كنوز الأميرة

مزارع صعيدى اكتشفها عام 1956: مخطوطات تؤكد معرفة الإنسان بالله بدأت من مصر

علماء من ٦ دول شاركوا فى فحص المخطوطات
علماء من ٦ دول شاركوا فى فحص المخطوطات

قراءة‭:‬‭ ‬أحمد‭ ‬الجمَّال

العارفون‭ ‬بالله‭ ‬نشأوا‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬هذا‭ ‬ملخص‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬13‭ ‬لفافة‭ ‬من‭ ‬ورق‭ ‬البردى‭ ‬عمرها‭ ‬1700‭ ‬عام،‭ ‬أما‭ ‬الحكاية‭ ‬فترويها‭ ‬آخرساعة‭ ‬فى‭ ‬تقرير‭ ‬نشرته‭ ‬قبل‭ ‬65‭ ‬عاماً،‭ ‬حين‭ ‬عثر‭ ‬مزارع‭ ‬صعيدى‭ ‬فى‭ ‬نجع‭ ‬حمادى‭ ‬بمحافظ‭ ‬قنا‭ ‬على‭ ‬جرةٍ‭ ‬فى‭ ‬أرضه‭ ‬الزراعية‭ ‬ولما‭ ‬فتحها‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬سوى‭ ‬هذه‭ ‬اللفائف،‭ ‬ليكتشف‭ ‬علماء‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬بعد‭ ‬فحصها‭ ‬وترجمة‭ ‬مضمونها‭ ‬سراً‭ ‬خطيراً‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬معرفة‭ ‬الإنسان‭ ‬بالله‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬وأن‭ ‬مصر‭ ‬مهد‭ ‬الرهبنة‭.. ‬التفاصيل‭ ‬بالكامل‭ ‬نعيد‭ ‬نشرها‭ ‬نصاً‭ ‬فى‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭ ‬بتصرف‭ ‬محدود‭:‬

 

بدأت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬عملية‭ ‬حل‭ ‬رموز‭ ‬أوراق‭ ‬البردى‭ ‬التى‭ ‬عثر‭ ‬عليها‭ ‬فلاح‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬نجع‭ ‬حمادى‭ (‬بمحافظة‭ ‬قنا‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬عثر‭ ‬العلماء‭ ‬القادمون‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬بلدان‭ ‬ليشتركوا‭ ‬فى‭ ‬حل‭ ‬طلاسم‭ ‬البردى‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬ضخمة‭.. ‬إن‭ ‬معرفة‭ ‬الإنسان‭ ‬بالله‭ ‬بدأت‭ ‬فى‭ ‬مصر‭!‬

حفنة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬تكتشف‭ ‬سر‭ ‬العارفين‭ ‬بالله‭!.. ‬جاءوا‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وهولندا‭ ‬وسويسرا‭ ‬وإنجلترا‭ ‬والنمسا،‭ ‬ليقفوا‭ ‬على‭ ‬السر‭ ‬ويعلنوه‭ ‬للعالم،‭ ‬ومن‭ ‬ورائهم‭ ‬جاءت‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬ومحطات‭ ‬التلفزيون‭ ‬لتنقل‭ ‬للملايين‭ ‬فى‭ ‬أمريكا‭ ‬صورة‭ ‬حية‭ ‬لمناقشات‭ ‬العلماء‭ ‬العشرة‭.‬

جرة‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الفخار‭ ‬اكتشفها‭ ‬فلاح‭ ‬مصرى‭ ‬كانت‭ ‬السبب‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الضجة،‭ ‬فقد‭ ‬عثر‭ ‬فى‭ ‬بطن‭ ‬الجرة‭ ‬على‭ ‬13‭ ‬ملفاً‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬البردى‭ ‬عمرها‭ ‬1700‭ ‬سنة‭ ‬ومكتوبة‭ ‬بالزعفران،‭ ‬بحروف‭ ‬يونانية‭ ‬وديموطيقية‭.‬

وللمرة‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬سيقف‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬حقائق‭ ‬جديدة‭ ‬مذهلة‭:‬

‭< ‬الفلسفات‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تعزى‭ ‬إلى‭ ‬اليونان‭ ‬وأصبحت‭ ‬تعزى‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭.‬

‭< ‬فلسفات‭ ‬العالم‭ ‬التى‭ ‬نقلت‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم‭.‬

‭< ‬علاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬بأخيه‭ ‬ثم‭ ‬بالله،‭ ‬قبل‭ ‬المسيحية‭ ‬وبعدها‭.‬

‭< ‬اللغة‭ ‬الهيروغليفية،‭ ‬وكيف‭ ‬تطوَّرت‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الميلادى‭.‬

‭< ‬مصر‭ ‬التى‭ ‬تفتح‭ ‬أبواب‭ ‬المعرفة‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬العلماء‭.. ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬فرنسى‭ ‬أو‭ ‬إنجليزى‭ ‬أو‭ ‬مصرى‭.‬

فى‭ ‬الجرة‭ ‬كنز

وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬سننشر‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬المسجّلة‭ ‬على‭ ‬أوراق‭ ‬البردى‭ ‬باللغة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬المكتوبة‭ ‬بها،‭ ‬والتى‭ ‬كانت‭ ‬معروفة‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الميلادى،‭ ‬ثم‭ ‬تترجم‭ ‬إلى‭ ‬اللغات‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية‭ ‬والألمانية،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭.. ‬فما‭ ‬حكاية‭ ‬أوراق‭ ‬البردى‭ ‬التى‭ ‬شغلت‭ ‬علماء‭ ‬العالم؟‭ ‬وكيف‭ ‬عثر‭ ‬عليها‭ ‬الفلاح‭ ‬المصرى؟‭ ‬ولماذا‭ ‬اجتمع‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬حولها‭ ‬شهراً‭ ‬كاملاً؟‭ ‬وما‭ ‬نتيجة‭ ‬دراستها‭ ‬ونشرها؟‭ ‬وإلى‭ ‬أى‭ ‬حد‭ ‬ستؤثر‭ ‬فى‭ ‬الفلسفات‭ ‬الجديدة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬فتحت‭ ‬مصر‭ ‬ذراعيها،‭ ‬لترحب‭ ‬بعلماء‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وإنجلترا‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات؟

لقد‭ ‬كان‭ ‬حدثاً‭ ‬خطيراً‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬فلاح‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭ ‬بنجع‭ ‬حمادى،‭ ‬حينما‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬جرةٍ‭ ‬من‭ ‬الفخار‭ ‬مطمورة‭ ‬فى‭ ‬أرضه‭ ‬الزراعية،‭ ‬وظن‭ ‬يومها‭ ‬أنه‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬كنز‭ ‬من‭ ‬الذهب،‭ ‬وعاش‭ ‬القروى‭ ‬فى‭ ‬حلم‭ ‬لذيذ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فتح‭ ‬الجرة‭ ‬فوجدها‭ ‬مشحونة‭ ‬بلفائف‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬مكتوبة‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬منها‭ ‬حرفاً‭ ‬واحداً‭.‬

لقد‭ ‬فكَّر‭ ‬يومها‭ ‬فى‭ ‬حرقها‭ ‬كوقود‭ ‬لتدفئته‭ ‬فى‭ ‬الليل،‭ ‬لكنه‭ ‬تراجع‭ ‬حينما‭ ‬نصحه‭ ‬قريبه‭ ‬فى‭ ‬الحقل‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬العُمدة،‭ ‬وكان‭ ‬الأخير‭ ‬أكثر‭ ‬ذكاءً‭ ‬من‭ ‬فلاحه،‭ ‬فأشار‭ ‬عليه‭ ‬بعرض‭ ‬اللفائف‭ ‬للبيع،‭ ‬واقتسم‭ ‬وإياه‭ ‬الغنيمة‭ ‬التى‭ ‬نجت‭ ‬من‭ ‬الحريق‭ ‬بأعجوبة‭!‬

وبعد‭ ‬قليل‭ ‬كان‭ ‬نصيب‭ ‬أحدهما،‭ ‬وهو‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر،‭ ‬يُعرض‭ ‬على‭ ‬تاجر‭ ‬عاديات‭ ‬إيطالى‭ ‬فى‭ ‬القاهرة،‭ ‬وأسرع‭ ‬التاجر‭ ‬بشراء‭ ‬الصفقة،‭ ‬وعرضها‭ ‬للبيع‭ ‬باسم‭ ‬مدام‭ ‬اديتارىب‭ ‬الإيطالية‭.‬

20‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬ثمن‭ ‬اللفائف

وخرج‭ ‬تاجر‭ ‬العاديات‭ ‬الإيطالى‭ ‬يعرض‭ ‬الصفقة‭ ‬على‭ ‬علماء‭ ‬الآثار‭ ‬ويطلب‭ ‬ثمناً‭ ‬قدره‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬جنيه،‭ ‬ويومها‭ ‬عرف‭ ‬الدكتور‭ ‬باهور‭ ‬لبيب‭ ‬مدير‭ ‬المتحف‭ ‬القبطى‭ ‬كل‭ ‬التفصيلات،‭ ‬وعرف‭ ‬أن‭ ‬وراء‭ ‬الصفقة‭ ‬قصة‭ ‬مثيرة،‭ ‬وأن‭ ‬لهذه‭ ‬الأوراق‭ ‬بقية‭ ‬تسربت‭ ‬إلى‭ ‬معهد‭ ‬يونج‭ ‬بسويسرا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أحد‭ ‬لصوص‭ ‬الآثار‭ ‬الأجانب‭.. ‬لقد‭ ‬أدرك‭ ‬أنه‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬كنزٍ‭ ‬ثمين‭.‬

ولكن‭ ‬مدير‭ ‬المتحف‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬دفع‭ ‬الثمن،‭ ‬ورفع‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬المسئولين‭ ‬عن‭ ‬الآثار،‭ ‬وطالب‭ ‬بمعاملة‭ ‬الآثار‭ ‬المخطوطة‭ ‬معاملة‭ ‬الآثار‭ ‬الحجرية،‭ ‬وبإصدار‭ ‬قانون‭ ‬بمصادرتها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتسرب‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬وبأن‭ ‬تكافأ‭ ‬مدام‭ ‬اديتارىب‭ ‬مكافأة‭ ‬مجزية،‭ ‬ولكنها‭ ‬رفعت‭ ‬دعوى‭ ‬عاجلة‭ ‬تطالب‭ ‬بالثمن‭ ‬كاملاً،‭ ‬وكان‭ ‬يؤيدها‭ ‬أحد‭ ‬الوزراء‭ ‬السابقين‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬المحامين‭.. ‬وصدر‭ ‬قانون‭ ‬المصادرة‭ ‬فعلاً،‭ ‬وبذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الأوراق‭ ‬ملكاً‭ ‬للدولة،‭ ‬وسارت‭ ‬القضية‭ ‬فى‭ ‬طريقها‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭.‬

دعوة‭ ‬للعلماء

وفى‭ ‬أول‭ ‬أكتوبر‭ ‬الحالى‭ (‬1956‭) ‬وافقت‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬على‭ ‬اقتراح‭ ‬مجلس‭ ‬الآثار‭ ‬الأعلى‭ ‬بتكوين‭ ‬لجنة‭ ‬دولية‭ ‬من‭ ‬مصريين‭ ‬وأجانب‭ ‬لدراسة‭ ‬أوراق‭ ‬البردى‭ ‬الجديدة،‭ ‬وكانت‭ ‬الرسائل‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أقطار‭ ‬الدنيا،‭ ‬وأسماع‭ ‬العلماء‭ ‬فى‭ ‬فرنسا‭ ‬وسويسرا‭ ‬وإنجلترا‭ ‬وأمريكا‭.‬

وتلقت‭ ‬مصر‭ ‬ردوداً‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬ومن‭ ‬الجامعات،‭ ‬وكلها‭ ‬تطلب‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭.. ‬وشهدت‭ ‬قاعة‭ ‬الاجتماعات‭ ‬بالمتحف‭ ‬القبطى‭ ‬بمصر‭ ‬القديمة‭ ‬أول‭ ‬اجتماع‭ ‬من‭ ‬نوعه‭.. ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬يمثلون‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬ومعهم‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الآثار‭ ‬المصريين‭ ‬الأخصائيين‭ ‬فى‭ ‬اللغة‭ ‬القبطية‭ ‬بالذات‭ ‬وهم‭ ‬يقومون‭ ‬بدراسة‭ ‬أوراق‭ ‬البردى‭ ‬التى‭ ‬كتبت‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬عهد‭ ‬للمسيحية،‭ ‬وافتتح‭ ‬الدكتور‭ ‬هويبلد‭ ‬الهولندى‭ ‬الجنسية‭ ‬الأستاذ‭ ‬بجامعة‭ ‬أوترخت‭ ‬أول‭ ‬جلسة‭ ‬يشكر‭ ‬حكومة‭ ‬مصر‭ ‬باسمه‭ ‬وباسم‭ ‬زملائه‭ ‬العلماء‭ ‬لأنها‭ ‬أتاحت‭ ‬لهم‭ ‬الفرصة‭ ‬للبحث‭ ‬العلمى‭ ‬البحت،‭ ‬وفى‭ ‬أرض‭ ‬الأحلام‭.‬

العارفون‭ ‬بالله

ويفتح‭ ‬العلماء‭ ‬العشرة‭ ‬عيونهم‭ ‬على‭ ‬التفصيلات‭ ‬المثيرة‭ ‬التى‭ ‬تكمن‭ ‬داخل‭ ‬المخطوطات،‭ ‬ويظلون‭ ‬يعملون‭ ‬فى‭ ‬صمت‭ ‬وفى‭ ‬صبر‭ ‬طويل،‭ ‬خلال‭ ‬الجلسات‭ ‬التى‭ ‬استغرقت‭ ‬شهراً‭ ‬كاملاً،‭ ‬والتى‭ ‬انتهت‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬بالوقوف‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬الجديدة‭ ‬عن‭ ‬دنيا‭ ‬التصوف‭ ‬قبل‭ ‬المسيحية‭ ‬وبعدها،‭ ‬وعن‭ ‬فلسفة‭ ‬العارفين‭ ‬بالله‭.‬

لقد‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬تطوَّرت‭ ‬اللغة‭ ‬الهيروغليفية‭ ‬القديمة‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬مراحل‭ ‬حياتها‭ ‬الديموطيقية،‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬المصرية،‭ ‬وأن‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬السوريانية‭ ‬والقبطية‭ ‬واليونانية‭ ‬كانت‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬فلسفة‭ ‬العارفين‭ ‬بالله‭ ‬التى‭ ‬انتشرت‭ ‬قبل‭ ‬المسيحية،‭ ‬ثم‭ ‬معرفة‭ ‬الإنسان‭ ‬بالله‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوى‭ ‬فلسفة‭ ‬منبعها‭ ‬اليونان،‭ ‬والآن‭ ‬كشفت‭ ‬لهم‭ ‬المخطوطات‭ ‬البردية‭ - ‬وبالذات‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭ ‬خاصاً‭ ‬برسالة‭ ‬مصر‭- ‬حقيقة‭ ‬الموقف،‭ ‬وأكدت‭ ‬لهم‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬هذه‭ ‬الفلسفة‭ ‬شرقى‭ ‬بحت،‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يؤكد‭ ‬العلماء‭ ‬قديماً‭ ‬وينشرون،‭ ‬وأن‭ ‬نشأة‭ ‬التصوف‭ ‬كانت‭ ‬مصرية،‭ ‬مستقاة‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الصحراء،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬مصر‭ ‬مهد‭ ‬الرهبنة،‭ ‬ثم‭ ‬خرجت‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭.‬

ويقول‭ ‬الدكتور‭ ‬مراد‭ ‬كامل،‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬اللغات‭ ‬الشرقية‭ ‬بكلية‭ ‬آداب‭ ‬القاهرة،‭ ‬عميد‭ ‬مدرسة‭ ‬الألسن،‭ ‬عضو‭ ‬اللجنة‭ ‬المصرى‭: ‬إن‭ ‬نشأة‭ ‬التصوف‭ ‬قديماً‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الصحراء‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تغرى‭ ‬المصريين‭ ‬بالالتجاء‭ ‬إليها‭ ‬كلما‭ ‬أراد‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬همومه‭ ‬أو‭ ‬ينشد‭ ‬الراحة‭ ‬والعلاج‭ ‬والهدوء‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الناس،‭ ‬وأن‭ ‬القدماء‭ ‬كانوا‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬التقرب‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬يوصل‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬الخالق‭.‬

ويستعيد‭ ‬الدكتور‭ ‬مراد‭ ‬ذكرياته‭ ‬عن‭ ‬الفلسفة‭ ‬المصرية‭ ‬ويقول‭: ‬إن‭ ‬فلسفة‭ ‬العارفين‭ ‬بالله‭ ‬التى‭ ‬كشفت‭ ‬عنها‭ ‬المخطوطات،‭ ‬والفلسفة‭ ‬عامة،‭ ‬كان‭ ‬الأجانب‭ ‬ينكرون‭ ‬فضل‭ ‬مصر‭ ‬عليها،‭ ‬ويتجهون‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬فلسفة‭ ‬يونانية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أثبتت‭ ‬هذه‭ ‬الأوراق‭ ‬الحقيقة‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفتخر‭ ‬بتاريخنا‭ ‬الفلسفى‭ ‬الضارب‭ ‬فى‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ،‭ ‬ونستطيع‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬إلى‭ ‬أى‭ ‬مدى‭ ‬حاول‭ ‬الأجانب‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬مصر‭ ‬وحضارتها‭ ‬القديمة،‭ ‬ولكنهم‭ ‬لم‭ ‬يفلحوا،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القضاء‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬انطوى‭ ‬عليها‭ ‬أهلها‭ ‬يحفظونها‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬أبنائها‭ ‬من‭ ‬أتاح‭ ‬لها‭ ‬النشر‭ ‬فى‭ ‬عهدها‭ ‬الجديد‭.‬

والطريف‭ ‬أن‭ ‬العلماء‭ ‬الأجانب‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬أبحاثهم‭ ‬فى‭ ‬أجواء‭ ‬شرقية‭ ‬بحتة‭.. ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬اسمه‭ ‬الدكتور‭ ‬بويسن،‭ ‬الأستاذ‭ ‬بـاالكليج‭ ‬دى‭ ‬فرانسب،‭ ‬عاش‭ ‬طول‭ ‬مدة‭ ‬إقامته‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬وهو‭ ‬يطلب‭ ‬الملوخية‭ ‬والحمام‭ ‬والكباب‭ ‬والكفتة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬وجبات‭ ‬الطعام،‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬الهولندى‭ ‬الأستاذ‭ ‬بجامعة‭ ‬أوترخت‭ ‬الدكتور‭ ‬كويسيل،‭ ‬ما‭ ‬كاد‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬موعد‭ ‬الجلسات‭ ‬قد‭ ‬أوشك‭ ‬على‭ ‬الانتهاء‭ ‬حتى‭ ‬أبرق‭ ‬إلى‭ ‬زوجته‭ ‬الهولندية‭ ‬لتحضر‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لتزور‭ ‬معه‭ ‬آثارها‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬قبل‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬بلاده‭.. ‬وجاءت‭ ‬زوجته‭ ‬فعلاً،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬خمس‭ ‬لغات‭ ‬معرفة‭ ‬جيدة،‭ ‬وذهب‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬الأقصر‭ ‬وأسوان‭.‬

ثم‭ ‬ماذا؟

بقى‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬اللجنة‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬قراراتها‭ ‬وأن‭ ‬مناقشاتها‭ ‬كانت‭ ‬تبلغ‭ ‬حداً‭ ‬عنيفاً‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬يطالب‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬الأجانب‭ ‬بنقل‭ ‬المخطوطات‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬أن‭ ‬تتعهد‭ ‬هولندا‭ ‬بطبع‭ ‬المخطوط‭.. ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬سوف‭ ‬يستغرق‭ ‬نحو‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬كاملة،‭ ‬وأن‭ ‬الطبع‭ ‬سيبدأ‭ ‬بعد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نسخة‭ ‬مصوّرة‭ ‬لكل‭ ‬ورقة،‭ ‬تُنقل‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬لتعد‭ ‬للطبع‭ ‬أولا‭ ‬بأول‭ ‬حتى‭ ‬تخرج‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬النور‭.‬