شويجوب أن التنسيق الروسى الصينى بات عامل استقرار فى الشئون العالمية، فى ظروف الاضطرابات الجيوسياسية والصراعات المتزايدة فى أجزاء مختلفة من العالم، وظهر ذلك من خلال توقيع البلدان خطة التعاون العسكرى الروسى الصينى للفترة 2021-2025 فى 23 نوفمبر الماضى. وذكرت صحيفة اساوث تشاينا مورنينج بوستب فى تقريرها عن الاتفاقية أن الصين وروسيا اتقتربان من تحالف عسكرى بحكم الأمر الواقع لمواجهة الضغط المتزايد من الولايات المتحدةب. ويشير توقيع خارطة الطريق حول التعاون العسكرى إلى استعداد بكين وموسكو لمقاومة الضغط الأمريكى من خلال الاعتماد على الجهود العسكرية المشتركة، إذا لزم الأمر.

فالولايات المتحدة غير قادرة على مواجهة كل من الصين وروسيا عسكريًا فى وقت واحد، وإذا كانت الأخيرة ستجمع قوتها العسكرية وأهداف سياستها الخارجية بشكل كبير، فإن ذلك من شأنه أن يغير ميزان القوة فى منطقة أوراسيا ويضر بواشنطن. ولا تزال الولايات المتحدة أكبر قدرة عسكرية فى العالم وليس هناك شك أنها أقوى من الصين أو روسيا وحدها، ولكن الوحدة الجديدة بين الأخيرين يمكن أن تستنزفها استراتيجيًا. وبحسب ما جاء بمجلة انيوزويكب الأمريكية، فإن اجتماع الزعيمين الروسى والصينى فى بكين فى أوائل فبراير القادم، بعد دعوة بوتين كضيف رئيسى فى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، حدث ذو أهمية كبيرة للاستقرار العالمى وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.