شهريار

ضحكة حليم

عبدالصبور بدر
عبدالصبور بدر

بقلم: عبدالصبور بدر

يتميز المسيحيون فى الصعيد ببشرتهم البيضاء، لكن «حليم» أسمرانى، وضحكته الرنانة بتجيب له الكلام، يقهقه لأتفه الأسباب فى الفصل، فيذهب إليه المدرس بعصاه، وكلما لسعته الضربة تعلو ضحكته كأن العصا تزغزغه، فلا يتمالك المدرس نفسه ويضحك بدوره، وينظر إلينا فتنتشر العدوى ونظل نضحك!.

فى الابتدائية كان حليم سببا فى سعادتنا، وفى الثانوية خصنى بصداقته، عندما يتغيب عن منزلهم كان والده يعلم أنه يقيم معى، وحين أقول لأبى « هنام بره النهارده» يقول لي: «سلم على أبو حليم».

فى رمضان كنت أحقد عليه لأنه الوحيد الذى يتناول «الغداء» فى منزلنا، وقبل أن ينتهى من الأكل يقول لأمي: « الشاى يا حاجّة». وأثناء صيامهم كانت رائحة الدجاج المشوى تفوح من مطبخهم من أجلى، وكنت أغيظه وأنا ألتهم طعاما لا يجرؤ على الاقتراب منه، فيضحك كعادته.

وحليم رياضى، عضلاته مفتولة، ولكماته توجع الحائط، إذا فكر أحدهم أن يتعرض لى، وجه له قبضة فى قفصه الصدرى، فيتوقف لفترة عن التنفس، ولسانى الطويل كان يوقعنى فى الكثير من المشاجرات، فى وقت كانت فيه نحولتى مطمعا لكل من يريد تأديبى، بينما ظهور حليم فى الصورة يمنعهم عنى ويصد أذاهم، فإذا عقد ما بين حاجبيه وشمر أكمام قميصه هرب الجميع..

استخدمت عضلاته أيضا فى الهروب من أعباء العمل فى الغيط، أترك له إنجاز المهمات الشاقة وأجلس تحت شجرة الجوافة أقرأ القصص، وحين نعود للبيت أخبر أبى أننى قمت بالمطلوب، وأقول له إن حليم لم يفعل شيئا سوى قراءة القصص تحت الظل، فتنفجر ضحكة حليم لتفشى السر.

كبرنا، وتزوجت، فأحضر لى حليم « آيات من سورة يس» علقتها فى حجرة الضيوف، وتزوج فأهديته صورة ستنا مريم وهى تحتضن طفلها وكلما زرته وجدتها تنظر إليّ وتخصنى بابتسامتها.