أوروبا غاضبة من التساهل| ألمانيا.. المغتصبون والإرهابيون والقتلة يخرجون من السجون

أبو ولاء العراقى
أبو ولاء العراقى

مى‭ ‬السيد‭ ‬

العدالة‭ ‬هى‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬الحقوق‭ ‬للمظلومين،‭ ‬وتقتص‭ ‬للمجنى‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الجناة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬العدالة‭ ‬تخليص‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬المجرمين‭ ‬والقتلة،‭ ‬ووضعهم‭ ‬فى‭ ‬عزلة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬التى‭ ‬أساؤا‭ ‬استخدامها،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬وأيضا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬الإعتبار‭ ‬وإدخال‭ ‬البرد‭ ‬والسلام‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬المجني‭ ‬عليهم‭.‬

ذلك‭ ‬كله‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أحكام‭ ‬رادعة،‭ ‬تجعل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬التفكير‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬قبل‭ ‬ارتكاب‭ ‬أى‭ ‬جرم‭ ‬مشابه،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأحكام‭ ‬مقرونة‭ ‬بالسياسة،‭ ‬وإدماجها‭ ‬فى‭ ‬نفق‭ ‬الحرية،‭ ‬فهذا‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬عدالة‭ ‬منقوصة،‭ ‬لن‭ ‬تجدى‭ ‬نفعا‭ ‬ولن‭ ‬تردع‭ ‬ظالم‭ ‬أو‭ ‬مفسد‭ ‬في‭ ‬الأرض‭.‬

ففي‭ ‬ألمانيا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الأحكام‭ ‬المخففة‭ ‬على‭ ‬المجرمين،‭ ‬هى‭ ‬السمة‭ ‬السائدة‭ ‬فى‭ ‬أغلب‭ ‬القضايا،‭ ‬لذلك‭ ‬تجد‭ ‬المغتصبون‭ ‬والإرهابيون‭ ‬والقتلة،‭ ‬بل‭ ‬وآكلى‭ ‬لحوم‭ ‬البشر،‭ ‬يسيرون‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬بعد‭ ‬ارتكابهم‭ ‬لجرائمهم،‭ ‬وقضاء‭ ‬أوقات‭ ‬قصيرة‭ ‬خلف‭ ‬القضبان،‭ ‬والتى‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬تعتبر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬بمثابة‭ ‬نزهة‭ ‬وليست‭ ‬سجنا‭.‬

أبو‭ ‬ولاء‭ ‬الإرهابي

عددا‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المهمة‭ ‬كانت‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فمنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قضية‭ ‬الإرهابى‭ ‬أبو‭ ‬ولاء‭ ‬العراقى،‭ ‬والذى‭ ‬حكم‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬بالسجن‭ ‬لمدة‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭ ‬والتى‭ ‬ظلت‭ ‬داخل‭ ‬المحاكم‭ ‬لمدة‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬حيث‭ ‬قضت‭ ‬المحكمة‭ ‬الإقليمية‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬تسيله‭ ‬الألمانية‭ ‬بسجن‭ ‬القائد‭ ‬المفترض‭ ‬لـ»تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية»‭ ‬فى‭ ‬ألمانيا‭ ‬«أبو‭ ‬ولاء»‭  ‬لمدة‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬وستة‭ ‬أشهر‭.‬

أدين‭ ‬الإرهابي‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬37‭ ‬عاما،‭ ‬بعد‭ ‬محاكمة‭ ‬استمرت‭ ‬طويلا‭ ‬لمدة‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬بالإنتماء‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬إرهابية‭ ‬أجنبية‭ ‬وتمويل‭ ‬الإرهاب‭ ‬والمساعدة‭ ‬فى‭ ‬التحضير‭ ‬لأعمال‭ ‬عنيفة،‭ ‬وكان‭ ‬متهما‭ ‬خصوصا‭ ‬بتجنيد‭ ‬الشباب‭ ‬وإرسالهم‭ ‬للقتال‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬كما‭ ‬حكم‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬متهمين‭ ‬آخرين‭ ‬بالسجن‭ ‬لمدد‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬أربع‭ ‬وثمانى‭ ‬سنوات‭.‬

وكان‭ ‬«أبو‭ ‬ولاء»‭ ‬خطيبا‭ ‬فى‭ ‬مسجد‭ ‬بمدينة‭ ‬هيلدسهايم‭ ‬شمالى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬حيث‭ ‬اجتذب‭ ‬إسلاميين‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وتم‭ ‬إغلاق‭ ‬المسجد‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬الألمانية‭.. ‬واستقر‭ ‬فى‭ ‬قناعة‭ ‬القضاة‭ ‬أن‭ ‬«داعية‭ ‬الكراهية»‭ ‬وشبكته‭ ‬قد‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تطرف‭ ‬الشباب،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الرور‭ ‬وساكسونيا‭ ‬السفلى،‭ ‬وإرسالهم‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬معارك‭ ‬«تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬داعش»‭.‬

ذلك‭ ‬الحكم‭ ‬المتساهل،‭ ‬جعل‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬والإستفسارات‭ ‬داخل‭ ‬قلوب‭ ‬أهالى‭ ‬الشباب،‭ ‬الذين‭ ‬غرر‭ ‬بهم‭ ‬ذلك‭ ‬الإرهابى،‭ ‬بعدما‭ ‬جاء‭ ‬الحكم‭ ‬لم‭ ‬يشفى‭ ‬غليلهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمكن‭ ‬الإرهابى‭ ‬من‭ ‬استقطاب‭ ‬أولادهم،‭ ‬والزج‭ ‬بهم‭ ‬فى‭ ‬معارك‭ ‬بسوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬وتعرضهم‭ ‬جميعا‭ ‬للقتل،‭ ‬فذلك‭ ‬الإرهابى‭ ‬أبو‭ ‬ولاء‭ ‬العراقى،‭ ‬الذى‭ ‬حضر‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬ومكث‭ ‬فيها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬هو‭ ‬المسئول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬إزهاق‭ ‬أرواح‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب،‭ ‬الذين‭ ‬قدر‭ ‬عددهم‭ ‬بالعشرات،‭ ‬فلو‭ ‬تم‭ ‬الحكم‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شاب‭ ‬مارس‭ ‬معه‭ ‬غسل‭ ‬العقول،‭ ‬وايهامهم‭ ‬بالجنة‭  ‬والحور‭ ‬العين،‭ ‬لحصل‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬تصل‭ ‬لعشرات‭ ‬السنين،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الإعدام‭.‬

إغتصاب‭ ‬جماعى

قضية‭ ‬أخرى‭ ‬كان‭ ‬حكم‭ ‬العدالة‭ ‬الألمانية‭ ‬فيها‭ ‬خفيفًا،‭ ‬لدرجة‭ ‬لا‭ ‬يصدقها‭ ‬عقل‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬هزت‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬الألماني‭ ‬لأشهر‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أهميتها‭ ‬ظلت‭ ‬داخل‭ ‬المحاكم‭ ‬لثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬لكى‭ ‬يتم‭ ‬الحكم‭ ‬فيها،‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬11‭ ‬شخصًا‭ ‬بحفلة‭ ‬اغتصاب‭ ‬جماعي‭ ‬لفتاة‭ ‬بعد‭ ‬وضع‭ ‬المخدر‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬مشروب‭.‬

وبحسب‭ ‬تفاصيل‭ ‬وتحقيقات‭ ‬الشرطة‭ ‬فى‭ ‬القضية،‭ ‬كانت‭ ‬الفتاة‭ ‬المجنى‭ ‬عليها‭ ‬متواجدة‭ ‬فى‭ ‬ملهى‭ ‬ليلى‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬صديقاتها،‭ ‬وحصلت‭ ‬على‭ ‬مشروب‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬لا‭ ‬تعرفه،‭ ‬وبحلول‭ ‬منتصف‭ ‬ليل‭ ‬13‭  ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬غادرت‭ ‬الفتاة‭ ‬الملهى‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص،‭ ‬بحجة‭ ‬السير‭ ‬قليلا‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭.‬

وكما‭ ‬قالت‭ ‬الفتاة‭ ‬المجنى‭ ‬عليها‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬18‭ ‬عاما‭ ‬فى‭ ‬التحقيقات؛‭ ‬فإنها‭ ‬كانت‭ ‬متواجدة‭ ‬فى‭ ‬الملهى‭ ‬للإحتفال‭ ‬مع‭ ‬صديقاتها،‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬فرايبورغ‭ ‬الألمانية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬عرض‭ ‬عليها‭ ‬أحد‭ ‬الرجال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬هيئته‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مجرم،‭ ‬مشروبا‭ ‬فتناولته،‭ ‬وخرجت‭ ‬معه‭ ‬للسير‭ ‬قليلاً‭.‬

وتابعت‭ ‬فى‭ ‬أقوالها؛‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬المشروب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بريئا،‭ ‬حيث‭ ‬وضع‭ ‬الرجل‭ ‬لها‭ ‬مادة‭ ‬غير‭ ‬معروفة‭ ‬فى‭ ‬المشروب‭ ‬جعلتها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬وتعرضت‭ ‬للإعتداء‭ ‬الجنسى‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شخص‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬غابات،‭ ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬آخرون‭ ‬بإغتصابها‭.‬

وحظيت‭ ‬القضية‭ ‬التى‭ ‬عمل‭ ‬عليها‭ ‬فريق‭ ‬التحقيق‭ ‬لأشهر‭ ‬متواصلة‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الإهتمام‭ ‬فى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬حيث‭ ‬شارك‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬خبراء‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬التحقيقات‭ ‬الجنائية‭ ‬الألمانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تتبع‭ ‬آثار‭ ‬الحمض‭ ‬النووى‭ ‬للمتورطين‭ ‬فى‭ ‬الجريمة،‭ ‬وتوصلت‭ ‬الشرطة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭  ‬الجانى‭ ‬الرئيسى‭ ‬هو‭ ‬شاب‭ ‬عمره‭ ‬22‭ ‬عاما‭ ‬قام‭ ‬بإغتصاب‭ ‬الفتاة‭ ‬ثم‭ ‬حضر‭ ‬الآخرون‭ ‬للمشاركة‭ ‬فى‭ ‬الجريمة‭.‬

وبسبب‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬تعرض‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬لإنتقادات‭ ‬لاذعة،‭ ‬لأن‭ ‬المتهم‭ ‬الرئيسى،‭ ‬كان‭ ‬قيد‭ ‬تحقيقات‭ ‬مكثفة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الشرطة‭ ‬للإشتباه‭ ‬فى‭ ‬ضلوعه‭ ‬فى‭ ‬جريمة‭ ‬أخرى،‭ ‬وصدر‭ ‬بحقه‭ ‬مذكرة‭ ‬توقيف‭ ‬قبل‭ ‬وقوع‭ ‬جريمة‭ ‬الإغتصاب‭ ‬الجماعى‭ ‬للفتاة،‭ ‬ولكن‭ ‬جاء‭ ‬الحكم‭ ‬ليخيب‭ ‬آمال‭ ‬غالبية‭ ‬المواطنين،‭ ‬وبالأخص‭ ‬أهل‭ ‬الفتاة‭ ‬المغتصبة‭.‬

وقضت‭ ‬محكمة‭ ‬إقليمية‭ ‬فى‭ ‬ألمانيا‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬المتهمين‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬أحكام‭ ‬شبه‭ ‬مخففة‭ ‬على‭ ‬الجناة،‭ ‬وفرضت‭ ‬المحكمة‭ ‬عقوبات‭ ‬بالسجن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام‭ ‬وستة‭ ‬أشهر‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الإتهامات‭ ‬التى‭ ‬تنوعت‭ ‬بين‭ ‬الإغتصاب‭ ‬والتقاعس‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭.‬

خطف

أما‭ ‬عن‭ ‬أغرب‭ ‬وأطول‭ ‬قضية‭ ‬ظلت‭ ‬40‭ ‬عاما‭ ‬بين‭ ‬أروقة‭ ‬المحاكم‭ ‬فى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬فكانت‭ ‬للطفلة‭ ‬الصغيرة‭ ‬«أورسولا‭ ‬هيرمان»،‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬13‭ ‬عاما،‭ ‬التى‭ ‬اختطفت‭ ‬عام‭ ‬1981‭ ‬بجوار‭ ‬منزلها‭ ‬فى‭ ‬إيشينج؛‭ ‬فمع‭ ‬انتهاء‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬دراسى‭ ‬كانت‭ ‬الطفلة‭ ‬عائدة‭ ‬من‭ ‬مدرستها،‭ ‬واستخدمت‭ ‬دراجتها‭ ‬للتنقل‭ ‬عبر‭ ‬الغابة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬طريق‭ ‬البحيرة‭.‬

وتوجهت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬ابن‭ ‬عمها‭ ‬فى‭ ‬شوندورف‭ ‬حيث‭ ‬تناولت‭ ‬العشاء،‭ ‬وخرجت‭ ‬عائدة‭ ‬إلى‭ ‬منزلها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬أبدا،‭ ‬وفى‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬التالى‭ ‬انتشر‭ ‬الخبر‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ونقلت‭ ‬الإذاعة‭ ‬الأخبار‭ ‬الصادمة‭ ‬عن‭ ‬الفتاة‭ ‬المفقودة‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬والجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ضباط‭ ‬الشرطة‭.‬

و‭ ‬بعدها‭ ‬بساعات‭ ‬سلّم‭ ‬ساعى‭ ‬البريد‭ ‬ظرفا‭ ‬موجه‭ ‬إلى‭ ‬والد‭ ‬أورسولا،‭ ‬يحتوى‭ ‬على‭ ‬قصاصات‭ ‬ورقية‭ ‬مفادها‭ ‬«لقد‭ ‬اختطفنا‭ ‬ابنتك‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬رؤيتها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وعلى‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬فقم‭ ‬بدفع‭ ‬450‭ ‬ألف‭ ‬مارك‭ ‬ألمانى‭ ‬كفدية»،‭ ‬كما‭ ‬وصلت‭ ‬رسالة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الخاطفين‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬هيرمان،‭ ‬تحتوى‭ ‬على‭ ‬طلبات‭ ‬أخرى‭ ‬تخص‭ ‬الفدية‭.‬

ولكن‭ ‬بعد‭ ‬دفع‭ ‬الأموال‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الفتاة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وبالصدفة‭ ‬البحتة‭ ‬عثر‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬عليها‭ ‬فى‭ ‬الغابة،‭ ‬حيث‭ ‬عثروا‭ ‬على‭ ‬صندوق‭ ‬مدفون،‭ ‬وكانت‭ ‬أرسولا‭ ‬بداخله‭ ‬وقد‭ ‬فارقت‭ ‬الحياة‭ ‬بجسدها‭ ‬البارد‭ ‬والهزيل،‭ ‬وبعد‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الإشتباهات،‭ ‬توصلوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الخاطف‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الجيران،‭ ‬يدعى‭ ‬«فيرنر‭ ‬مازوريك»‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬31‭ ‬عاما‭.‬

ولكن‭ ‬المثير‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬برأته‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬كفاية‭ ‬الأدلة،‭ ‬وظلت‭ ‬الشرطة‭ ‬تلقى‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المتهم،‭ ‬وتقوم‭ ‬المحكمة‭ ‬بإخلاء‭ ‬سبيله،‭ ‬رغم‭ ‬تأكد‭ ‬الجميع‭ ‬بأنه‭ ‬وراء‭ ‬الجريمة،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬و‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يُقرب‭ ‬من‭ ‬27‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬وفاة‭ ‬أورسولا،‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬مازوريك‭ ‬بسبب‭ ‬أدلة‭ ‬جديدة،‭ ‬وتم‭  ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬أوغسبورغ‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬إيشينج،‭ ‬وبدأت‭ ‬المحاكمة‭ ‬فى‭ ‬فبراير‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬والتى‭ ‬رفض‭ ‬والدي‭ ‬الفتاة‭ ‬حضورها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سئموا‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬العدالة،‭ ‬وبعد‭ ‬الإقتناع‭ ‬التام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القضاة‭ ‬والمحلفين‭ ‬تم‭ ‬إدانته‭ ‬وحُكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭.‬

تلك‭ ‬القضية‭ ‬بالذات‭ ‬تعتبر‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬العملية‭ ‬القضائية‭ ‬داخل‭ ‬ألمانيا،‭ ‬بجانب‭ ‬قضايا‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬اكتفينا‭ ‬بذكر‭ ‬الأشهر‭ ‬منها،‭ ‬وهذا‭ ‬إن‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬شئ،‭ ‬فيدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬البلد‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جراحات‭ ‬عاجلة‭ ‬فى‭ ‬منظومة‭ ‬القضاء‭ ‬والعدالة،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬فى‭ ‬قضايا‭ ‬ومحاكمات‭ ‬لدول‭ ‬أخرى‭ ‬تسعى‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتيت‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬لتحسين‭ ‬معيشة‭ ‬أبناءها‭ ‬وتوفير‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬لهم،‭ ‬وحماية‭ ‬أبناءها‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والإرهاب‭.‬

سفاح‭ ‬باريس

وفى‭ ‬فرنسا‭ ‬كانت‭ ‬القضية‭ ‬التى‭ ‬هزت‭ ‬فرنسا‭ ‬وظهرت‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬والتى‭ ‬نجح‭ ‬بستانى‭ ‬مغربى‭ ‬اسمه‭ ‬عمر‭ ‬الرداد‭ ‬أدين‭ ‬بجريمة‭ ‬قتل‭ ‬مروعة‭ ‬لأرملة‭ ‬فرنسية‭ ‬غنية‭ ‬قبل‭ ‬30‭ ‬عاما،‭ ‬فى‭ ‬محاولته‭ ‬لإعادة‭ ‬فتح‭ ‬القضية‭ ‬ومحاولة‭ ‬تبرئة‭ ‬اسمه‭.. ‬فى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬قضايا‭ ‬القتل‭ ‬شهرة‭ ‬فى‭ ‬فرنسا،‭ ‬أدين‭ ‬الرداد،‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬الآن‭ ‬59‭ ‬عاما،‭ ‬بطعن‭ ‬صاحبة‭ ‬العمل‭ ‬جيسلين‭ ‬مارشال،‭ ‬65‭ ‬عاما‭ ‬حتى‭ ‬الموت،‭ ‬القضية‭ ‬تعود‭ ‬وقائعها‭ ‬لعام‭ ‬1991‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬هزت‭ ‬فرنسا‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بعدما‭ ‬عُثر‭ ‬على‭ ‬جثة‭ ‬الثرية‭ ‬فى‭ ‬الطابق‭ ‬السفلى‭ ‬من‭ ‬الفيلا‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬كوت‭ ‬دا‭ ‬زور،‭ ‬وكان‭ ‬الباب‭ ‬الوحيد‭ ‬للفيلا‭ ‬مغلقا‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬ومحصنا‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬وبدا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رسالة‭ ‬مكتوبة‭ ‬بدم‭ ‬الضحية‭ ‬تتهم‭ ‬البستانى‭ ‬الذى‭ ‬يعمل‭ ‬لديها‭.. ‬فالحمض‭ ‬النووي‭ ‬لضابط‭ ‬فرنسى‭ ‬ينهى‭ ‬لغز‭ ‬سفاح‭ ‬أرعب‭ ‬باريس‭ ‬وهكذا‭ ‬باتت‭ ‬عملية‭ ‬القتل‭ ‬الوحشى‭ ‬لغيلين‭ ‬مارشال‭ ‬والإدانة‭ ‬اللاحقة‭ ‬لبستانها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬ألغاز‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬الغامضة‭ ‬فى‭ ‬فرنسا،‭ ‬مستحوذة‭ ‬بذلك‭ ‬على‭ ‬الخيال‭ ‬الشعبى،‭ ‬وعلى‭ ‬اهتمام‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬البلاد،‭ ‬إذ‭ ‬وجهت‭ ‬اتهامات‭ ‬بأن‭ ‬الرداد،‭ ‬وهو‭ ‬مهاجر،‭ ‬كان‭ ‬ضحية‭ ‬للتمييز‭. ‬وصورت‭ ‬الكتب‭ ‬والأفلام‭ ‬إدانته‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬خلل‭ ‬فى‭ ‬تطبيق‭ ‬العدالة‭. ‬ففى‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬18‭ ‬عاما،‭ ‬تم‭ ‬العفو‭ ‬عن‭ ‬الرداد‭ ‬جزئيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬آنذاك‭ ‬جاك‭ ‬شيراك‭ ‬وتم‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحه‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬لكن‭ ‬إدانته‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إلغاءها‭.. ‬وقدم‭ ‬الرداد‭ ‬استئنافا‭ ‬لإعادة‭ ‬فتح‭ ‬قضيته‭ ‬فى‭ ‬يونيو،‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬دليل‭ ‬جديد‭ ‬للحمض‭ ‬النووى‭.‬

وتم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬آثار‭ ‬لأربعة‭ ‬رجال‭ ‬مجهولين‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬الحادث‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭. ‬ويقول‭ ‬مؤيدو‭ ‬الرداد‭ ‬إن‭ ‬أحدهم‭ ‬هو‭ ‬القاتل‭ ‬الحقيقى‭ ‬الذي‭ ‬اتهمه‭.‬

وأكدت‭ ‬محامية‭ ‬الرداد،‭ ‬سيلفي‭ ‬نواكوفيتش،‭ ‬إن‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬العليا‭ ‬بإعادة‭ ‬فحص‭ ‬الأدلة‭ ‬منحه‭ ‬أملا‭ ‬جديدا‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬عكس‭ ‬الإدانة،‭ ‬لكن‭ ‬المعركة‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بعد‭.‬

وقالت‭ ‬إنها‭ ‬تأمل‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬تؤدى‭ ‬القضية‭ ‬التى‭ ‬أعيد‭ ‬فتحها‭ ‬إلى‭ ‬«تصحيح‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬الأخطاء‭ ‬القضائية‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين»‭.. ‬ومن‭ ‬ناحيتهم‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬عائلة‭ ‬مارشال‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬البستانى‭ ‬السابق‭ ‬مذنب‭ ‬بقتل‭ ‬السيدة‭ ‬البارزة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬فى‭ ‬فيلتها‭ ‬على‭ ‬الريفييرا‭ ‬الفرنسية‭.‬