نافسن الرجــال وأسقطهن التاريخ l فنانات عصــر النهـضـة

أديلايد لابيه فى لقطة ذاتية لها مع اثنتين من صديقاتها
أديلايد لابيه فى لقطة ذاتية لها مع اثنتين من صديقاتها

رشيد‭ ‬غمرى

قبل‭ ‬عام‭ ‬تقريبا،‭ ‬عرض‭ ‬متحف‭ ‬فلورانسا‭ ‬لوحة‭ ‬العشاء‭ ‬الأخيرب‭ ‬لفنانة‭ ‬مجهولة‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬النهضة،‭ ‬اسمها‭ ‬بلوتيلا‭ ‬نيلي،‭ ‬والتى‭ ‬بقيت‭ ‬غائبة‭ ‬طوال‭ ‬أربعمائة‭ ‬وخمسين‭ ‬عاما،‭ ‬لتعود‭ ‬فتلقى‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬مجهولة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن،‭ ‬تتعلق‭ ‬بفنانات‭ ‬عصر‭ ‬النهضة،‭ ‬الرسامة‭ ‬التى‭ ‬عاصرت‭ ‬ليوناردو‭ ‬دافينشي،‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬بالشهرة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬أغفل‭ ‬ذكرها‭ ‬عمدا،‭ ‬فهناك‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الفنانات،‭ ‬بعضهن‭ ‬حققن‭ ‬نجاحات‭ ‬باهرة،‭ ‬وسط‭ ‬ظروف‭ ‬بالغة‭ ‬الصعوبة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أغفلهن‭ ‬التاريخ‭.‬

يرجع‭ ‬الإبداع‭ ‬التشكيلى‭ ‬النسائى‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ،‭ ‬يرجح‭ ‬علماء‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬أن‭ ‬فنون‭ ‬العصور‭ ‬الحجرية‭ ‬المبكرة،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬الأغلب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬عالم‭ ‬الآثار‭ "‬دين‭ ‬سنو‭" ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬بنسيلفانيا،‭ ‬بعد‭ ‬دراسة‭ ‬البصمات‭ ‬الملونة‭ ‬المتروكة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رسومهم‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬الكهوف،‭ ‬ووجد‭ ‬أن‭ ‬خمسة‭ ‬وسبعين‭ ‬بالمائة‭ ‬منها‭ ‬تطابق‭ ‬مواصفات‭ ‬أيدى‭ ‬النساء،‭ ‬وليس‭ ‬الرجال،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬تخصصن‭ ‬فى‭ ‬رسم‭ ‬اللوحات‭ ‬التعبدية‭ ‬لآلهة‭ ‬الهندوس‭ ‬فى‭ ‬الهند‭ ‬طوال‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬عام،‭ ‬وذكر‭ ‬أن‭ "‬هيلانة‭ ‬بنت‭ ‬ديمون‭" ‬كانت‭ ‬فنانة‭ ‬يونانية‭ ‬شديدة‭ ‬البراعة،‭ ‬جسدت‭ ‬أهم‭ ‬انتصارات‭ ‬الإسكندر‭ ‬الأكبر،‭ ‬كما‭ ‬حفظ‭ ‬التاريخ‭ ‬أسماء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفنانات‭ ‬اليونانيات‭ ‬ومنهن‭ "‬تيماريتي‭"‬،‭ ‬و‭"‬إيريني‭"‬،‭ ‬و‭"‬أوليمبياس‭" ‬و‭"‬أريستاريتي‭" ‬وغيرهن،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬النساء‭ ‬يستبعدن‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن‭.‬

فى‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬حظر‭ ‬مفروض‭ ‬على‭ ‬المرأة،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتعليم،‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬الفنون،‭ ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬انطلق‭ ‬الرجال،‭ ‬وبدأوا‭ ‬بدراسة‭ ‬الفن‭ ‬بشكل‭ ‬علمي،‭ ‬وفى‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬قاموا‭ ‬بتشريح‭ ‬الجسد‭ ‬البشري‭. ‬اللوحة‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬فى‭ ‬المقدمة،‭ ‬قام‭ ‬بترميمها‭ ‬مجموعة‭ ‬نسائية‭ ‬بالكامل،‭ ‬كتحية‭ ‬لفنانة‭ ‬شديدة‭ ‬الموهبة،‭ ‬خاضت‭ ‬التحديات،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬إتقان‭ ‬فنها،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬أسست‭ ‬مرسما‭ ‬داخل‭ ‬دير‭ "‬سانتا‭ ‬كاترينا‭ ‬دى‭ ‬ديفاجيو‭" ‬لتعليم‭ ‬النساء‭ ‬الموهوبات،‭ ‬وكانت‭ ‬أعمالهن‭ ‬تباع‭ ‬لطبقة‭ ‬النبلاء‭ ‬المحبة‭ ‬للفنون‭ ‬فى‭ ‬فلورانسا،‭ ‬وقد‭ ‬امتدح‭ ‬أحد‭ ‬مؤرخى‭ ‬ذلك‭ ‬العصر‭ ‬الفنانة‭ "‬بلوتيلا‭ ‬نيلي‭" ‬قائلا‭ ‬إنها‭ ‬شديدة‭ ‬الموهبة‭ ‬والبراعة،‭ ‬وكانت‭ ‬ستفعل‭ ‬أشياء‭ ‬عظيمة،‭ ‬لو‭ ‬أتيح‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬أتيح‭ ‬للرجال‭".‬

أغلب‭ ‬الفنانات‭ ‬البارعات‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬العصر،‭ ‬تصادف‭ ‬أن‭ ‬نشأن‭ ‬لآباء‭ ‬فنانين،‭ ‬وتعلمن‭ ‬فى‭ ‬مراسمهم،‭ ‬وخارج‭ ‬هذا‭ ‬النطاق‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬امرأة‭ ‬بحرية‭ ‬تعلم‭ ‬الفن‭ ‬وممارسته،‭ ‬وهذا‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الموهوبات‭ ‬قد‭ ‬حرمن‭ ‬من‭ ‬فرصة‭ ‬إظهار‭ ‬مواهبهن‭.‬

‭"‬كاترينا‭ ‬فان‭ ‬هيمسن‭" ‬فنانة‭ ‬إنجليزية،‭ ‬عاشت‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬وتفوقت‭ ‬على‭ ‬رجال‭ ‬عصرها،‭ ‬لكن‭ ‬الأعمال‭ ‬الباقية‭ ‬لها‭ ‬قليلة،‭ ‬أما‭ ‬الإيطالية‭ "‬لافنينيا‭ ‬فونتانا‭"‬،‭ ‬فعاشت‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها،‭ ‬وتعلمت‭ ‬الرسم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬والدها،‭ ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬النجاح‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬عملت‭ ‬لدى‭ ‬البلاط‭ ‬البابوى،‭ ‬وعوملت‭ ‬بتقدير‭ ‬كبير،‭ ‬وانتخبت‭ ‬فى‭ ‬الجمعية‭ ‬الرومانية،‭ ‬كانت‭ ‬الموضوعات‭ ‬الدينية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مسيطرة،‭ ‬وفيها‭ ‬أبدعت‭ ‬فنانة‭ ‬أخرى‭ ‬تدعى‭ "‬باربارا‭ ‬لوانجي‭"‬،‭ ‬عاشت‭ ‬بين‭ ‬القرنين‭ ‬السادس‭ ‬والسابع‭ ‬عشر‭ ‬أيضا،‭ ‬واشتهرت‭ ‬بلوحات‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬والطفل،‭ ‬وهى‭ ‬أيضا‭ ‬كانت‭ ‬ابنة‭ ‬فنان،‭ ‬وبالمضى‭ ‬قدما‭ ‬نحو‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ "‬حقبة‭ ‬الباروك‭"‬،‭ ‬نجد‭ ‬المرأة‭ ‬قد‭ ‬رسخت‭ ‬مكانتها‭ ‬كفنانة‭ ‬أكثر،‭ ‬فأكثر،‭ ‬وتبرز‭ ‬أسماء‭ ‬عديدة‭ ‬مثل‭ ‬الإيطالية‭ "‬جيوفانا‭ ‬جارزوني‭"‬،‭ ‬لكن‭ ‬عصر‭ ‬الباروك‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬إيطاليا‭ ‬بلد‭ ‬المنشأ،‭ ‬فشمل‭ ‬أيضا‭ ‬أسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وهولاندا،‭ ‬ومناطق‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬أوروبا،‭ ‬ويعتبر‭ ‬امتدادا‭ ‬لعصر‭ ‬النهضة،‭ ‬وتميز‭ ‬فى‭ ‬العمارة‭ ‬والفنون‭ ‬بالضخامة،‭ ‬وعدم‭ ‬التناسق،‭ ‬وكثرة‭ ‬التفاصيل‭ ‬المثيرة،‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالجوانب‭ ‬الحسية،‭ ‬وبجانب‭ ‬عظماء‭ ‬ذلك‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الرجال،‭ ‬أمثال‭ ‬بيتر‭ ‬بول‭ ‬روبينز،‭ ‬ودييجو‭ ‬فلاسكيز،‭ ‬ورمبرانت،‭ ‬تألقت‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الفنانات،‭ ‬ومنهن‭ ‬الهولندية‭ "‬جوديث‭ ‬ليستر‭"‬،‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬مرسمها‭ ‬الخاص،‭ ‬وتلاميذها،‭ ‬وتزوجت‭ ‬لاحقا‭ ‬من‭ ‬الفنان‭ "‬مينز‭ ‬مولنار‭"‬،‭ ‬كذلك‭ ‬الفرنسية‭ "‬لواز‭ ‬ميلون‭"‬،‭ ‬والحفارة‭ ‬الهولندية‭ "‬جيرتروديت‭ ‬روجمان‭" ‬التى‭ ‬برعت‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تقنيات‭ ‬فن‭ "‬الجرافيك‭"‬،‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬البرتغالية‭ ‬المولودة‭ ‬فى‭ ‬أسبانيا‭ "‬جوزيفا‭ ‬دى‭ ‬أيلا‭"‬،‭ ‬والتى‭ ‬برعت‭ ‬فى‭ ‬رسم‭ ‬الموضوعات‭ ‬الدينية‭ ‬والأسطورية،‭ ‬أما‭ ‬الفنانة‭ ‬الهولندية‭ "‬ماريا‭ ‬فان‭ ‬أوسترفيك‭" ‬فقد‭ ‬لفتت‭ ‬موهبتها‭ ‬انتباه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملوك‭ ‬والأمراء‭ ‬والنبلاء‭ ‬فى‭ ‬أوروبا،‭ ‬وحققت‭ ‬نجاحا‭ ‬ماديا‭ ‬من‭ ‬عائد‭ ‬لوحاتها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالانضمام‭ ‬لجمعية‭ ‬الرسامين،‭ ‬وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬الفنانة‭ ‬الإنجليزية‭ "‬مارى‭ ‬بل‭" ‬خلال‭ ‬الحقبة‭ ‬نفسها‭. ‬

بعض‭ ‬فنانات‭ ‬ذلك‭ ‬العصر،‭ ‬لهن‭ ‬قصص‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تروى،‭ ‬الإيطالية‭ "‬إليزابيتا‭ ‬ثيراني‭" ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬كانت‭ ‬رسامة‭ ‬مميزة،‭ ‬نشأت‭ ‬فى‭ "‬بولونيا‭"‬،‭ ‬وحققت‭ ‬النجاح‭ ‬والشهرة،‭ ‬بلوحات‭ ‬دينية‭ ‬وأسطورية،‭ ‬وقد‭ ‬سافرت‭ ‬إلى‭ ‬روما،‭ ‬وفلورانسا‭ ‬لمشاهدة‭ ‬ودراسة‭ ‬اللوحات‭ ‬هناك،‭ ‬كان‭ ‬أبوها‭ ‬فنانا،‭ ‬لكنها‭ ‬تفوقت‭ ‬عليه،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تتميز‭ ‬بالسرعة‭ ‬فى‭ ‬الرسم،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬بعض‭ ‬لوحاتها،‭ ‬والمساعدة‭ ‬فى‭ ‬نفقات‭ ‬أسرتها،‭ ‬اهتمت‭ ‬بلوحات‭ ‬عن‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬ومن‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬أعمالها‭: ‬كليوباترا،‭ ‬ومريم‭ ‬المجدلية،‭ ‬ودليلة‭. ‬كانت‭ ‬نشطة‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬افتتحت‭ ‬مرسما‭ ‬للسيدات،‭ ‬وكانت‭ ‬فكرة‭ ‬جديدة‭ ‬فى‭ ‬وقتها،‭ ‬ولم‭ ‬تقتصر‭ ‬موهبتها‭ ‬على‭ ‬الرسم،‭ ‬فكانت‭ ‬أيضا‭ ‬موسيقية،‭ ‬وشاعرة،‭ ‬وقد‭ ‬أصابها‭ ‬المرض،‭ ‬وعانت‭ ‬من‭ ‬الاكتئاب،‭ ‬وفقدان‭ ‬الوزن،‭ ‬وماتت‭ ‬فى‭ ‬السابعة‭ ‬والعشرين،‭ ‬بعد‭ ‬حياة‭ ‬قصيرة‭ ‬حافلة‭ ‬بالإنجازات‭ ‬والآلام،‭ ‬واتهم‭ ‬أبوها،‭ ‬وخادمتها‭ ‬بتسميمها،‭ ‬ولكن‭ ‬ثبت‭ ‬أنها‭ ‬ماتت‭ ‬بقرحة‭ ‬المعدة‭.‬

الفنانة‭ "‬أرتيميسا‭ ‬جنتلسكي‭" ‬أيضا‭ ‬كانت‭ ‬حياتها‭ ‬دراما‭ ‬حقيقية،‭ ‬تعرضت‭ ‬خلالها‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬العنف،‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬فنها،‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬واثقة‭ ‬من‭ ‬نفسها،‭ ‬وأحرزت‭ ‬نجاحا‭ ‬كبيرا،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬امرأة‭ ‬يتم‭ ‬قبولها‭ ‬فى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التجمعات‭ ‬الفنية،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬أعمالها‭ ‬لوحة‭ ‬تصور‭ ‬فتاتين‭ ‬تذبحان‭ ‬رجلا،‭ ‬وهى‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬قصص‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬وتقريبا‭ ‬كانت‭ ‬الوحيدة‭ ‬فى‭ ‬عصرها‭ ‬التى‭ ‬أقدمت‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬هذا‭ ‬المشهد،‭ ‬ويرجح‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الانتقام‭ ‬الأنثوى‭ ‬من‭ ‬الذكور،‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الاغتصاب،‭ ‬فى‭ ‬فترة‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬حياتها‭.‬

الفنانة‭ "‬ماريا‭ ‬سيبيلا‭ ‬ماريان‭" ‬ولدت‭ ‬فى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬لسويسرى‭ ‬وهولندية،‭ ‬وكانت‭ ‬تقوم‭ ‬بالإضافة‭ ‬للوحات‭ ‬الفنية‭ ‬بعمل‭ ‬الرسوم‭ ‬التوضيحية‭ ‬للكتب‭ ‬العلمية،‭ ‬وقد‭ ‬انفصلت‭ ‬عن‭ ‬زوجها،‭ ‬وانضمت‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬دينية‭ ‬وارتحلت‭ ‬معها،‭ ‬أما‭ ‬الفرنسية‭ "‬إليزابيث‭ ‬سوفى‭ ‬تشيرون‭" ‬فتعلمت‭ ‬الرسم‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬والدها،‭ ‬وكانت‭ ‬متعددة‭ ‬المواهب‭ ‬بين‭ ‬الرسم‭ ‬والنحت‭ ‬والكتابة‭ ‬والموسيقى‭ ‬والترجمة،‭ ‬ومثلها‭ ‬كانت‭ ‬الرومانية‭ "‬تريزا‭ ‬ديلبو‭"‬،‭ ‬والتى‭ ‬برعت‭ ‬فى‭ ‬تصوير‭ ‬الموضوعات‭ ‬الأسطورية،‭ ‬والوجوه،‭ ‬وكذلك‭ ‬كانت‭ ‬الفنانة‭ "‬سوزان‭ ‬بينلوبى‭ ‬روسي‭"‬،‭ ‬أما‭ "‬لويزا‭ ‬رولدان‭" ‬فكانت‭ ‬نحاتة‭ ‬متميزة،‭ ‬وزوجة‭ ‬للنحات‭ "‬لويس‭ ‬أنطونيو‭ ‬دى‭ ‬لوس‭"‬،‭ ‬وحققت‭ ‬الإنجليزية‭ "‬آن‭ ‬كليجيريو‭" ‬النجاح‭ ‬مبكرا‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬رسامة‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬بلاط‭ ‬جيمس‭ ‬الثاني،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لكونها‭ ‬شاعرة،‭ ‬وقد‭ ‬ماتت‭ ‬فى‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬بعد‭ ‬تألق‭ ‬خاطف‭.‬

وبالمضى‭ ‬قدما‭ ‬حتى‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬نجد‭ ‬الهولندية‭ "‬راشيل‭ ‬رويش‭"‬،‭ ‬صاحبة‭ ‬الرسوم‭ ‬الغريبة،‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬الحشرات‭ ‬والزواحف‭ ‬مع‭ ‬الفاكهة‭ ‬والزهور،‭ ‬وكانت‭ ‬تنحو‭ ‬للواقعية،‭ ‬وربما‭ ‬تأثرت‭ ‬بوالدها‭ ‬عالم‭ ‬النباتات،‭ ‬ومثلها‭ ‬كانت‭ ‬الرسامة‭ ‬الإيطالية‭ "‬جيوفانا‭ ‬فراتيليني‭"‬،‭ ‬والتى‭ ‬تتلمذت‭ ‬على‭ ‬أيدى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬فنانى‭ ‬عصرها،‭ ‬أما‭ ‬السويسرية‭ "‬آنا‭ ‬واسر‭"‬،‭ ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬موهبتها‭ ‬الجامحة‭ ‬مبكرا‭ ‬جدا،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة،‭ ‬وخطفت‭ ‬الأنظار،‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أيضا‭ ‬الإيطالية‭ "‬روزالبا‭ ‬كارييرا‭" ‬التى‭ ‬امتدت‭ ‬حياتها‭ ‬بين‭ ‬القرنين‭ ‬السابع‭ ‬والثامن‭ ‬عشر،‭ ‬بأعمال‭ ‬شديدة‭ ‬الإتقان‭ ‬والتنوع،‭ ‬والقائمة‭ ‬طويلة‭.. ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬غابت‭ ‬النساء‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن،‭ ‬لأسباب‭ ‬متعددة،‭ ‬فكثير‭ ‬منهن‭ ‬لم‭ ‬يوقعن‭ ‬أعمالهن‭ ‬بسبب‭ ‬الحظر‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬واكتفين‭ ‬بالعمل‭ ‬من‭ ‬مراسم‭ ‬آبائهن،‭ ‬كما‭ ‬عانين‭ ‬التحيز‭ ‬السلبى‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المؤرخين،‭ ‬عطاء‭ ‬المرأة‭ ‬فى‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلى‭ ‬لم‭ ‬يتوقف،‭ ‬بل‭ ‬تصاعد‭ ‬خلال‭ ‬القرون‭ ‬التالية،‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬بحاجة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬البحث،‭ ‬وإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬إبداعاتهن‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬يؤكد‭ ‬الفكرة‭ ‬البديهية،‭ ‬التى‭ ‬يحاول‭ ‬البعض‭ ‬إنكارها،‭ ‬وطمسها،‭ ‬وهى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬نهضة‭ ‬بدون‭ ‬النساء‭.‬