محمد سالم عبادة يكتب جراح مضارعة

جراح مضارعة
جراح مضارعة

‭ ‬فى‭ ‬ثلاثٍ‭ ‬وثلاثين‭ ‬قصيدةً‭ ‬يأتينا‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬جراح‭ ‬مضارعة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬الديوانُ‭ ‬الأوّل‭ ‬للشاعر‭ ‬اليمَنيّ‭ ‬زاهر‭ ‬حبيب،‭ ‬وممّا‭ ‬يُحمَد‭ ‬له‭ ‬أنّه‭ ‬احتفظَ‭ ‬لنا‭ ‬بتواريخ‭ ‬إنجاز‭ ‬القصائد‭ ‬جميعِها،‭ ‬وهو‭ ‬أمرٌ‭ ‬له‭ ‬أهميته‭ ‬فى‭ ‬تتبُّع‭ ‬رحلة‭ ‬نُضج‭ ‬شاعرِنا،‭ ‬سواءٌ‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬المحدودةُ‭ ‬بالديوانِ‭ ‬الحاليِّ‭ ‬أو‭ ‬رحلته‭ ‬الأكبر‭ ‬التى‭ ‬يُنتَظَرُ‭ ‬أن‭ ‬تتعدّدَ‭ ‬دواوين‭. ‬

‭ ‬انتمى‭ ‬الديوانُ‭ ‬بالكامل‭ ‬إلى‭ ‬القالَب‭ ‬العموديّ،‭ ‬كما‭ ‬جاءَ‭ ‬معظمُ‭ ‬القصائد‭ ‬موحَّدَ‭ ‬الرَّوِيِّ‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬الأكثر‭ ‬تجذُّرًا‭ ‬فى‭ ‬تراث‭ ‬الشِّعر‭ ‬العربى‭. ‬وقد‭ ‬توزَّعت‭ ‬القصائدُ‭ ‬على‭ ‬سبعة‭ ‬أبحُرٍ،‭ ‬كان‭ ‬للبحر‭ ‬الكامل‭ ‬منها‭ ‬نصيبُ‭ ‬الأسَد،‭ ‬إذ‭ ‬استأثرَ‭ ‬وَحدَه‭ ‬بأربع‭ ‬عشرة‭ ‬قصيدةً،‭ ‬بينما‭ ‬جاءت‭ ‬فى‭ ‬كُلٍّ‭ ‬من‭ ‬الطويل‭ ‬والمُجتَثّ‭ ‬والمتقارب‭ ‬قصيدةٌ‭ ‬واحدة،‭ ‬وتوزَّعَت‭ ‬بقيّة‭ ‬القصائد‭ ‬على‭ ‬الوافر‭ ‬والبسيط‭ ‬والخفيف‭. ‬

‭ ‬مضمونيًّا‭ ‬كان‭ ‬الهَمُّ‭ ‬الوطنيُّ‭ ‬مهيمِنًا‭ ‬على‭ ‬الديوان‭ ‬فى‭ ‬صراحةٍ،‭ ‬فمفردة‭ (‬الوطن‭) ‬إن‭ ‬غابَت‭ ‬عن‭ ‬عناوين‭ ‬قصائد‭ ‬الثلثَين‭ ‬الأوَّلَين‭ ‬من‭ ‬الديوان‭ (‬حتى‭ ‬صفحة‭ ‬71‭ ‬من‭ ‬مائةٍ‭ ‬وخمس‭ ‬صفحاتٍ‭)‬،‭ ‬تحضُرُ‭ ‬فى‭ ‬مفتتح‭ ‬القصيدة،‭ ‬فإن‭ ‬غابت‭ ‬عنه‭ ‬حضرَت‭ ‬فى‭ ‬ثنايا‭ ‬القصيدة،‭ ‬وإلّا‭ ‬فظواهرُ‭ ‬النّصّ‭ ‬تنطِقُ‭ ‬بهذا‭ ‬الهَمّ‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدَعُ‭ ‬مجالًا‭ ‬للشّكّ‭. ‬هكذا‭ ‬تُفتتح‭ ‬القصيدة‭ ‬الأولى‭ (‬أّما‭ ‬بَعد‭) ‬بخطابِ‭ ‬الوطن‭: ‬‮«‬إلى‭ ‬بلدةٍ‭ ‬فيها‭ ‬النهاياتُ‭ ‬ضلَّتِ‮»‬،‭ ‬والثانية‭ (‬لُطفًا‭): ‬‮«‬قِف‭ ‬أيُّها‭ ‬الوطنُ‭ ‬المسيحُ‭ ‬لأسألَك‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬يصرِّح‭ ‬الشاعرُ‭ ‬بالمفردةِ‭ ‬بعدما‭ ‬حامَ‭ ‬حولَ‭ ‬معناها‭ ‬منذ‭ ‬مَطلَع‭ ‬القصيدة‭ ‬كما‭ ‬فى‭ (‬أمامَ‭ ‬حائطِ‭ ‬المَنفَى‭): ‬‮«‬مُستَقرِئًا‭ ‬بمَلامِحى‭ ‬وَطَنًا‭/ ‬فى‭ ‬جُملةِ‭ ‬الخَيباتِ‭ ‬أَعربَني‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬يتحدثُ‭ ‬عنه‭ ‬شاعرُنا‭ ‬بصيغة‭ ‬الغائبِ‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬كما‭ ‬فى‭ (‬قابَ‭ ‬تغريبتَين‭): ‬‮«‬هُنا‭ ‬وطنٌ‭ ‬يضيقُ‭ ‬به‭ ‬ارتِحالي‭/ ‬تُطارِدُهُ‭ ‬العساكِرُ‭ ‬والمَلالِي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬يتحدثُ‭ ‬بلسانِ‭ ‬الوطنِ‭ ‬متقمّصًا‭ ‬شخصيّته‭ ‬الاعتباريّةَ‭ ‬كما‭ ‬فى‭ (‬ذاتَ‭ ‬فَناء‭): ‬‮«‬هذا‭ ‬أنا‭ ‬الوَطَنُ‭ ‬ال‭.. ‬أتَعرِفُني؟‭/ ‬يا‭ ‬أيُّها‭ ‬المحشورُ‭ ‬فى‭ ‬سأَمي‮»‬‭. ‬وحتى‭ ‬فى‭ ‬ثلث‭ ‬الديوان‭ ‬الأخير‭ ‬حين‭ ‬تحُلُّ‭ ‬المرأةُ‭ ‬محَلَّ‭ ‬الوطن،‭ ‬نجِدُ‭ ‬الوطنَ‭ ‬يُطِلُّ‭ ‬علينا‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والفينة‭ ‬مِن‭ ‬ثنايا‭ ‬كِيان‭ ‬الحبيبة،‭ ‬ففى‭ ‬قصيدةِ‭ (‬هِيَ‭) ‬يقولُ‭: ‬‮«‬فى‭ ‬صَمتِها‭ ‬وطنٌ‭ ‬من‭ ‬الإكبارِ‭/ ‬وبهَمسِها‭ ‬شَعبٌ‭ ‬من‭ ‬الأوتارِ‮»‬،‭ ‬وحين‭ ‬يتحرر‭ ‬من‭ ‬الثنائية‭ ‬الصريحة‭ ‬للوطن‭ ‬والحبيبة‭ ‬قُربَ‭ ‬نهاية‭ ‬الديوان،‭ ‬كما‭ ‬فى‭ (‬نفَحاتٌ‭ ‬من‭ ‬دَمِي‭) ‬التى‭ ‬يَجوسُ‭ ‬فيها‭ ‬خلالَ‭ ‬مفهوم‭ ‬الشِّعرِ‭ ‬ويطلِعُنا‭ ‬على‭ ‬جوانبَ‭ ‬من‭ ‬علاقتِه‭ ‬به،‭ ‬فإنّ‭ ‬الوطنَ‭ ‬يبقى‭ ‬همًّا‭ ‬مؤرِّقًا،‭ ‬فيقولُ‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬الذى‭ ‬كُلَّما‭ ‬فتَّشتُ‭ ‬عن‭ ‬وَطَني‭/ ‬أَلقاهُ‭ ‬طِفلًا‭ ‬تُواريهِ‭ ‬المَتاريسُ‮»‬‭ ‬ليكرّسَ‭ ‬الإحساسَ‭ ‬بافتقادِ‭ ‬الوطَن‭ ‬الذى‭ ‬يَحلُمُ‭ ‬به‭. ‬كذلك‭ ‬فى‭ (‬مِن‭ ‬سِفرِ‭ ‬المُعدِمِين‭) ‬يقول‭: ‬‮«‬إذ‭ ‬ظَلَّ‭ ‬كالأوطانِ‭ ‬يَشحَذُ‭ ‬نفسَه‭/ ‬تَبقَى‭ ‬على‭ ‬حَبلِ‭ ‬العَفافِ‭ ‬مُعَلَّقَةْ‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬فى‭ ‬البيت‭ ‬السابق‭ ‬يقولُ‭ ‬‮«‬لكن‭ ‬لأنَّ‭ ‬غِناه‭ ‬يملأُ‭ ‬جوفَهُ‭/ ‬قد‭ ‬صارعَ‭ ‬الإملاقَ‭ ‬حتى‭ ‬أرهقَهْ‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬تبدو‭ ‬الأوطانُ‭ ‬فى‭ ‬صورتها‭ ‬المثاليّة‭ ‬الملأى‭ ‬بالكِفاحِ‭ ‬هنا‭ ‬حين‭ ‬يكونُ‭ ‬الموضوعُ‭ ‬الأصليُّ‭ ‬للقصيدة‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬المُعدِم‭ ‬الذى‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يجِد‭ ‬قُوتَ‭ ‬يومِه‭ ‬لكنّه‭ ‬يقتاتُ‭ ‬القَناعة،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬نَجِدُ‭ ‬هذه‭ ‬الصورةَ‭ ‬المثاليّة‭ ‬فى‭ ‬وصف‭ ‬حاضر‭ ‬الوطن‭ ‬فى‭ ‬قصائد‭ ‬الثلثين‭ ‬الأوَّلَين‭ ‬المتمحورَين‭ ‬أساسًا‭ ‬حول‭ ‬الوطن‭. ‬

‭ ‬ثم‭ ‬يُختتم‭ ‬الديوان‭ ‬بقصيدةٍ‭ ‬منذورةٍ‭ ‬لبكاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬ورثاء‭ ‬حالِه،‭ ‬هى‭ (‬على‭ ‬عَتباتِ‭ ‬العَراء‭)‬،‭ ‬ليكتمل‭ ‬الإطار‭ ‬العامُّ‭ ‬للديوان‭ ‬منسوجًا‭ ‬بالهَمّ‭ ‬الوطنيّ‭ ‬والقوميّ‭.‬

‭>>>‬

‭ ‬احتفى‭ ‬قاموسُ‭ ‬الدّيوان‭ ‬بمفرداتٍ‭ ‬معيّنةٍ‭ ‬تكرّرَت‭ ‬كثيرًا،‭ ‬ما‭ ‬يَفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعَيه‭ ‬أمامَ‭ ‬المهتمّين‭ ‬بالدراسات‭ ‬الأسلوبيّة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬السياقات‭ ‬التى‭ ‬وردَت‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬المفرداتُ‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬دَلالاتُها‭ ‬تنوَّعَت‭ ‬حسبَ‭ ‬هذه‭ ‬السياقات،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ ‬المتكررة‭ (‬المُشتَهَى‭ ‬–‭ ‬خيباتي‭/‬خيبة‭ ‬–‭ ‬سؤالات‭/‬أسئلة‭ ‬–‭ ‬التِّيه‭/‬تتُوه‭ ‬–‭ ‬المَسيح‭ ‬–‭ ‬الصَّليب‭ ‬–‭ ‬المَدَى‭ ‬–‭ ‬آه‭/‬الآه‭ ‬–‭ ‬خارطة‭/‬خرائط‭ ‬–‭ ‬المنفَى‭/‬المَنفِيّ‭ ‬–‭ ‬نَزف‭/‬نَزيف‭ ‬–‭ ‬دَمِى‭ -...‬إلخ‭)‬،‭ ‬غيرَ‭ ‬أنّى‭ ‬أرى‭ ‬بما‭ ‬أدَّعى‭ ‬أنّه‭ ‬حدسٌ‭ ‬لا‭ ‬يتذرّع‭ ‬بإحصاءات‭ ‬الأسلوبيِّين‭ ‬أنّ‭ ‬دَلالات‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ ‬لم‭ ‬تتغيّر،‭ ‬وإنما‭ ‬بقيَت‭ ‬ساكنةً‭ ‬تُراوِحُ‭ ‬مكانَها،‭ ‬وسببُ‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬الثُّلُثَين‭ ‬الأوَّلَين‭ ‬من‭ ‬الديوان‭ ‬رغم‭ ‬تفرُّق‭ ‬قصائدِهما‭ ‬على‭ ‬إيقاعات‭ ‬أبحُرٍ‭ ‬شتّى‭ ‬وعلى‭ ‬تنوُّعٍ‭ ‬معتبَرٍ‭ ‬فى‭ ‬حروف‭ ‬الرَّوِيِّ،‭ ‬يبدُوان‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانا‭ ‬قصيدةً‭ ‬واحدةً،‭ ‬انتهَت‭ ‬وأفرغَت‭ ‬ما‭ ‬تُريدُ‭ ‬قولَه‭ ‬مبكِّرًا‭ ‬جِدًّا،‭ ‬ربما‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬القصيدة‭ ‬الأولى‭ (‬أمّا‭ ‬بَعد‭)‬،‭ ‬ثمّ‭ ‬ظلّت‭ ‬تجترُّ‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬تُريدُ‭ ‬قولَه‭ ‬مرّاتٍ‭ ‬ومرّاتٍ‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬جديدٍ‭ ‬حقيقيٍّ،‭ ‬اللهمّ‭ ‬إلّا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلّق‭ ‬ببعض‭ ‬الصُّور‭ ‬الجزئيّة‭ ‬التى‭ ‬تراوَحَت‭ ‬بين‭ ‬الجَمال‭ ‬اللافتِ‭ ‬والإغراب‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يُسفِر‭ ‬عن‭ ‬معنى‭. ‬وآيةُ‭ ‬ذلك‭ ‬الإفراغِ‭ ‬المبكِّرِ‭ ‬أنّ‭ ‬قصيدة‭ ‬المفتتح‭ (‬أمّا‭ ‬بعد‭) ‬تدورُ‭ ‬حولَ‭ ‬مَعانٍ‭ ‬محددةٍ‭ ‬يمكنُ‭ ‬إيجازُها‭ ‬فى‭ ‬الآتى‭ (‬بؤسُ‭ ‬حال‭ ‬الوطن‭ ‬–‭ ‬استيطانُ‭ ‬الرُّعب‭ ‬فيه،‭ ‬لاسيّما‭ ‬الرُّعب‭ ‬المُسَلَّح‭ ‬–‭ ‬شعورُ‭ ‬الشاعر‭ ‬بالإحباط‭ ‬والخيبةِ‭ ‬انعكاسًا‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬الوطن‭ ‬–‭ ‬حيرتُه‭ ‬إزاء‭ ‬الحُلول‭ ‬المطروحة‭ ‬لقضايا‭ ‬الوطن‭ ‬–‭ ‬تشوُّقُه‭ ‬لانقلاب‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُفرِحُه‭ ‬وينهضُ‭ ‬بالوطن‭ ‬–‭ ‬اقترابُه‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬تحقٌّق‭ ‬حُلمِه‭ ‬الوطنيّ،‭ ‬واكتفاؤهُ‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬بأن‭ ‬يرحمَ‭ ‬القدَرُ‭ ‬وطنَه‭ ‬وشعبَه‭ ‬قليلًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭). ‬بإمكاننا‭ ‬تتبُّع‭ ‬هذه‭ ‬المعانى‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الاختلاف‭ ‬فى‭ ‬التفاصيل‭ ‬والنهايات‭ ‬فى‭ ‬سائر‭ ‬قصائد‭ ‬ذلك‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬الديوان،‭ ‬ففى‭ (‬لُطفًا‭)‬،‭ ‬نجِدُ‭ ‬بؤس‭ ‬الوطن‭ ‬واستيطان‭ ‬الرُّعب‭ ‬فى‭ ‬قولِه‭ ‬‮«‬قِف‭ ‬أيُّها‭ ‬الوطنُ‭ ‬المَسيحُ‭ ‬لأسألَك‭/ ‬كيفَ‭ ‬استخفَّ‭ ‬بكَ‭ ‬الدُّخانُ‭ ‬وأثقلَك‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نصطدمَ‭ ‬بأملِه‭ ‬فى‭ ‬انقلاب‭ ‬الحالِ‭ ‬فى‭ ‬قولِه‭ ‬‮«‬مازلتُ‭ ‬منتظرًا‭ ‬رجوعَكَ‭ ‬فاتِحًا‭/ ‬مُدُنَ‭ ‬النَّدَى‭ ‬ليَعُودَ‭ ‬شَيطانى‭ ‬ملَكْ‮»‬،‭ ‬وفى‭ (‬أمامَ‭ ‬حائط‭ ‬المَنفَى‭) ‬نجدُ‭ ‬الإحباط‭ ‬والخيبة‭ ‬المنعكسَين‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬الوطن‭ ‬فى‭ ‬قولِه‭ ‬‮«‬يا‭ ‬آهُ‭ ‬فيكَ‭ ‬الغَيبُ‭ ‬أنجبَني‭/ ‬شَيخًا،‭ ‬فِطامى‭ ‬ما‭ ‬رأى‭ ‬لبَني‭/ ‬يا‭ ‬آهُ‭ ‬فيكَ‭ ‬خرائطى‭ ‬انفصَمَت‭/ ‬وإلى‭ ‬دُناكَ‭ ‬التِّيهُ‭ ‬سَرَّبَني‮»‬،‭ ‬لكنّه‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يتحول‭ ‬عن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الخيبة‭ ‬والحسرة،‭ ‬وفى‭ (‬حياةٌ‭ ‬مجازيّة‭) ‬نجدُ‭ ‬بؤس‭ ‬الوطن‭ ‬فى‭ ‬قوله‭ ‬‮«‬قد‭ ‬كُنتَ‭ ‬للسعدِ‭ ‬بابًا‭/ ‬وبابُكَ‭ ‬اليومَ‭ ‬مُغلَق‭/ ‬ها‭ ‬أنتَ‭ ‬تبدو‭ ‬مسيحًا‭/ ‬بكُلِّ‭ ‬رُعبٍ‭ ‬مُعَلَّقْ‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يُطِلّ‭ ‬الشوقُ‭ ‬إلى‭ ‬تحسُّن‭ ‬الحال‭ ‬فى‭ ‬قولِه‭ ‬‮«‬هل‭ ‬فيكَ‭ ‬لى‭ ‬مِن‭ ‬حياةٍ‭/ ‬جدارُها‭ ‬ما‭ ‬تشَقَّقْ؟‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬تأتى‭ ‬الخاتمةُ‭ ‬سريعًا‭ ‬بالشّكّ‭ ‬فى‭ ‬تحقق‭ ‬الحُلم‭ ‬الوطنيّ‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بأن‭ ‬يظلّ‭ ‬الشاعرُ‭ ‬عاشقًا‭ ‬لوطنِه‭ ‬رغم‭ ‬البؤس‭ ‬والرُّعب‭ ‬‮«‬إن‭ ‬لَمْ‭ ‬فيَكفى‭ ‬بأنّي‭/ ‬فى‭ ‬غَمرَةِ‭ ‬المَوتِ‭ ‬أعشَقْ‭.‬‮»‬

‭ ‬أمّا‭ ‬تراوُح‭ ‬الصُّور‭ ‬الجزئيّة،‭ ‬فممّا‭ ‬له‭ ‬جَمالٌ‭ ‬لا‭ ‬يُجحَدُ‭ ‬تلك‭ ‬الصُّور‭ ‬البسيطةُ‭ ‬التى‭ ‬تُوجِزُ‭ ‬مُرادَه‭ ‬وتستدعيه‭ ‬إلى‭ ‬مملكة‭ ‬المحسوساتِ‭ ‬بجُملةٍ‭ ‬قصيرةٍ،‭ ‬كما‭ ‬فى‭ ‬البيت‭ ‬الذى‭ ‬أسلَفنا‭ ‬ذِكرَه‭ ‬لتوِّنا‭ ‬‮«‬هل‭ ‬فِيكَ‭ ‬لِى‭ ‬مِن‭ ‬حياةٍ‭/ ‬جِدارُها‭ ‬ما‭ ‬تَشَقَّقْ؟‮»‬،‭ ‬وكما‭ ‬يقولُ‭ ‬فى‭ (‬احتضارٌ‭ ‬تحريريّ‭): ‬‮«‬كيفَ‭ ‬هاجَرتَ‭ ‬مِن‭ ‬مَعانيكَ‭ ‬يا‭ ‬مَن‭/ ‬أنتَ‭ (‬رِضوانُ‭) ‬أغنياتى‭ ‬و‭(‬مالِك‭)‬؟‮»‬‭ ‬فهو‭ ‬باستدعاءين‭ ‬بسيطَين‭ ‬لشخصيَّتَى‭ ‬خازِنَى‭ ‬الجَنّة‭ ‬والنّار‭ ‬فى‭ ‬الأثر‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬يجعلُ‭ ‬الوطنَ‭ ‬مِنبعًا‭ ‬لكلّ‭ ‬ما‭ ‬يَمورُ‭ ‬به‭ ‬عالَمُه‭ ‬الشِّعريُّ‭ ‬من‭ ‬مفرداتٍ‭ ‬وموضوعاتٍ‭ ‬وأفراحٍ‭ ‬وأتراحٍ،‭ ‬أى‭ ‬أنه‭ ‬يرُدُّ‭ ‬ذاتَه‭ ‬الشاعرةَ‭ ‬بتَمامِها‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭. ‬ونَجِدُ‭ ‬نفس‭ ‬التوفيق‭ ‬فى‭ ‬استدعاءات‭ ‬التاريخِ‭ ‬فى‭ ‬قصيدة‭ (‬كأنه‭ ‬هُو‭) ‬حين‭ ‬يقولُ‭ ‬‮«‬شَمسُهُ‭ ‬أنكرَت‭ (‬سَبَا‭)/ ‬صخرُهُ‭ ‬قالَ‭ (‬ما‭ ‬إِرَمْ؟‭)‬‮»‬،‭ ‬حيثُ‭ ‬ينفلِت‭ ‬الوطنُ‭ ‬من‭ ‬تاريخِه‭ ‬الطويلِ‭ ‬العريقِ‭ ‬فى‭ ‬حاضِرِه‭ ‬المُعتِم،‭ ‬حتى‭ ‬لكأنّ‭ ‬عناصر‭ ‬الطبيعةِ‭ ‬فيه‭ ‬نفسَها‭ ‬تتنكّرُ‭ ‬لمفردات‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخِ،‭ ‬فلا‭ ‬تعرفُ‭ ‬الشمسُ‭ ‬سَبَأً‭ ‬ولا‭ ‬يعرفُ‭ ‬الصخرُ‭ ‬عادا‭.‬

‭>>>‬

‭ ‬وممّا‭ ‬يجنحُ‭ ‬إلى‭ ‬الإغرابِ‭ ‬صُوَرٌ‭ ‬مِثلُ‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬قصيدته‭ (‬فى‭ ‬غَيابَة‭ ‬الحُبّ‭) ‬مِن‭ ‬الثلُث‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الديوانِ‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬يُسمِّرُنى‭ ‬الشَّقاءُ‭ ‬ويحتَسيني‭/ ‬فأغدو‭ ‬تحتَ‭ ‬جِنزيرِ‭ ‬الرَّزايا‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬ابتدأ‭ ‬هنا‭ ‬بتشخيص‭ ‬الشّقاء‭ ‬الذى‭ ‬يسمِّرُه،‭ ‬فى‭ ‬صَليبٍ‭ ‬على‭ ‬الأرجَح‭ ‬–‭ ‬مستدعِيًا‭ ‬المَسيحَ‭ ‬هنا‭ ‬أيضًا‭ ‬ومتوحِّدًا‭ ‬معه‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يصرّح‭ ‬بذلك‭ ‬–‭ ‬ثمّ‭ ‬مزّق‭ ‬الصورةَ‭ ‬بغتةً‭ ‬ليجعلَ‭ ‬الشقاءَ‭ ‬يحتسيه،‭ ‬ولا‭ ‬ندرى‭ ‬أيعنى‭ ‬أنه‭ ‬يحتسى‭ ‬دمَه‭ ‬أم‭ ‬ماذا،‭ ‬ثمّ‭ ‬نراه‭ ‬فى‭ ‬اللقطة‭ ‬التالية‭ ‬فى‭ ‬الشطر‭ ‬الثانى‭ ‬مُلقىً‭ ‬تحت‭ ‬جِنزيرِ‭ ‬المصائب،‭ ‬فتكون‭ ‬المحصِّلةُ‭ ‬أنّ‭ ‬الصُّوَر‭ ‬المتلاحقةَ‭ ‬غيرَ‭ ‬المكتملةِ‭ ‬لا‭ ‬تترُكُ‭ ‬للمتلقّى‭ ‬فُسحةً‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬ليتذوَّقَها‭ ‬أو‭ ‬يستوعبَها‭. ‬وكذلك‭ ‬البيت‭ ‬الأخير‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬القصيدة‭ ‬‮«‬لأنّى‭ ‬مَن‭ ‬بها‭ ‬نَكَأَ‭ ‬التَّشَظِّي‭/ ‬ومَن‭ ‬أَلقَى‭ ‬بها‭ ‬جُبَّ‭ ‬الصَّبايا‮»‬،‭ ‬وضميرُ‭ ‬الغائبة‭ ‬عائدٌ‭ ‬إمّا‭ ‬على‭ ‬مُناهُ‭ ‬أو‭ ‬أناملِ‭ ‬مُناهُ‭ ‬كما‭ ‬نفهمُ‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬السابق‭ ‬‮«‬أُباغِتُنى‭ ‬فأصفعُنى‭ ‬وأَمضي‭/ ‬وقد‭ ‬عَضَّت‭ ‬أنامِلَها‭ ‬مُنايا‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬نعرفُ‭ ‬إلامَ‭ ‬يقودُنا‭ ‬تجسيدُ‭ ‬معنىً‭ ‬موغِلٍ‭ ‬فى‭ ‬التجرُّد‭ ‬كالتشظِّى‭ ‬بكون‭ ‬كالجُرح‭ ‬الذى‭ ‬يُنكَأ،‭ ‬ولا‭ ‬بماذا‭ ‬ألقَى‭ ‬الشاعرُ‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الجُبّ‭ ‬المنسوب‭ ‬إلى‭ ‬الصَّبايا‭! ‬أعنى‭ ‬أنّ‭ ‬تتبُّع‭ ‬المعنى‭ ‬هنا‭ ‬أمرٌ‭ ‬بالغُ‭ ‬الصعوبة‭. ‬لكننا‭ ‬أخيرًا‭ ‬حين‭ ‬نُطالِعُ‭ ‬التاريخ‭ ‬الذى‭ ‬ذُيِّلَت‭ ‬به‭ ‬القصيدة‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬نلتمسُ‭ ‬بعضَ‭ ‬العُذر‭ ‬للشاعر،‭ ‬فهى‭ ‬قصيدةٌ‭ ‬مبكّرةٌ‭ ‬بين‭ ‬قصائد‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬التى‭ ‬أُنجِزَ‭ ‬معظمُها‭ ‬بين‭ ‬2015‭ ‬و2016‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬بلا‭ ‬شَكٍّ‭ ‬قد‭ ‬قطع‭ ‬شوطًا‭ ‬أطولَ‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬نُضجِ‭ ‬تجربته‭ ‬وعدم‭ ‬الاستسلام‭ ‬لأوّل‭ ‬ما‭ ‬يُلقيهِ‭ ‬إليه‭ ‬تحالُفُ‭ ‬الإيقاعِ‭ ‬العَروضِيّ‭ ‬والتّداعِى‭ ‬الحُرّ‭ ‬وحُروف‭ ‬الرّوِيّ‭!‬

‭ ‬ثَمّ‭ ‬نقطةٌ‭ ‬أخيرةٌ‭ ‬تتعلّق‭ ‬بثلاث‭ ‬مقطَّعاتٍ‭ ‬قصيرةٍ‭ ‬عَنوَنَ‭ ‬شاعرُنا‭ ‬كُلًّا‭ ‬منها‭ ‬بـ‭(‬نَزف‭). ‬فى‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬ناشدتُكَ‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬مَن‭ ‬كُنتَ‭ ‬لى‭ ‬وَطنا‭/ ‬عُد‭ ‬لى‭ ‬فمُذ‭ ‬غِبتَ‭ ‬رُوحى‭ ‬لا‭ ‬تَرى‭ ‬البَدَنا‭/ ‬عُد‭ ‬لى‭ ‬حنانَيكَ‭ ‬إنّى‭ ‬إذ‭ ‬نَفَوكَ‭ ‬ضُحَىً‭/ ‬أيقظتُ‭ ‬قلبى‭ ‬ونامَت‭ ‬أعيُنُ‭ ‬الجُبَنا‮»‬‭ ‬يتأرجَح‭ ‬المُرادُ‭ ‬بين‭ ‬الوطن‭ ‬بمعناه‭ ‬المتعارَف‭ ‬عليه‭ ‬والحبيبة،‭ ‬وينطق‭ ‬البيتان‭ ‬بذلك‭ ‬الشوق‭ ‬العارمِ‭ ‬الذى‭ ‬أسلفنا‭ ‬الحديث‭ ‬عليه‭. ‬فى‭ ‬الثانية‭ ‬‮«‬بين‭ (‬لو‭ ‬كانَ‭) ‬وانكساراتِ‭ (‬لكنْ‭)/ ‬حرَّكَ‭ ‬القَلبُ‭ ‬جُرحَه‭ ‬وهو‭ ‬ساكِنْ‭/ ‬ها‭ ‬هُوَ‭ ‬الآنَ‭ ‬فى‭ ‬الهوى‭ ‬مِثلُ‭ ‬ظَرفٍ‭/ ‬يَحشُرُ‭ ‬الوقتَ‭ ‬فى‭ ‬ضجيجِ‭ ‬الأماكِنْ‮»‬‭ ‬يَغيم‭ ‬المرادُ‭ ‬ويَغمُضُ‭ ‬قياسًا‭ ‬إلى‭ ‬النزف‭ ‬الأول،‭ ‬لكننا‭ ‬مازلنا‭ ‬إزاء‭ ‬الجُرح‭ ‬واللوعة‭ ‬والحسرة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كان‭. ‬فى‭ ‬الثالثة‭ ‬‮«‬لَمّا‭ ‬استغاثَت‭ ‬بالعَراءِ‭ ‬جِهاتي‭/ ‬وتنكَّرَت‭ ‬عن‭ ‬ذاتِها‭ ‬مرآتي‭/ ‬وارَيتُ‭ ‬سَوءَةَ‭ ‬حاضِرِى‭ ‬بمَتاهَتي‭/ ‬وطَفِقتُ‭ ‬أركُضُ‭ ‬فى‭ ‬ضَجيجِ‭ ‬الآتي‮»‬‭ ‬يغيمُ‭ ‬الموضوعُ‭ ‬أكثرَ‭ ‬وأكثرَ،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬الشعورَ‭ ‬بالتِّيه‭ ‬وفُقدان‭ ‬البوصَلَة‭ ‬يزداد‭. ‬والمُلاحَظُ‭ ‬أنّ‭ ‬نفيَ‭ ‬الوطنِ‭ ‬فى‭ ‬النزفِ‭ ‬الأوّل‭ ‬يتلوه‭ ‬تدافُعُ‭ ‬للأماكنِ‭ ‬المُجَهَّلَةِ‭ ‬فى‭ ‬النزف‭ ‬الثانى،‭ ‬وهى‭ ‬أماكنُ‭ ‬ملأى‭ ‬بالضجيج‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يُفصِح‭ ‬عن‭ ‬شيءٍ،‭ ‬ثم‭ ‬تستحيلُ‭ ‬تلك‭ ‬الأماكنُ‭ ‬إلى‭ ‬عَراءٍ‭ ‬مُقفِرٍ‭ ‬فى‭ ‬النزف‭ ‬الثالث،‭ ‬ويواكِبُ‭ ‬ذلك‭ ‬فُقدانٌ‭ ‬للذات‭ ‬وحُلولٌ‭ ‬للمتاهةِ‭ ‬محَلّ‭ ‬الهُوِيّة،‭ ‬كما‭ ‬يمتدُّ‭ ‬الضجيجُ‭ ‬من‭ ‬الأماكنِ‭ ‬إلى‭ ‬الزمنِ‭ ‬نفسِه‭ ‬‮«‬ضجيج‭ ‬الآتي‮»‬‭. ‬والشاهدُ‭ ‬أنّ‭ ‬تلك‭ ‬المقطَّعاتِ‭ ‬التى‭ ‬تَشى‭ ‬عناوينُها‭ ‬بكونِها‭ ‬الأقربَ‭ ‬بين‭ ‬قصائد‭ ‬الديوان‭ ‬إلى‭ ‬التداعى‭ ‬الحُرّ‭ - ‬حيث‭ ‬يترُكُ‭ ‬الشاعرُ‭ ‬لنفسِه‭ ‬أن‭ ‬تنزِفَ‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحدّدَ‭ ‬موضوعًا‭ ‬–‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬إلّا‭ ‬صَدَىً‭ ‬لاواعٍ‭ ‬لسيطرة‭ ‬الموضوع‭ ‬الواحد‭ ‬على‭ ‬وعيِه،‭ ‬وهو‭ ‬موضوعُ‭ ‬الوطن‭ ‬الذى‭ ‬يستحيلُ‭ ‬فى‭ ‬الثلث‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬الحبيبة‭. ‬وما‭ ‬أقترحُهُ‭ ‬فى‭ ‬تواضُعٍ‭ ‬على‭ ‬شاعرِنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يجرِّبَ‭ ‬أسلحةً‭ ‬مختلفةً‭ ‬يَكوِى‭ ‬بها‭ ‬جراحَه‭ ‬المُضارِعة،‭ ‬فالبقاء‭ ‬فى‭ ‬دائرة‭ (‬الوطن‭ ‬–‭ ‬الحبيبة‭) ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬يأتى‭ ‬بجديدٍ،‭ ‬وفى‭ ‬تقديرى‭ ‬أنّ‭ ‬التجريبَ‭ ‬المقدامَ‭ ‬خارجَ‭ ‬هذه‭ ‬الدائرة‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يقلّصَ‭ ‬مساحة‭ ‬النزف‭ ‬غير‭ ‬المعنوَن،‭ ‬فستتقافَز‭ ‬العناوينُ‭ ‬المُثيرةُ‭ ‬للفكر‭ ‬والوجدان‭ ‬إلى‭ ‬صفحاتِه،‭ ‬وستنفتِحُ‭ ‬آفاقٌ‭ ‬أرحَبُ‭ ‬أمامَ‭ ‬قلمِه،‭ ‬ومَن‭ ‬يدرى،‭ ‬فربّما‭ ‬تندَمِلُ‭ ‬جِراحُه‭ ‬المُضارعةُ‭ ‬أو‭ ‬يتخفف‭ ‬من‭ ‬ألمِها‭ ‬المُمِضّ‭ ‬على‭ ‬أقلّ‭ ‬تقدير‭.‬