رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية: لاتقرأوا التاريخ من كتب الصلابى والسرجانى

الدكتور أيمن فؤاد
الدكتور أيمن فؤاد

حوار: حسن حافظ

يستكمل الدكتور أيمن فؤاد سيد، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، حديثه لـ"آخرساعة"، إذ شن هجوما على كتابات الصلابى والسرجانى، وبيَّن خطورتها على القراء، مؤكدا أن "الإخوان" لا يعرفون التاريخ إلا من خلال هذه الكتب المشوهة للحقيقة التاريخية، وألقى باللائمة على أساتذة الجامعة الذين انعزلوا ولم يعودوا يؤلفون الكتب التى تسد حاجة القراء، وذهب إلى أن التمصير والتأميم فى عصر جمال عبد الناصر قضى على انتعاشة عصر الأسرة العلوية الذى شهد انفتاحا وتعديدا، ودعا الحكومة لتغيير القوانين التى تنظم العلاقة بين الجمعية التاريخية ووزارة التضامن الاجتماعي، وقال إننا نحتاج إلى دراما تاريخية مصرية تعرف الناس بما حدث بالفعل فى الماضي، وتصحح بعض ما رسخ فى ذاكرة الناس من معلومات مشوهة، لإعادة الصورة إلى وضعها الطبيعى بعيدا عن رغبة المنتصر فى تشويه المهزوم.

 كيف أثرت سنوات الثورة منذ يناير حتى الآن على نشاط الجمعية التاريخية؟

- انتعشت السيمنارات (الندوات) فى الفترات التاريخية المختلفة، فلدينا خمس سيمنارات متخصصة، والتى أصبحت جاذبة جدا، كما أن مجلة الجمعية التاريخية بدأت تصدر بشكل منتظم مع وجود ناشر لها، وأصبحت واسعة الانتشار، كما أن المكتبة الخاصة بالجمعية مزودة بأحدث الإصدارات بصورة دورية، بالإضافة إلى إهداءات مهمة جدا لمكتبات أساتذة التاريخ الكبار، أمثال الدكاترة رؤوف عباس حامد وعادل غنيم ومحمد على حلة وغيرهم، وهى مكتبات تعطى ثراء لمكتبة الجمعية، لكن هذا لا يمنع من وجود معوقات أمام الجمعية فى عدد من الموضوعات.

 ما هى هذه المعوقات؟

- نحتاج فى الجمعية إلى دعم، وإعادة نظر إلى وضعها، إذ تنظر وزارة التضامن الاجتماعى للجمعية التاريخية كجمعيات الحج والعمرة وجمعيات دفن الموتى، وليس كجمعية علمية، مثلنا مثل الجمعية الجغرافية وجمعية القانون الدولى والجمعية التشريعية وغيرها من الجمعيات العلمية، وهو ما يستدعى من الدولة إعادة النظر لوضعنا بحيث لا نعامل نفس معاملة الجمعيات الخيرية والأهلية، كما يحق لنا الحصول على دعم من الدولة، لأن الجمعية تمثل ذاكرة الأمة، فمثلا كان القطاع الاقتصادى بالتلفزيون المصري، قد اتخذ قرارا فى نهاية الثمانينات بأن كل المسلسلات الدرامية التاريخية لا تُعرض إلا إذ مرت على الجمعية التاريخية لكى يتم مراجعتها تاريخيا، ولأن التلفزيون الرسمى لم يعد ينتج أعمالا تاريخية والقطاع الخاص هو من ينتج حاليا، لذا فالأخير لا يلتزم بالقرار، ومن ثم نرى هذا القدر من الأخطاء والأوهام التى نراها فى الأعمال الدرامية، والتى لا تعد ولا تحصى، وهنا نحن فى حاجة لكى تستعيد الدولة زمام المبادرة فى هذا الأمر.

 هل أدت الأعمال الدرامية التاريخية غير المراجعة لتشويش المعرفة التاريخية عند الأجيال الشابة؟

- نعم هذا يحدث لأن هذه الأعمال لم يتم مراجعتها، ولأن القائمين على هذه الأعمال لا يحبون أن يضيعوا وقتهم ويغيروا فى السيناريو استجابة للتعديلات التاريخية، فعندك مثلا قضايا تحتاج إلى مراجعة المؤرخ المختص، فالمادة التاريخية فى هذه الأعمال ومدى صحتها وصدقها تحتاج لمراجعة، وكذلك الملابس ومدى دقتها، ومطابقة الشخصيات لواقعها التاريخي. فالشخصية التاريخية يجب أن تقوم بنفس الدور الذى لعبته فى الواقع التاريخي، وكل هذا يحتاج إلى عين المتخصص ولكن الآن تم استبعاده، بعدما تراجع دور قطاع الإنتاج الذى كان يهتم بالمراجعة التاريخية، بل إننا نحتاج إلى وجود المتخصص أثناء التصوير لكى يرى مدى ملاءمة الديكور للفترة التاريخية التى تدور فيها الأحداث التاريخية، وأضرب لك مثلا غربيا؛ عندما تم إنتاج فيلم "سقوط الامبراطورية الرومانية" تم مراجعته تاريخيا من قبل ويل ديوارنت مؤلف موسوعة "قصة الحضارة".

 لكن البعض يستخدم الدراما التاريخية لترويج بعض الأفكار مثلما هو حاصل مع الدراما التركية حاليا؟

- نعم هذا يحدث، لكن كيف ترد عليه؟ أنت تحتاج إلى دراما تاريخية مصرية للرد عليها، وهو أمر غير موجود حاليا، إذ عندما تقول دراما تاريخية تعود الذاكرة إلى مسلسل "عمر بن عبدالعزيز" أو "هارون الرشيد" مثلا، لكن بالمفهوم المعاصر الحالى غير موجود، ونحن فى حاجة لأعمال تعريفية للحقيقة التاريخية، وتعريف الناس بما حدث فعلا فى ظل تراجع مساحة القراءة، فطريقة العرض الدرامى هى أكثر شيء يلصق المعلومة التاريخية، وأن يكون هدفك هو تصحيح ما رسخ فى أذهان الناس، فعند التحول من فترة تاريخية لأخرى نجد أن المنتصر يسعى لتشويه المهزوم، وهنا عليك أن تعيد الصورة إلى وضعها الطبيعي، مثلا عندما كنت فى المرحلة الابتدائية كان ممنوعا علينا ذكر محمد على باشا، الآن عاد لوضعه كمؤسس مصر الحديثة، والخديو إسماعيل عاد كبانى القاهرة الخديوية، وبالتدريج سيعود وضع الملك فؤاد الذى أسس القاهرة التى نعيش فيها حاليا من مبنى البرلمان وجامعة القاهرة ودار القضاء العالي.

وهناك البعض يريد أن يلغى تاريخ مصر فى عصر أسرة محمد علي، وهذا لا يجوز، فالبعض يريد تشويه هذه الفترة تاريخيا، على الرغم من أن هذه الفترة شهدت انتعاشة سببها تعدد الجنسيات والحضارات بحيث كانت المدن المصرية مدنا كزموبوليتانية، ففى القاهرة والإسكندرية نجد يونانيين ويهودا وأرمن وإيطاليين، فلما استبعدت كل هذه المكونات حدث تراجع من وجهة نظرى بداية من الخمسينيات، تحديدا منذ بداية سياسة التمصير والتأميم فى عهد جمال عبدالناصر.

 وهل أدت هذه السياسة إلى الارتداد نحو التيارات الإسلامية المتشددة؟

- حدثت بالفعل ردة عكسية لم تجد مقاومة فى المجتمع، خصوصا بعد نكسة 1967، لأن الكثيرين اعتقدوا أن النكسة جاءت لكى تصلح من نفسك، وذلك بالعودة إلى الوراء، وتزامن ذلك مع الانفتاح على الخليج، ففى الخمسينيات والستينيات كان الخليج هو من يأتى لك ويتأثر بك، لكن فى السبعينيات والثمانينات أنت من ذهبت لهم وبدلا من أن تؤثر فيهم تأثرت بهم.

 كيف ترى رغبة البعض فى تحقيق الشهرة عبر ترويج بعض الروايات التاريخية الشاذة؟

- المشكلة فى رأيى هى تركيز الإعلام على هذه النماذج، فمثلا بعض المغنين الذين يدور الحديث عنهم حاليا، لم أكن لأسمع عنهم لولا تناول الإعلام لهم، وهنا أهمية الإعلام وخطورته، فتكرار الكلام وترويج الأفكار الشاذة هو ما يجعلها تلصق فى الأذهان، وفيما يتعلق بأصحاب الآراء التاريخية الشاذة ترد الجمعية التاريخية وتتصدى لهم بوضع الصورة الحقيقية أمام الجمهور، وهنا على الإعلام نشر هذا الرأى بنفس المساحة والاهتمام الذى منحته لصاحب الآراء الشاذة، فالإعلام لا يركز مع الجمعية ونشاطها، فمثلا بح صوتنا على الوضع السيئ أمام مدخل الجمعية التاريخية من تواجد سوق خضراوات وخرفان، يجبر الناس على عدم المجيء، وناشدنا جميع الجهات على مدار أكثر من عشر سنوات ولم يتجاوب معنا أحد.

 ما رأيك فى صحوة الرواية التاريخية وانتشارها؟ وهل يمكن أن تكون مدخلا لجر القراء الشباب لإنعاش معرفتهم التاريخية؟

-  لا يجوز اعتمادها كبديل للقراءة التاريخية التى يجب أن تتم من مصادرها التاريخية، لأن الروايات التاريخية يدخل فيها خيال الكاتب وإبداعه، فمن الممكن أن تكون الأسماء تاريخية لكن التفاصيل داخل الرواية غير تاريخية، لذا نقول إنه يجب أن تكون المعلومات التاريخية فى الأعمال الروائية والدرامية دقيقة، لأن الناس لم تعد تقرأ كثيرا، وما يلصق بذهنها هو الأعمال السينمائية أو المسرحية، فمثلا الناس لا تعرف صلاح الدين الأيوبى إلا فى صورة أحمد مظهر، رغم أن الفيلم مليء بالأخطاء التاريخية بسبب عملية الإسقاط التاريخى على شخصية جمال عبد الناصر فى أوائل الستينيات، باعتبار أن صلاح الدين بطل القومية العربية على الرغم من أنه كردي، لأن المجتمع الإسلامى كان مبنى على مفهوم الأمة الإسلامية، وتعددية الأعراق من عرب وأكراد وتركمان وغيرهم.

 هذا ينقلنا إلى نماذج منتشرة من أمثال الصلابى وراغب السرجانى من الهواة أصحاب الهوى كيف تقيمهما؟

- فى رأيى أن أى باحث يعتمد فى رسالة علمية على أعمال لهؤلاء يسقطها فورًا، لأن هؤلاء يكتبون تاريخا أيديولوجيا مبنياً على خلفيات متعصبة، وسبب انتشار أعمالهم هو الأمية الشديدة، فى وقت أقسام التاريخ تمنع عمليا الأساتذة من كتابة الكتب ويجبرون على التركيز على الأبحاث العلمية للترقية، والتى تنشر فى الدوريات العلمية محدودة الانتشار، فمن سيذهب ليبحث عن مقالة فى كلية لغة عربية؟ لكن الكتب هى ما تنتشر بين الناس، لذا نحذر من كتب الصلابى والسرجانى لأنها لا تعتمد على مصادر ولا يوجد بها منهجية، وقائمة على فكر أيديولوجي، وهم غير متخصصين أصلا، وهذه النوعية من الكتب هى الشائعة فى بيئة الإخوان والسلفيين، ولا يعرفون التاريخ إلا من هؤلاء.

 أليس السبب الحقيقى فى رواج تلك الكتب رغم كل سيئاتها هو انعزال الأستاذ الجامعى عن الشارع؟

- أستاذ الجامعة هو من يستطيع أن يروج لنفسه أو يعزل نفسه، لكنه غير منتج، للأسف معظم الأساتذة الكبار توقفوا عن الكتابة، ولا تجد من يتصدى لكتابة كتاب شامل بمثل هذا المفهوم، أى أن تعرض التاريخ الكامل لدولة بمنهجية، أى كما يجب أن تعرض، وأن تنقل الحقائق التاريخية بمنهجك وأسلوبك كأستاذ متخصص فى التاريخ.

 بالحديث عن الانعزال.. متى يشتبك المؤرخ ويكتب لنا تاريخ ثورتى يناير ويونيو؟ أم إن على المؤرخ الابتعاد زمنيا عن الحدث ليؤرخه؟

- أى فترة تاريخية لكى تكتبها وتعرضها بشكل صحيح، يجب أن تتوفر عندك كل الملابسات وكل الوثائق وكل الظروف والشهادات الحديثة التى تمت فيها، إذا توافرت هذه كلها أمامى أستطيع من خلالها أن أقيم الفترة التاريخية، لأن التاريخ هو أن تكتب الفعل البشرى كما حدث بعيدا عن الأيديولوجية، لذا لكى نبعد عن المجاملات يجب أن ننتظر فترة، فمثلا عند حديثنا عن ثورة 1952 سنكتبها بشكل جيد جدا أفضل مما لو كتبناها فى الستينيات مثلا، والتى ستكتبها بشكل مختلف وقتها.

 هذا ينقلنا إلى الحديث عن جدلية الذاتية والموضوعية فى عمل المؤرخ!

- التاريخ يبنى على مصادر ووثائق، فإذا لم تتوافر له الوثائق فلا تاريخ، فالبحث عن المصادر والوثائق هى هدف من أهداف دارس التاريخ، لكى ينجز دراسته التى تقوم على قراءة ما سبق وأنجز من أعمال، كما يضيف تفسيره الجديد للوقائع التاريخية، وكل هذا قائم على الموضوعية، مع الاعتراف بأن الموضوعية الكاملة صعبة، لوجود جزء ذاتى يعبر فيه المؤرخ عن شخصيته ومنهجه، وليس انحيازاته، وهذا ما يجعل عملية قراءة أكثر من كتاب عن تاريخ المماليك مثلا ممكنة، لأننا نعرف جميعا الوقائع التاريخية الأساسية، لكن الاختلاف بين هذه الكتب يأتى من كيف تفسر هذه الأشياء؟ هذا هو ما يميز مؤرخاً عن آخر.

 وماذا عن تعامل المؤرخ مع المصادر الجديدة والتى برزت مؤخراً مثل اليوتيوب وفيسبوك وغيرها؟

- طبيعة العصر تفرض مصادرها، ففى البداية كنا نعتمد على النقوش الحجرية ثم أصبحنا نعتمد على أشياء مكتوبة، ثم مراسلات ومؤلفات أدبية، ثم دور أرشيف ومحفوظات، وعندنا الآن الصحافة، فيمكن الاستفادة من الوسائط الجديدة فى عملية الكتابة التاريخية وتوظيفها، بعد تطبيق قواعد نقد المصادر عليها للتثبت من صحتها.

 فى النهاية لا نستطيع أن نغادرك دون سؤالك عن التطور الحادث فى مدينة القاهرة خصوصا فى الشق التاريخى منها وأنت صاحب كتاب "القاهرة خططها وتطورها العمراني"؟

- هناك تطور ونهضة لا تنكر وكذلك تحولات كثيرة جدا، لكن باعتبار أن القاهرة مدينة تاريخية لا يجب أن نمس الخصائص الملتصقة بهذه المدينة وتعطيها طابعها، فالتطوير مطلوب فيما يتعلق بالحداثة، لكن كل ما هو قديم وتاريخى يحتاج للمحافظة عليه، أى إحياء الشيء على ما كان عليه فى الأصل، فهنا كلمة التطوير تتحول فى التاريخ إلى إفساد، وأرى أن هناك همة شديدة جدا فى قاهرة وسط البلد أو القاهرة الخديوية، وهذه المنطقة عمرها 150 عاما، وهى منسوخة من أوروبا، حتى تم تشبيهها بباريس على النيل، لكن ما يشد الناس هو القاهرة القديمة، بداية من جامع عمرو بن العاص جنوبا مرورا بالقطائع شمالا وصولا للقلعة والقاهرة الفاطمية، أى كل ما هو شرق شارع بورسعيد، وهذا الجزء مهمل.

عندما نذهب إلى روما نجد أن ما يجذب السياح هو المدينة القديمة بأزقتها بحواريها وشوارعها، لذا فأنت مطالب بأن تعيد للقاهرة القديمة مظهرها التاريخى وتيسر الوصول إليه، وأن يتم تغيير الأنشطة التجارية فيها، فلا يصح أن نجد السمكرى والسباك والنجار وأصحاب الحرف فى هذه المنطقة، لذا يجب أن تكون المبانى الأثرية مناسبة للأنشطة السياحية ومدعمة بكافيهات ومحال بيع التحف المقلدة لكى تكون جاذبة، لذا أرفض مفهوم التطوير وأتمسك بمصطلح المحافظة، أى أن أنقذ ما تبقى وأعمل على إحيائه.