أحمد القرملاوى يكتب عالم لاورا إسكابيل

كالماء المنساب والشوكولاتة اللاذعة
كالماء المنساب والشوكولاتة اللاذعة

فى‭ ‬عالم‭ ‬الروايات،‭ ‬تتبدَّد‭ ‬أدوار‭ ‬البطولة‭ ‬من‭ ‬أيدى‭ ‬القادة‭ ‬والساسة‭ ‬والمشاهير،‭ ‬لتسقط‭ ‬فى‭ ‬أيدى‭ ‬البشر‭ ‬العاديين‭. ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الروايات،‭ ‬يمكن‭ ‬لبيت‭ ‬عادى‭ ‬أن‭ ‬يصير‭ ‬محورَ‭ ‬العالم،‭ ‬بل‭ ‬يستطيع‭ ‬مطبخ‭ ‬البيت‭ ‬بمفرده‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬المحرك‭ ‬الأساسى‭ ‬للأحداث‭ ‬الجِسام،‭ ‬وصانعًا‭ ‬للأقدار‭ ‬والتحولات‭ ‬المذهلة‭.. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬ممكن‭ ‬جدًّا‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الروايات‭.‬

‮«‬كالماء‭ ‬للشوكولاتة‮»‬،‭ ‬للكاتبة‭ ‬المكسيكية‭ ‬لاورا‭ ‬إسكابيل،‭ ‬هو‭ ‬عنوان‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬عظيمة‭ ‬القدْر‭ ‬والتأثير؛‭ ‬رواية‭ ‬يصعب‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬منها‭ ‬سليمًا‭ ‬معافًى،‭ ‬مهما‭ ‬كنتَ‭ ‬راضيًا‭ ‬عن‭ ‬قناعاتك‭ ‬السابقة،‭ ‬إنها‭ ‬من‭ ‬نوع الروايات‭ ‬الذى‭ ‬يزرع‭ ‬الديناميت‭ ‬أسفل‭ ‬قواعدك،‭ ‬ثم‭ ‬يتركه‭ ‬يتفجّر‭ ‬ببطء‭ ‬أثناء‭ ‬القراءة،‭ ‬فصلًا‭ ‬بعد‭ ‬فصل‭.‬

‮«‬كالماء‭ ‬للشوكولاتة‮»‬،‭ ‬تعبير‭ ‬يُستخدَم‭ ‬فى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الناطقة‭ ‬بالإسبانية،‭ ‬لوصف‭ ‬المشاعر‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الغلَيان،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬الضرورى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الماء‭ ‬لهذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬السخونة‭ ‬–تحت‭ ‬الغلَيان‭ ‬مباشرةً‭- ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستقبل‭ ‬الشوكولاته‭ ‬ويُذيبها،‭ ‬لأجل‭ ‬إعداد‭ ‬المشروب‭ ‬اللذيذ‭ ‬الذى‭ ‬تشتهر‭ ‬به‭ ‬دول‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية‭. ‬ومِصداقًا‭ ‬لعنوانها،‭ ‬توشِك‭ ‬عناصر‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬الغلَيان‭ ‬طوال‭ ‬الوقت؛‭ ‬الرغبات‭ ‬المكبوتة‭ ‬والأشواق‭ ‬المضمَرة،‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬يُشكِّل‭ ‬شُعلةَ‭ ‬الموقِد‭ ‬التى‭ ‬يغلى‭ ‬فوقها‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬درجةَ‭ ‬أن‭ ‬نظرة‭ ‬عاشقٍ‭ ‬أو‭ ‬لمسةً‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬حبيب،‭ ‬قد‭ ‬تبعث‭ ‬حرارةً‭ ‬تكفى‭ ‬لإضرام‭ ‬النار‭ ‬فى‭ ‬المكانبأكمله‭. ‬لكنْ‭ ‬على‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة،‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬إغفال‭ ‬انعكاس‭ ‬العنوان‭ ‬على‭ ‬السرد‭ ‬المنساب‭ ‬مثل‭ ‬الماء،‭ ‬والحكايات‭ ‬المغموسةفى‭ ‬مرارة‭ ‬الشوكولاتة‭ ‬وحلاوتها‭ ‬اللاذعة‭.‬

‭>>>‬

المطبخ‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬مركز‭ ‬العالم،‭ ‬فليس‭ ‬الطعام‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تحضيره‭ ‬بداخل‭ ‬المطبخ،‭ ‬بل‭ ‬مصائر‭ ‬البشر‭ ‬وحكاياتهم‭. ‬بإمكان‭ ‬الطعام‭ ‬الشهيّوالمطبوخ‭ ‬بمحبةٍ‭ ‬صادقة،‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬السعادة‭ ‬وينقل‭ ‬المشاعر‭ ‬عبر‭ ‬قنوات‭ ‬اللذة‭ ‬الحسِّية‭ ‬والروحية،‭ ‬كما‭ ‬باستطاعة‭ ‬الطبخة‭ ‬التى‭ ‬تُصنَع‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الغم‭ ‬والحزن‭ ‬أن‭ ‬تُفسِد‭ ‬الحياة‭ ‬وتستجلب‭ ‬المرض‭ ‬والموت؛‭ ‬إنه‭ ‬عملٌ‭ ‬كيميائى‭ ‬دقيق،‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يُنتِج‭ ‬المتفجرات‭ ‬ويستحضرأسباب‭ ‬الموت،‭ ‬كما‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يؤجِّج‭ ‬العواطف‭ ‬ويثير‭ ‬الشهوات‭ ‬ويستدعى‭ ‬أجمل‭ ‬الذكرايات‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يأتى‭ ‬استخدام‭ ‬الطبخات‭ ‬المكسيكية‭ ‬التقليدية‭ ‬القديمة‭ ‬كأساس‭ ‬لبناء‭ ‬الرواية،‭ ‬فتبدو‭ ‬فصول‭ ‬الرواية‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬مقتبسة‭ ‬من‭ ‬كتابٍ‭ ‬للطهي،‭ ‬فالطعام‭ ‬هو‭ ‬صانع‭ ‬الأحداث‭ ‬الرئيسى‭ ‬والدافع‭ ‬الأساسى‭ ‬وراء‭ ‬التحولات،‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬ربطُ‭ ‬وصفات‭ ‬الطعام‭ ‬بشهور‭ ‬السنة‭ ‬الميلادية،‭ ‬كأنهاأداة‭ ‬يستخدمها‭ ‬الزمن‭ ‬فى‭ ‬رسم‭ ‬المصائر‭ ‬وصُنعالمفارقات‭.‬

‮«‬تيتا‮»‬،‭ ‬بطلة‭ ‬الرواية،‭ ‬هى‭ ‬الابنة‭ ‬الصغرى‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬إيلينا‮»‬،‭ ‬والمنذورة‭ ‬طبقًا‭ ‬لتقاليد‭ ‬العائلة‭ ‬لخدمة‭ ‬أمها‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬عمرها،‭ ‬لذا‭ ‬فهى‭ ‬ممنوعة‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬والارتباط‭ ‬طالما‭ ‬بقيت‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬إيلينا‮»‬‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تتفجَّر‭ ‬مأساة‭ ‬الرواية،‭ ‬فـ‭ ‬‮«‬تيتا‮»‬‭ ‬تقع‭ ‬فى‭ ‬غرام‭ ‬‮«‬بيدرو‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬تمنعها‭ ‬التقاليد‭ ‬من‭ ‬إشباعها‭ ‬عشقها‭ ‬بالزواج‭ ‬منه،‭ ‬فيختار‭ ‬بيدرو‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬عرض‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬إيلينا‮»‬‭ ‬ويتزوج‭ ‬من‭ ‬‮«‬روساورا‮»‬،‭ ‬أخت‭ ‬‮«‬تيتا‮»‬،‭ ‬فقط‭ ‬ليبقى‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬محبوبته‭. ‬أما‭ ‬الأخت‭ ‬الكبرى،‭ ‬‮«‬جرترودس‮»‬،‭ ‬فهى‭ ‬ابنة‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬إيلينا‮»‬‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬سرية‭ ‬مع‭ ‬عشيق‭ ‬قديم‭ ‬كانت‭ ‬ترغب‭ ‬فى‭ ‬الهرب‭ ‬معه،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تعيش‭ ‬بحرمانها‭ ‬هى‭ ‬الأخرى‭ ‬فوق‭ ‬قمة‭ ‬هذا‭ ‬الهرم‭ ‬النسويّ‭ ‬الذى‭ ‬يُشكِّل‭ ‬قوام‭ ‬الرواية‭.‬

يمكن‭ ‬رؤية‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬إيلينا‮»‬‭ ‬وابنتها‭ ‬الصغرى‭ ‬‮«‬تيتا‮»‬‭ ‬كوجهَين‭ ‬متناقضَين‭ ‬لما‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬ضياع‭ ‬الحب‭ ‬تحت‭ ‬سطوة‭ ‬التقاليد،‭ ‬فالأم‭ ‬تمارس‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬القسوة‭ ‬والصرامة‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬الصغرى،حتى‭ ‬تحرمها‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬وتمنعها‭ ‬من‭ ‬الارتباط،‭ ‬كأنما‭ ‬تُعاقِب‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬قسوته‭ ‬معها‭ ‬وعلى‭ ‬حِرمانها‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬حبيبها‭. ‬أما‭ ‬‮«‬تيتا‮»‬،‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬مُربِّيتها‭ ‬‮«‬ناتشا‮»‬،‭ ‬فتفعل‭ ‬العكس؛‭ ‬إنها‭ ‬تُفرغ‭ ‬مشاعرها‭ ‬المكبوتة‭ ‬فى‭ ‬آنِية‭ ‬الطهي،‭ ‬فتنشر‭ ‬الحب‭ ‬عبر‭ ‬أكلاتها‭ ‬الموروثة‭ ‬والمبتكرة‭ ‬معًا‭. ‬هى‭ ‬أفضل‭ ‬طاهية‭ ‬عرفها‭ ‬البيت‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬إيلينا‮»‬،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ماما‭ ‬المفجوعة‭ ‬فى‭ ‬حُبِّها‭ ‬القديم،‭ ‬تقوم‭ ‬بالطبخ‭ ‬بالصرامة‭ ‬نفسها‭ ‬التى‭ ‬تُحاصر‭ ‬بها‭ ‬مشاعر‭ ‬ابنتها،‭ ‬أما‭ ‬‮«‬تيتا‮»‬‭ ‬فتصنع‭ ‬الطعام‭ ‬كأنها‭ ‬تكتب‭ ‬رسالة‭ ‬حب،‭ ‬كأن‭ ‬الطهى‭ ‬سبيلُها‭ ‬لمقاومة‭ ‬الحزن‭ ‬ومجابهة‭ ‬الموت،‭ ‬حتى‭ ‬إنها‭ ‬تُحوِّل‭ ‬دون‭ ‬قصدٍ‭ ‬منها‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬مصائر‭ ‬الشخصيات،‭ ‬فقط‭ ‬بتمريرها‭ ‬الدموع‭ ‬أو‭ ‬اللوعة‭ ‬أو‭ ‬الشوق‭ ‬عبر‭ ‬طبخاتها‭ ‬العجيبة‭.‬

كلاهما‭ ‬تُمرِّر‭ ‬التقاليد‭ ‬الموروثة‭ ‬للأجيال‭ ‬اللاحقة‭ ‬على‭ ‬طريقتها،‭ ‬ففيما‭ ‬تفرض»ماما‭ ‬إيلينا‮»‬‭ ‬تقاليدَ‭ ‬العائلة‭ ‬المحافِظة‭ ‬والمجتمع‭ ‬السلطويّ،‭ ‬التى‭ ‬تكبت‭ ‬العواطف‭ ‬وتسلب‭ ‬الحرية‭ ‬وتصنع‭ ‬الحِرمان،‭ ‬تُشارك‭ ‬‮«‬تيتا»مع‭ ‬‮«‬ناتشا‮»‬‭ ‬فى‭ ‬تمرير‭ ‬تقاليد‭ ‬المطبخ‭ ‬المكسيكى‭ ‬ومذاقاته‭ ‬التى‭ ‬تواكب‭ ‬المناسبات‭ ‬وتصنع‭ ‬الأفراح‭ ‬والأتراح‭. ‬وبمرور‭ ‬الزمن‭ ‬تذوى‭ ‬التقاليد،‭ ‬ولا‭ ‬يبقى‭ ‬إلا‭ ‬الحب،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬إيلينا‮»‬‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭ ‬الذى‭ ‬أخفَت‭ ‬فيه‭ ‬رسائلها‭ ‬السرية‭ ‬لحبيبها‭ ‬القديم،‭ ‬بينما‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬‮«‬تيتا‮»‬‭ ‬وصفاتها‭ ‬الخالدة‭ ‬التى‭ ‬أذابت‭ ‬فيها‭ ‬العواطف‭ ‬المكبوتة‭ ‬والصادقة‭.‬

‭>>>‬

لذا‭ ‬يُمكن‭ ‬تأمُّل‭ ‬مكونات‭ ‬الطعام‭ ‬هنا‭ ‬كمرادف‭ ‬للعواطف،‭ ‬حيث‭ ‬تتبدَّل‭ ‬خصائصها‭ ‬حين‭ ‬تتعرَّض‭ ‬للقدر‭ ‬الكافى‭ ‬من‭ ‬الحرارة‭ ‬والضغط،‭ ‬كما‭ ‬تصنع‭ ‬باندماجها‭ ‬وصفات‭ ‬تدفع‭ ‬المصائر‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬اتجاه،‭ ‬وبذلك‭ ‬تصبح‭ ‬النار‭ ‬التى‭ ‬تُنضِج‭ ‬الطعام‭ ‬مرادفًا‭ ‬للشهوة‭ ‬فى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المشاهد،‭ ‬وللَّهفة‭ ‬والهيام‭ ‬فى‭ ‬مشاهد‭ ‬أخرى؛‭ ‬جميعها‭ ‬نيران‭ ‬يُمكن‭ ‬رؤيتها‭ ‬بالعين‭ ‬واختبارها‭ ‬بالحواس،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬غيمةً‭ ‬فى‭ ‬السماء،‭ ‬أو‭ ‬تستدعى‭ ‬حبيبًا‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬خوان‮»‬ليختطف‭ ‬فتاةً‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬جرترودس‮»‬–الأخت‭ ‬الوسطى‭- ‬ويمارس‭ ‬معها‭ ‬حبَّه‭ ‬الجنونى‭ ‬فوق‭ ‬صهوة‭ ‬حصانه‭.‬

من‭ ‬المثير‭ ‬أن‭ ‬نتأمَّل‭ ‬‮«‬جرترودس‮»‬‭ ‬كحالة‭ ‬استثنائية‭ ‬بين‭ ‬الأخوات‭ ‬الثلاث،‭ ‬لكونها‭ ‬نتاجَ‭ ‬علاقة‭ ‬سرية‭ ‬مطوية‭ ‬فى‭ ‬ماضى‭ ‬‮«‬ماما‭ ‬إيلينا‮»‬،لذا‭ ‬فالنار‭ ‬تسكنهامنذ‭ ‬البذرة‭ ‬الأولى،‭ ‬حتى‭ ‬تؤجِّجها‭ ‬حرارة‭ ‬الاستحمام‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬فتنطلق‭ ‬عاريةً‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬العشق‭ ‬بلا‭ ‬رادع،‭ ‬وبذلكتتحقَّق‭ ‬عبرها‭ ‬تلكالرغبات‭ ‬المكبوتة‭ ‬لنساء‭ ‬العائلة،‭ ‬كما‭ ‬تتمثل‭ ‬فيها‭ ‬القُدرة‭ ‬على‭ ‬التمرُّد‭ ‬على‭ ‬التقاليد،‭ ‬حتى‭ ‬إنها‭ ‬تتحوَّل‭ ‬لقائد‭ ‬عسكرى‭ ‬يقود‭ ‬كتيبةً‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭!‬فى‭ ‬المقابل‭ ‬تقف‭ ‬‮«‬روساورا‮»‬،‭ ‬التى‭ ‬تتزوج‭ ‬‮«‬بيدرو‮»‬‭ ‬برغم‭ ‬معرفتها‭ ‬بعشقه‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬تيتا‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬هى‭ ‬تُمجِّد‭ ‬التقاليد‭ ‬وتُعلى‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الشكل‭ ‬العام‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬اعتبار،‭ ‬حتى‭ ‬إنها‭ ‬تحتقن‭ ‬بالغازات‭ ‬المعوية‭ ‬وتموت‭ ‬مُنفجرة‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الكبت،‭ ‬فتكتب‭ ‬بذلك‭ ‬نهايةَ‭ ‬المواجهة‭ ‬الصامتة‭ ‬بين‭ ‬تقاليد‭ ‬الطعام،‭ ‬وتقاليد‭ ‬الشكل‭ ‬العام‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تضمين‭ ‬عناصر‭ ‬عديدة‭ ‬تُناقض‭ ‬الواقع‭ ‬الذى‭ ‬نعرفه،‭ ‬فإن‭ ‬إدراج‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬كالماء‭ ‬للشوكولاتة‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬تصنيف‭ ‬‮«‬الواقعية‭ ‬السحرية‮»‬‭ ‬يحُدُّ‭ ‬منها‭ ‬بدرجة‭ ‬ما،‭ ‬ويُضيِّق‭ ‬عليها‭ ‬أفُق‭ ‬التأويل‭ ‬الذى‭ ‬تستحقُّه‭ ‬روايةٌ‭ ‬بهذه‭ ‬الفرادة‭. ‬فالرواية‭ ‬لا‭ ‬تُضمِّن‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ ‬السحرية‭ ‬فى‭ ‬عالمهافقط‭ ‬لتصنع‭ ‬الحالة‭ ‬العجائبية‭ ‬التى‭ ‬نشعر‭ ‬بها‭ ‬أثناء‭ ‬القراءة،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تُعيد‭ ‬رسم‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬روحيَّة‭ ‬صرنا‭ ‬لا‭ ‬ننتبه‭ ‬إليها‭ ‬فى‭ ‬غمرة‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬تراه‭ ‬من‭ ‬بُعْد‭ ‬موازٍ‭ ‬فقدنا‭ ‬اتصالنا‭ ‬به‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬العلم‭ ‬وقواعد‭ ‬المنطق‭. ‬تُعيد‭ ‬‮«‬كالماء‭ ‬للشوكولاتة‮»‬‭ ‬لهذا‭ ‬البُعد‭ ‬الروحيّ‭ ‬والأثيرى‭ ‬زخمَه‭ ‬وقوَّته‭.‬حتى‭ ‬الدكتور‭ ‬جون،‭ ‬العلميُّ‭ ‬البارع‭ ‬جدًّا،‭ ‬يُقيم‭ ‬مختبر‭ ‬أبحاثه‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الغرفة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬جدَّتُه‭ ‬تختلى‭ ‬فيها‭ ‬لتمارس‭ ‬اتصالها‭ ‬الروحيّ،‭ ‬فالطبيب‭ ‬يؤمن‭ ‬بمعارف‭ ‬جدَّته‭ ‬وتقاليدها‭ ‬الروحية،‭ ‬بل‭ ‬ويسعى‭ ‬لاستكمالها‭ ‬والبناء‭ ‬عليها‭ ‬عبر‭ ‬اكتشافاته‭ ‬العلمية‭ ‬الجديدة‭.‬

‭>>>‬

هذه‭ ‬رواية‭ ‬ترى‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬بُعْد‭ ‬آخر،‭ ‬بُعْد‭ ‬يمكن‭ ‬فيه‭ ‬للنظرة‭ ‬أن‭ ‬تُشعل‭ ‬الشموعَ‭ ‬فى‭ ‬روح‭ ‬الحبيب،‭ ‬يمكن‭ ‬للفسفور‭ ‬الذى‭ ‬يتسلل‭ ‬إلى‭ ‬الجسد‭ ‬عبر‭ ‬الطعام،‭ ‬أن‭ ‬يتحوَّل‭ ‬لكبريت‭ ‬يشتعل‭ ‬ويتوهَّج‭ ‬ثم‭ ‬يذوى‭ ‬وينطفئ‭. ‬رواية‭ ‬تجعلكَ‭ ‬فى‭ ‬المرة‭ ‬التالية‭ ‬التى‭ ‬تُعِد‭ ‬فيها‭ ‬طعامًا‭ ‬لشخص‭ ‬تُحبُّه،‭ ‬تتأكَّد‭ ‬من‭ ‬أنك‭ ‬تُضمِّن‭ ‬فيه‭ ‬أكبر‭ ‬قدرٍ‭ ‬من‭ ‬المحبة،‭ ‬من‭ ‬حرارة‭ ‬الشوق‭ ‬والعاطفة‭ ‬الصادقة،‭ ‬فهذه‭ ‬الطاقة‭ ‬التى‭ ‬تُضيفها‭ ‬خارج‭ ‬حِسبة‭ ‬السعرات‭ ‬الحرارية‭ ‬المعروفة‭ ‬والمكتوبة‭ ‬على‭ ‬أغلفة‭ ‬المكوِّنات،‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬يمُدُّ‭ ‬الحياة‭ ‬بالحرارة‭ ‬اللازمة،‭ ‬وما‭ ‬يُزكى‭ ‬العواطف‭ ‬التى‭ ‬ترسم‭ ‬علاقاتنا‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭.‬